ياسر جلال: السيسي شجاع ولا يخشى إلا على مصلحة الوطن    المستشار عصام فريد رئيسا للشيوخ والعوضي وسعد وكيلين    «قناة السويس» تتابع جودة الخدمات الغذائية المقدمة لطلاب المدينة الجامعية    عاشور: الذكاء الاصطناعي ضرورة استراتيجية لدعم اقتصاد المعرفة    الري: مستمرون في إدارة إيراد نهر النيل بمرونة واستعدادات مكثفة لموسم السيول    إنشاء 3 كليات جديدة بجامعة بنها الأهلية    المنوفي بعد تحريك أسعار الوقود.. الأسواق تحت السيطرة ولا زيادات بأسعار السلع    شعبة الأدوات الكهربائية: استمرار مبادرة دعم الأنشطة الإنتاجية ينعش القطاع الصناعي    صحيفة إسبانية: قمة بوتين – ترامب في المجر «كابوس سياسي» للاتحاد الأوروبي    إيران تعلن انتهاء القيود النووية    الجنائية الدولية ترفض استئناف إسرائيل في قضية غزة    تفاصيل اجتماع وزير الرياضة مع رئيس كاف    محافظ أسوان في جولة مفاجئة على المخابز والأسواق: هدفنا ضبط الأسعار    موجة صيف متأخرة.. تحذير هام من «الأرصاد» للمواطنين    تحرير 1090 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    لليوم الثاني على التوالي.. إطلاق طائرات الباراموتور بمشاركة 100 مغامر أجنبي من 15 دولة بالأقصر    قبل إغلاق قاعة توت عنخ آمون.. إقبال كبير على زيارة المتحف المصري بالتحرير    بين الجرأة والكلاسيكية.. حضور لافت لنجمات ونجوم الفن في ثاني أيام مهرجان الجونة    الصحة: ارتفاع معدلات الولادات القيصرية إلى 88% بالإسكندرية    المستشفيات التعليمية تتوسع في خدمات كهرباء القلب إلى بنها ودمنهور لتخفيف العبء عن المرضى    «الصحة» تواصل برنامج «درّب فريقك» لتعزيز مهارات فرق الجودة بالمنشآت الصحية    محافظ أسوان يفاجئ مخابز ومحلات جزارة بكوم إمبو    مصرع 3 أشخاص وإصابة 15 شخصا فى حادثى سير بالطريق الصحراوى بالبحيرة    تعرف على موعد تأخير الساعة في مصر 2025 وسبب اختيار يوم الجمعة لتطبيق التوقيت الشتوي    أعضاء مجلس الشيوخ يؤدون اليمين الدستورية.. اليوم    بعد نجاتها من حادث سير.. نجوى إبراهيم تكشف تطورات حالتها الصحية (فيديو)    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    تعرف على عقوبة عدم التصويت في الانتخابات البرلمانية    استقرار نسبي في أسعار الفراخ اليوم السبت 18 اكتوبر 2025فى المنيا    السبت 18 أكتوبر 2025.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع اليوم    جولة لمدير الرعاية الصحية بالأقصر بوحدة طب أسرة طيبة لمتابعة خدمات المواطنين    ترامب يدعو كييف وموسكو إلى التوقف عند هذا الحد وإنهاء الحرب    «الحوض والظهر».. المعد البدني السابق للأهلي يكشف سبب إصابات أشرف داري    رئيس صريبا: قمة بوتين وترامب في المجر أهم قمة في القرن 21    ترامب يدعو أوكرانيا وروسيا إلى وقف الحرب فورا    طريقة عمل البطاطا الحلوة بالبشاميل، تحلية مغذية ولذيذة    ذات يوم.. 18 أكتوبر 2006.. وفاة الكاتب المفكر محمد عودة.. «الفقير» الذى اغتنى بلمة المريدين ومؤلفات ومواقف تحمل أمانة الكلمة وضميرا يقظا لم تخترقه أى إغراءات    أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 18 أكتوبر 2025    الدفاع الروسية: تدمير 41 مسيرة أوكرانية فوق عدة مناطق    الأهلى يضع «عبدالمنعم» ضمن المرشحين لدعم الدفاع فى يناير    عبد البصير: موقع المتحف الكبير سيحوّل المنطقة إلى مقصد ثقافي عالمي    لا ترهق نفسك بالتفاصيل غير الضرورية.. خظ برج الجدي اليوم 18 أكتوبر    أنغام تُشعل أجواء قطر بأمسية غنائية استثنائية (فيديو)    استقرار أسعار اللحوم في المنيا اليوم السبت 