ضبط شخص بحوزته كروت دعائية انتخابية للتأثير على الناخبين بالبحيرة    الصحة: التوسع في خدمات ذوي الهمم ورفع اللجان الطبية إلى 531    وزارة العمل تفتش على 947 منشأة وتوجه 545 إنذارًا    مدبولي يستعرض مع وزير البترول ملف تعزيز التعاون الدولي    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    انقطاع الكهرباء عن مركز ومدينة طوخ بالقليوبية لمدة 4 ساعات السبت المقبل    رئيس الوزراء يصدر 10 قرارات جديدة اليوم    وسائل إعلام إسرائيلية: تقديرات بموجة استقالات داخل الموساد بعد تعيين جوفمان    «أخبار اليوم» تنعى شقيق الكاتب الصحفي إسلام عفيفي    مدرب المغرب: الإصابة حرمتنا من بن شرقي في بطولة كأس العرب    رغم إصابته في أحداث 7 أكتوبر.. نتنياهو يدافع عن قرار تعيين سكرتيره العسكري رئيسا للموساد    طبيب منتخب مصر المشارك في كأس العرب يكشف حجم اصابة كريم فؤاد    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    إعلان نتائج بطولة الجمباز بدوري الجامعات والمعاهد العليا المصرية رقم 53    أمن الجيزة يضبط 4 أشخاص لممارسة الأعمال المنافية للآداب بأكتوبر    الداخلية تكشف تفاصيل تعدى بالسب بين أشخاص بسبب الانتخابات بإمبابة    الطقس غدا.. تغيرات مفاجئة وتحذير من شبورة كثيفة وأمطار ونشاط رياح وأتربة    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    كيف يحتفل متحف نجيب محفوظ بذكرى ميلاد صاحب الثلاثية؟    القاهرة الإخبارية: انتظام التصويت بدائرة الرمل في الإسكندرية.. والشباب يتصدرون    اسمها الحقيقى إفراج.. ياسمين الخيام في ذكرى والدها: غيرت اسمي خوفا عليه "فيديو"    وفاة الشاعر والإذاعي فوزي خضر وتشييع جثمانه اليوم بعد صلاة العصر    إحالة مدير الطوارئ وطبيب بمستشفى بركة السبع إلى الشئون القانونية للتحقيق    «الأوقاف»: تعديل القيمة الايجارية لأملاك الوقف    بوتين: المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا مفيدة لكنها كانت أيضا عملا صعبا    تبون: لا سلام بالشرق الأوسط دون حل عادل للقضية الفلسطينية    ترقب أمريكى لزيارة بوتين للهند.. توقعات باتفاقات دفاعية وتسهيل التجارة    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    "تعليم القاهرة" تدعو الطلاب لضرورة الاستفادة من المنصة اليابانية    «تطوير التعليم بالوزراء» يعلن إطلاق برنامج مجاني لتعلم اللغة الإيطالية لتأهيل الشباب لسوق العمل الدولي    إفريقيا وأزمة المياه.. تحديات متصاعدة تنذر بمستقبل صعب    الزمالك يخوض مبارياته في كأس عاصمة مصر على ستاد المقاولون العرب    الليلة.. حفل افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2025    "آثار القاهرة" تنظم ندوة علمية حول النسيج في مصر القديمة واتجاهات دراسته وصيانته    هل بول القطط نجس؟ وحكم الصلاة فى المكان الملوث به.. الإفتاء تجيب    غنام محمد على رادار الأهلي تمهيدا لرحيل ديانج في يناير    مباحثات مصرية - بريطانية لتعزيز الاستثمارات في مجال الرعاية الصحية    لماذا يرتفع ضغط الدم فى الصباح وكيفية التعامل معه؟    نقيب المعلمين يبحث آفاق التعاون مع اتحاد التعليم في إنجلترا    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    المعرض الدولى الرابع للصناعات الدفاعية ( إيديكس - 2025 ) يواصل إستمرار فعالياته وإستقبال الزائرين    مصر تقيم احتفالية كبرى لوزراء البيئة وممثلي 21 دولة من حوض البحر المتوسط    وزير الزراعة يدلي بصوته في جولة إعادة انتخابات مجلس النواب بدائرة الرمل    محكمة جنح أول الإسماعيلية تؤجل نظر محاكمة والد المتهم بجريمة المنشار    أسيوط.. العثور على جثة مواطن وابنته بترعة الإبراهيمية عقب اختفائه وأبنائه الأربعة في ديروط    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    استمرار الغلق الكلي لمحور 3 يوليو.. تعرف على البدائل    رمضان 2026| سوسن بدر تتعاقد علي «توابع »ل ريهام حجاج    بيراميدز يخسر جهود زلاكة أمام بتروجت    اليوم الثاني للتصويت بالبحيرة.. إقبال لافت من الناخبين منذ فتح اللجان    أسعار البيض اليوم الخميس 4 ديسمبر2025    هل وجود الكلب داخل المنزل يمنع دخول الملائكة؟.. دار الإفتاء تجيب    لو عندى نزلة برد أعمل إيه؟.. الصحة توضح خطوات التعامل والوقاية    اللهم إني أسألك عيش السعداء| دعاء الفجر    دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف    وزير الثقافة يُكرّم المخرج القدير خالد جلال في احتفالية كبرى بالمسرح القومي تقديرًا لإسهاماته في إثراء الحركة المسرحية المصرية    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منال الشرقاوي تكتب: كيف يمكن لغياب الكلمات أن يكون أكثر تأثيرًا من حضورها؟
نشر في صدى البلد يوم 11 - 08 - 2024

في عالم الأدب، الذي يُبنى على الكلمة والحوار، قد يبدو غياب الكلمات وكأنه نقص، أو فجوة ينبغي ملؤها. ولكن، في العديد من الحالات، يكون الصمت هو العنصر الأكثر تأثيرًا، وقد يحمل معانٍ وأبعادًا تتجاوز ما يمكن للكلمات التعبير عنه. إن الصمت في الأدب ليس مجرد غياب، بل هو حضور خفي، له قدرة على التلميح والتأثير قد تضاهي، بل وتتفوق أحيانًا، على النصوص المليئة بالكلمات، وعندما يُستخدم بذكاء، يمكن أن يصبح أداة سردية قوية في يد الكاتب. الصمت هنا ليس مجرد انقطاع في الحوار، بل هو تقنية توظيف الفجوات والتلميحات لخلق تأثير نفسي عميق لدى القارئ. إنه الصمت الذي يسبق الانفجار، اللحظة التي تسبق الفعل الحاسم، حيث يتيح للمتلقي أن يملأ الفراغات بنفسه، ويجعل من تجربته في القراءة عملية تفاعلية نشطة.
في رواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ. بطل الرواية، "سعيد مهران"، يعاني من صراعات داخلية عميقة تتعلق بالخيانة والانتقام والبحث عن معنى في عالم يراه مليئًا بالظلم والغدر. وهنا جاء الصمت كأداة سردية تحمل راية قوة ما لم يُقال.
عند تحليل رواية "اللص والكلاب"، سنلاحظ أن "سعيد مهران" يتميز بصمت طويل ومعبر في عدة مواقف، خاصة عندما يتأمل في خيانة أصدقائه والمجتمع من حوله. صمته ليس مجرد غياب للكلام، بل هو وسيلة في التعبير عن غضبه المكبوت وحنقه الداخلي. خلال تلك اللحظات من الصمت، يُظهر نجيب محفوظ كيف يمكن للصمت أن يكون أكثر قوة في التعبير عن مشاعر الاضطراب واليأس من الحوار المباشر. في مشهد آخر، عندما يخطط سعيد مهران للانتقام من أولئك الذين خانوه، يتجلى الصمت كعلامة على التركيز والعزيمة. إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، حيث يصبح الصمت بمثابة لغة الانتقام، إذ يتجنب الحديث ليغرق في أفكاره السوداوية والخطط التي يحيكها في ذهنه.
الرواية مليئة بلحظات الصمت التي تعكس الحيرة الوجودية لبطلها. صمت سعيد مهران في مواجهة تآكل قيمه الأخلاقية وتفكيره العميق في خيانة المجتمع له يضيف طبقات من التعقيد النفسي إلى الشخصية. هنا، الصمت يصبح تأملًا داخليًا في معنى الحياة والعدالة، وكيف يمكن لشخص أن يجد مبرر لما يمر به من تجارب قاسية.
أما في السينما، فيُعتبر الصمت أداة بصرية قوية يمكن أن تخلق تأثيرات تتجاوز بكثير ما يمكن للكلمات المنطوقة تحقيقه. الصمت هنا يمكن أن يتحول إلى لغة بحد ذاته، لغة الصمت، التي تتحدث من خلال الإشارات البصرية والموسيقى الخلفية أو حتى من خلال الفراغ الصوتي. يُعتبر فيلم "المومياء" للمخرج شادي عبد السلام واحدًا من أكثر الأفلام التي استخدمت الصمت -بشكل مؤثر- لخلق حالة من الرهبة والغموض الفلسفي. وفي تحليل المشهد الختامي للفيلم، نرى استخدامًا بارعًا للصمت. الفيلم يتبع رحلة الشاب "ونيس" الذي يكتشف تراث عائلته وحقيقة ما ارتكبوه من جرائم في سرقة الآثار المصرية. في نهاية الفيلم، يتم تصوير مشهد يظهر فيه "ونيس" بعد أن قرر تسليم الآثار المسروقة للدولة. هذا المشهد يصاحبه صمت مطلق، دون أي حوار، فقط صوت الرياح الخافتة التي تجتاح الصحراء.
