بعيدا عن خلافاتهم السياسية واختلافاتهم القومية والمذهبية، اعتاد المئات من سكان مدينة كركوك المتعددة الأعراق بشمال العراق، ومنذ سنوات طويلة ارتياد المقاهي في ليالي رمضان لممارسة لعبة جماعية شهيرة تدعى "الصواني". وحول ذلك، يقول علي عادل زين العابدين، صاحب مقهي الديوان وسط مدينة كركوك، وهو من أشهر مقاهي المدينة: "نشهد هذا العام اقبالاً لا مثيل له مقارنة بالأعوام الماضية؛ لأن الجميع يريد الخروج من منازلهم؛ هربا من حرارة الصيف المرتفعة، ورغبة في الترفيه، وسعيا لتقوية أواصر التعايش السلمي وتقبل الآخر عبر إحياء المشتركات". وأضاف، لمراسل الأناضول: "إننا نلبي أذواق مختلف أطياف أهالي كركوك بأغاني خاصة تدعى المربعات والمقامات، فضلا عن توفير الفرصة لممارسة ألعاب: الدومينو والطاولة والصواني، والأخيرة هي الأشهر في تاريخ كركوك، كما تتاح خلال ارتيادهم لمقهانا تناول مأكولات شهيرة". عصام صلاح الدين، الباحث في مجال التاريخ وتراث كركوك بأحد المراكز التعليمية في المدينة، يصف لعبة الصواني بأنها إحدى اللعبات التراثية في كركوك. ويلفت في تصريحات لمراسل الأناضول إلى أن "أصحاب المقاهي - التي تنظم هذه اللعبة لروادها خلال أمسيات رمضان - أكثرهم من التركمان والأكراد ويمتازون بالسخاء وحسن الضيافة". وحول أصول هذه اللعبة، يوضح مصطفى قيماز عمر، وهو لاعب متمرس فيها، إن لعبة الصواني يتم لعبها من قبل فريقين، ويطلق عليها أيضا "اللعب بالصيني". ويشرح عمر قائلا لمراسل الأناضول: "كل فريق يتألف من ثلاثة لاعبين، وهناك صينية معدنية تشبه تلك التي تقدم عليها المشروبات، عليها أحد عشر فنجانا معدنيا، يقوم معد الصينية بدهن باطن الصينية بالشيرة (سكر وماء مغلي كثيف القوام)، ثم يقوم الفريق الأول بإخفاء النرد تحت أحد الفناجين سرا وبعيدا عن أعين الفريق الأخر، وعلى أعضاء الفريق ايجاد مكان اخفاء النرد". ويلفت عمر إلى أن اللعب يستمر حتى ساعة السحور يتخلله تقديم عروض لرقصات الدبكة، والأغاني الشعبية بجميع اللغات المتداولة في كركوك: التركمانية والكردية والعربية، وتتنافس الفرق على الفوز بوجبات طعام للسحور والحلوى والمرطبات. بدوره، يقول محمد شمس الدين ترزي (32 عاما) والذي يتولى إعداد صينية اللعب في أحد مقاهي كركوك،: "تعلمنا اللعبة وإعدادها لخدمة الجميع، وفي العادة تنظم بطولات ومسابقات بين أحياء المدينة خلال رمضان، هدفها تقوية الحوار واللقاء والعيش المشترك". المواطن نظام حسن ولي، الذي اعتاد على ممارسة لعبة الصواني خلال رمضان، يرى أن الذي يروق له أكثر من أي شيء أخر هو الرقصات والأغاني بلغات مكونات كركوك كافة التي تتخلل اللعبة؛ حيث يرقص الجميع على الأغاني، يرقص الكردي والعربي والتركماني حتى منتصف الليل وسط شعور بالتاخي والطمأنينة. ويختتم تصريحاته قائلا: "هذه هي هوية كركوك الحقيقة رغم خلافات السياسيين". وفي مقهى الديوان وسط مدينة كركوك، يقول نوزاد حمه عبدالله، وهو مواطني كردي يلعب لعبة الصواني إلى جانب لاعبين من العرب والتركمان، إن "رمضان الحالي ليس كرمضان السابق؛ فالمواطن مثقل بهمومه وخوفه الأمني، ورغم ذلك فهو يذهب للمقهى ليتحدى كل شي". ويعتقد غسان فيصل المشهداني، وهو مواطن عربي في كركوك، أن "لعبة الصواني تستطيع - رغم بساطتها - جمع السكان من العرب والكرد والتركمان في مكان واحد، متجاوزين أية خلافات على الصعيد السياسي". أما المواطن التركماني محمد مرتضى، فقال: "نعمل منذ ساعات الصباح وحال انتهاءنا من تناول الافطار نتوجه إلى المقاهي، فالصينية هي أجمل ما نتسلى به في رمضان فهي لعبة ورثناها جيلا بعد أخر وتعد هوية الكركوكيين". ويقول فواد عمر شيخ بزيني (39 عاما) وهو مواطن كردي، إن لعبة الصواني هي "موروث تركي وجزء من هوية كركوك، ونحن ورثناها من أجدادنا الذين عاشوا بكركوك ونفرح حينما نلعبها فهي ترفيهية تبعدنا عن السياسة والارهاب". وبسبب كثرة أعداد المقاهي التي يرتادها السكان في كركوك خلال ليالي رمضان، حيث هناك العشرات من مقاهي كركوك التي يصل عددها إلى 250 مقهى تشهد ازدحاما خلال ليالي رمضان، شددت السلطات الاجراءات الامنية بالقرب من التجمعات السكانية. وحول ذلك، يقول جمال طاهر بكر، مدير عام شرطة كركوك، لمراسل الأناضول إن "قيادة شرطة المحافظة تنفذ خطة أمنية خلال شهر رمضان، تشمل نشر دوريات راجله وثابتة ونقاط تفتيش، واتخاذ اجراءات أمنية لحماية المساجد والحسينيات (مساجد للشيعة) والأسواق الشعبيه والمناطق المكتظة والمقاهي التي يرتادها أهالي كركوك بعد الافطار لمزاولة الالعاب خاصة الصينية".