18 أكتوبر 2025    مواعيد مباريات اليوم السبت 18 أكتوبر والقنوات الناقلة    الزمالك يواجه ديكيداها الصومالي في مستهل مشواره بالكونفدرالية الأفريقية    اليوم.. الحكم على 37 متهما بقضية "خلية التجمع"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-10-2025 في محافظة قنا    تعادل مثير بين سان جيرمان وستراسبورج في الدوري الفرنسي    رسميا.. فوز أسامة أبو زيد برئاسة نادى الشمس للمرة الثالثة على التوالى    المصري هيثم حسن يقود تشكيل ريال أوفييدو أمام إسبانيول في الليجا    انخفاض كبير في عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب والسبائك اليوم السبت بالصاغة    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    هل يجوز للمريض ترك الصلاة؟.. الإفتاء تُجيب    القطط فى مصر القديمة.. الرفاق الذين أصبحوا آلهة    سقوط 3 متهمين بالنصب على راغبي شراء الشقق السكنية    ترامب يوقع أوامر بفرض رسوم جمركية جديدة ودعم إنتاج السيارات داخل الولايات المتحدة    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منال الشرقاوي تكتب: بين السماء والأرض
نشر في صدى البلد يوم 04 - 09 - 2024

في اللغة العربية، يحمل التعبير "بين السماء والأرض" في معناه الحرفي دلالة على ذلك الفراغ الشاسع الذي يفصل بين العلو المتمثل في السماء، وبين الأرض التي تعبر عن الثبات والمكان الذي يقف عليه الإنسان. هذا الفراغ، في جوهره، يُمثل حالة من التعليق أو الانفصال عن الحالتين المتعارضتين، فهو لا يرتبط بوضوح بالسماء ولا يتجذر في الأرض، بل يعكس موقعًا غير محدد، يفتقر إلى الثبات واليقين. من هنا، يأتي المعنى الملموس ليخدم أبعادًا مجازية أعمق، حيث يشير إلى حالات من الاضطراب أو الانتظار أو التردد، وهي تلك الحالات التي تنشأ عندما يُحرم الإنسان من الوضوح أو التوجه نحو غاية معينة، فيظل معلقًا بين إمكانات مفتوحة بلا قرار نهائي.
أما على الصعيد المجازي، يتجاوز التعبير "بين السماء والأرض" حدوده الحرفية ليصبح رمزًا لحالة من الحيرة والتردد، حيث يجد المرء نفسه معلقًا في فضاء غير محدد، عاجزًا عن الاستقرار أو اتخاذ قرار واضح. إنه تعبير عن حالة من الاضطراب الداخلي، بين الانتظار والقلق، فهي تعكس لحظات يعيش فيها الإنسان بين احتمالات متناقضة، غير قادر على التقدم أو الرجوع، ليظل عالقًا في منطقة رمادية لا تنتمي لا للسماء ولا للأرض.
وبمنتهى السلاسة والحرفية يأتي اختيار اسم فيلم "بين السماء والأرض" ليأخذ جمهور عام 1959 إلى رحلة ذهنية، تجعله يفكر، ما المقصود بهذا العنوان ؟!
الفيلم هو أحد الأعمال البارزة في تاريخ السينما المصرية، الذي قدمه المخرج الكبير صلاح أبو سيف، عن قصة للأديب "نجيب محفوظ"، ولمسات المبدع "سيد بدير" في السيناريو بمشاركة "صلاح أبو سيف". يتناول الفيلم قصة تدور أحداثها في مصعد معطل، حابسة مجموعة من الأشخاص الذين يمثلون فئات مختلفة من المجتمع المصري. و على الرغم من محدودية المكان، استطاع أن يقدم تجربة درامية مليئة بالتوتر والعمق الإنساني، معبّرًا عن صراعات نفسية واجتماعية تجمع بين الكوميديا السوداء والتراجيديا.
تدور أحداث الفيلم في إطار درامي-كوميدي، حيث يجد مجموعة من الأشخاص أنفسهم محبوسين داخل مصعد معطل في إحدى العمارات السكنية، ويكشف الحوار بين الشخصيات عن خلفياتهم الاجتماعية والنفسية. الشخصيات، رغم اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ومواقفهم الحياتية، يجتمعون في هذه اللحظة الحرجة ليصبح المصعد مكانًا رمزيًا يعبر عن المجتمع الكبير، حيث تتقاطع المصائر وتتجلى حقيقة كل منهم.