الصمت في هذا المشهد لا يعبر فقط عن قرار "ونيس" النهائي، بل يُضفي إحساسًا بالرهبة أمام عظمة الحضارة المصرية القديمة. إن غياب الحوار يترك المشاهد في مواجهة مباشرة مع مشاعر "ونيس" المعقدة، حيث يجبرنا الصمت على التفكير في معاني الفناء والبقاء، وما يعنيه أن تتصل جذور الإنسان بتاريخ يمتد لآلاف السنين.هذا الصمت يفتح المجال أمام المشاهد للتأمل في المفاهيم العميقة التي يطرحها الفيلم، مثل فكرة الإرث الثقافي والهوية، والصراع الداخلي بين الواجب الأخلاقي والانتماء العائلي.
دعنا نتفق على أن الصمت، سواء في الأدب أو السينما، يمنح القارئ أو المشاهد مساحة للتأويل والتفاعل الشخصي، حيث لا يفرض معنى واحدًا بل يفتح المجال لتفسيرات وقراءات متعددة. الفجوات التي يخلقها الصمت في النص المكتوب أو المشهد السينمائي تكون بمثابة دعوة للمتلقي لملء هذه الفجوات بتأملاته وخبراته الخاصة، مما يحول العمل الفني إلى تجربة شخصية فريدة لكل فرد. على سبيل المثال، في رواية "الزيني بركات"، يستخدم "جمال الغيطاني" الصمت لخلق مساحات تأويلية يمكن للقارئ أن يملأها بتفسيراته الخاصة. الصمت الذي يحيط بالشخصيات في لحظات الخوف والقلق، خاصةً عند تعاملهم مع السلطة القمعية في القرن التاسع عشر، يترك للقارئ الفرصة لاستكشاف الدوافع النفسية والسياسية الخفية خلف هذا الصمت. فالقارئ قد يتساءل: هل يعبر هذا الصمت عن قوة خفية أم عن ضعف؟ هل هو وسيلة للبقاء أم تعبير عن اليأس؟ هذا النوع من الصمت يفتح الباب أمام القراء للتفاعل مع النص بشكل أعمق، حيث يمكن لكل قارئ أن يفسر الصمت بناءً على خلفيته الثقافية والنفسية، مما يجعل تجربة القراءة فريدة لكل فرد.
أما في السينما و-تحديداً- في فيلم "الحرام" لهنري بركات، يصبح الصمت الذي تلتزمه البطلة "عزيزة" بعد تعرضها للاغتصاب محورًا لتفاعل المشاهدين مع الفيلم. هذا الصمت المليء بالمعاني الخفية يدعو المشاهد إلى التأمل : ما الذي يدور في ذهن عزيزة؟ كيف تعيش هذه المعاناة في صمت؟ هل الصمت هنا هو نوع من أنواع المقاومة ضد الظلم، أم هو استسلام للقدر؟. هنا يتفاعل المشاهدون مع هذا الصمت بطرق مختلفة؛ فالبعض قد يراه صمتًا مفروضًا من المجتمع، بينما قد يراه آخرون كرمز لصمود المرأة في وجه الظلم. إن هذا الصمت يفتح المجال لتأويلات متعددة، حيث يمكن لكل مشاهد أن يرى فيه جوانب مختلفة تعكس تجربته الشخصية وتصوراته عن العدالة والظلم.
الصمت الأدبي والسينمائي ليس مجرد فراغ أو نقص، بل هو نص خفي يتحدث بلغة خاصة. إنه دعوة للتأمل والتفاعل، وإفساح المجال للقارئ أو المشاهد ليكون شريكًا في عملية الإبداع، في ملء الفجوات وإعادة صياغة المعاني، فقد يكون الصمت هو الأداة الأكثر تعبيرًا في الأدب والفن، حيث يتيح للغموض والتأمل أن يتسللا إلى عقل وقلب المتلقي، مما يضفي على العمل الفني عمقًا يتجاوز حدود اللغة المحكية أو المكتوبة، ليلامس الروح ويترك في النفس أثرًا دائمًا لا يُنسى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.