لكن.. كيف اقتنع المتلقي بفكرة فيلم داخل مصعد -والذي يُعتبر الموقع الوحيد للأحداث تقريبًا-؟
وهنا، يأتي دور الكادر ليُكمل هذا البناء الدرامي، حيث استطاع صلاح أبو سيف توظيف المساحة المحدودة للمصعد بشكل ذكي، ليصبح المكان جزءًا أساسيًا من حبكة الفيلم. من خلال التحرك داخل هذه المساحة المغلقة، نقل لنا أبو سيف إحساس الحبس والضيق الذي تعيشه الشخصيات، مما أضاف بُعدًا بصريًا للنص السردي.
إن هذه المساحة الضيقة قدمت تحديًا كبيرًا على المستوى البصري والإخراجي، خاصة فيما يتعلق بتكوين الكادر وتحريك الكاميرا. الكادر في "بين السما والأرض" تميز بالضيق والتقارب بين الشخصيات، مما يعكس جو الاختناق والضغط النفسي الذي تعيشه الشخصيات داخل المصعد، من خلال عدة تقنيات، مثل اللقطات القريبة (Close-ups) التي جاءت بشكل متكرر لزيادة الشعور بالضيق وتكثيف الحالة النفسية للشخصيات. اللقطات القريبة على وجوه الشخصيات أظهرت مشاعر التوتر، الخوف، والقلق، ودفعت المشاهد إلى التركيز على الانفعالات الفردية لكل شخصية ، مما خلق تواصل بصري مباشر بين المشاهد والشخصيات.
جاء التكوين الجماعي في الكادر (Group Composition)فأظهر الشخصيات متقاربة جدًا، وهو ما أسهم في تعزيز الإحساس بالاختناق، وإلى عدم قدرة الشخصيات على الهروب من واقعها أو من بعضها البعض، ليعكس الصراع المستمر بينهم داخل هذه المساحة المشتركة. على الرغم من أن المساحة صغيرة، إلا أن حركة الشخصيات داخل المصعد كانت مدروسة بحيث تم التركيز على الشخصيات التي تحتاج إلى إبرازها في كل لحظة تحرك داخل الكادر (Blocking). حركة الشخصيات لم تكن واسعة، ولكنها ديناميكية ضمن إطار محدود، وهذا يعكس إحساس التعارض أو الصراع الذي ينشأ بينهم.
ولتعزيز هذا الإحساس بالحصار النفسي، جاء استخدام الإضاءة والزوايا البصرية كأدوات مهمة في تكوين المشاهد. صلاح أبو سيف لم يكتفِ فقط بتصوير الشخصيات، بل أعاد تشكيل الأبعاد الرمزية والاجتماعية من خلال التلاعب الذكي بالزوايا والإضاءة. فقد حاول تنويع الزوايا البصرية للحفاظ على اهتمام المشاهدين بين استخدام الزوايا المنخفضة والعالية (Low & High Angles) الزوايا المنخفضة كانت تُستخدم أحيانًا لتظهر الشخصيات بمظهر أكبر أو أكثر أهمية، فيما تُظهر الزوايا العالية الشخصيات بمظهر ضعيف أو محاصر. هذا التلاعب بالزوايا ساعد في تقديم طبقات رمزية تعكس الاختلافات الطبقية والاجتماعية بين الشخصيات المحبوسة في المصعد، حتى وإن كانوا جسديًا في نفس المكان. وقد نجح المصور وحيد فريد في استغلال الإضاءة بطريقة ذكية تعكس حالة الشخصيات النفسية والدرامية. الإضاءة الخافتة داخل المصعد أضافت جوًا من الكآبة والعزلة، مما جعل الجمهور يشعر بضغط المكان وضيق الشخصيات.
هذا التوجه الإخراجي، المدعوم بأداء الممثلين والحوار المُحكم، أسهم في إبراز الجو النفسي والدرامي داخل المصعد، ليكون الفيلم أكثر من مجرد حكاية عن تعطل مصعد، بل انعكاسًا للتوترات الإنسانية التي تعيشها الشخصيات في مواجهة أزماتها الخاصة.
في فيلم "بين السماء والأرض"، اتخذ المصعد دورًا رمزيًا عبر من خلاله عن تنوع المجتمع وتداخل طبقاته. الشخصيات المحبوسة داخله تمثل طيفًا واسعًا من الأشخاص، وكل منهم يجسد همومه الخاصة. هذا المكان المغلق، بما يحمله من ضيق مادي، يرمز إلى الضغوط الحياتية التي تفرض نفسها على الإنسان، حيث يجد نفسه في مواجهة أزمة لا مهرب منها. تعطل المصعد هنا ليس مجرد حدث درامي، بل هو إشارة إلى لحظة توقف قسرية، تدفع الشخصيات للتأمل في مآزقها، وإعادة النظر في مسار حياتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.