رئيس جامعة الأقصر توصي بالتوسع في برامج التدريب الصيفي بمجال الذكاء الاصطناعي    الكهرباء عن انقطاع التيار بمحافظة قنا: حادث طارئ ووارد    "الخارجية الفلسطينية" ترحب بإعلان مالطا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين    خارج ليفربول؟.. محمد صلاح يكشف موعد اعتزاله كرة القدم    نماذج امتحانات البلاغة والصرف والنحو لالثانوية العامة الأزهرية 2025 بنظام البوكليت    "الخدمات الطبية" بوزارة الداخلية تنظم منتدى الصحة والأمن في الحج    الملك عبد الله الثاني يوجه كلمة للأردنيين بمناسبة ذكرى الاستقلال ويثير تفاعلا    كيف أطاحت نكتة بوزير ياباني من منصبه؟    بعد اعتباره فائزًا.. ماذا يحتاج النصر للتأهل لدوري أبطال آسيا للنخبة؟    آرسنال ينافس بايرن ميونيخ على ضم ميتوما    قادة "آسيان" يعقدون قمتهم ال 46 في ماليزيا غدًا الاثنين    شهباز شريف وأردوغان يؤكدان تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين باكستان وتركيا    مجدي الجلاد: صلاح دياب كتب سيرته الذاتية باستحياء رغم أن تجربته فريدة جدا    تامر حسني ل فيتو: بساعد الشباب على قد ما أقدر لأني كنت مكانهم يوم من الأيام    حفل كأس إنرجي للدراما يكرم نجوم موسم رمضان 2025    «شباك مفتوح وسيارة غريبة».. محامى أسرة شريف الدجوى يكشف مفاجآت (فيديو)    تنفيذ أضخم مشروع جينوم بالشرق الأوسط وتسليم عينات جينوم الرياضيين    وزير المالية الألماني يبدي تفاؤلا حذرا حيال إمكانية حل النزاع الجمركي مع واشنطن    هاتريك من مقاعد البدلاء.. سورلوث يكتب التاريخ مع أتلتيكو مدريد    ماذا قال "سفاح المعمورة" أمام جنايات إسكندرية؟    «نقل البرلمان»: توافق على موازنة جهاز تنظيم النقل البري الداخلي والدولي    تامر حسني يصل العرض الخاص لفيلمه الجديد «ريستارت» | صور    4 أبراج «بتفتكر إنها محسودة».. يفقدون الثقة في أنفسهم ويعانون من تقلبات مزاجية    أحكام الحج (1).. علي جمعة يوضح ما هو الحج وحكمه وفضل أدائه    ما حكم سيلفي الكعبة المشرفة؟ عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى تجيب    6 مصابين في انقلاب ميكروباص أعلى الأوسطي    تطوير خدمات طب العيون بدمياط بإمداد مستشفى العيون بجهاز أشعة مقطعية متطور    حارس أتلتكو مدريد: تركيزنا الآن على كأس العالم للأندية    قريبًا.. انطلاق برنامج "كلام في العلم" مع دكتور سامح سعد على شاشة القناة الأولى    رئيس نابولي يؤكد اهتمام ناديه بضم دي بروين    "بعد عودته للفريق".. ماذا قدم محمود تريزيجيه خلال رحلته الاحترافية؟    هل السجود على العمامة يبطل الصلاة؟.. الإفتاء توضح الأفضل شرعًا    أبوتريكة يحدد الأندية الأحق بالتأهل لدوري أبطال أوروبا عن إنجلترا    وزير الخارجية والهجرة يلتقى مع وزير الخارجية النرويجي    قبل أيام من قدومه.. لماذا سمى عيد الأضحى ب "العيد الكبير"؟    المفتي: يوضح حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع    دليلك لاختيار الأضحية في عيد الأضحى 2025 بطريقة صحيحة    محافظ المنوفية يتابع أعمال رصف وتطوير مدخل شبين الكوم الجديد    خلال المؤتمر الجماهيري الأول لحزب الجبهة الوطنية بالشرقية.. عثمان شعلان: ننطلق برسالة وطنية ومسؤولية حقيقية للمشاركة في بناء الجمهورية الجديدة    «الإسماعيلية الأزهرية» تفوز بلقب «الأفضل» في مسابقة تحدي القراءة العربي    "عاشور ": يشهد إطلاق المرحلة التنفيذية لأضخم مشروع جينوم في الشرق الأوسط    إصابه 5 أشخاص في حادث تصادم على الطريق الإقليمي بالمنوفية    نائب رئيس الوزراء: زيادة موازنة الصحة ل406 مليارات جنيه من 34 مليار فقط    5 سنوات على مقتل جورج فلوريد.. نيويورك تايمز: ترامب يرسى نهجا جديدا لخطاب العنصرية    جدول مواعيد الصلاة في محافظات مصر غداً الاثنين 26 مايو 2025    وزارة الداخلية تواصل تسهيل الإجراءات على الراغبين فى الحصول خدمات الإدارة العامة للجوازات والهجرة    النواب يوافق نهائيا على مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ    محافظ المنوفية: تقييم دوري لأداء منظومة النظافة ولن نتهاون مع أي تقصير    إي اف چي هيرميس تعلن إتمام الإصدار السادس بقيمة 900 مليون جنيه ضمن برنامج طرح سندات قصيرة الأجل غير مضمونة لصالح شركة «هيرميس للوساطة في الاوراق المالية»    محافظ بني سويف يلتقي وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    الصحة العالمية تشيد بإطلاق مصر الدلائل الإرشادية للتدخلات الطبية البيطرية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    إيرادات السبت.. "المشروع x" الأول و"نجوم الساحل" في المركز الثالث    محافظ الشرقية: 566 ألف طن قمح موردة حتى الآن    بعد افتتاح الوزير.. كل ما تريد معرفته عن مصنع بسكويت سيتي فودز بسوهاج    انتظام كنترول تصحيح الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالشرقية    لخفض البطالة.. كلية الاقتصاد جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    أول رد من «الداخلية» عن اقتحام الشرطة لمنزل بكفر الشيخ ومزاعم تلفيق قضية لأحد أفراد العائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف كركوك وكركوك / غسان شربل
نشر في محيط يوم 30 - 07 - 2008


ألف كركوك وكركوك
غسان شربل

لا ينام العربي مطمئنا إذا اضطربت المدينة وكان قائد الشرطة كرديا. يخاف على أمنه ولا يثق بالتدابير والتحقيقات. ولا ينام الكردي مطمئنا في تلك المدينة إذا كان قائد الشرطة عربيا. لا يثق التركماني المقيم في المدينة المضطربة بالتحقيقات إذا كان قائد الشرطة كرديا. هذا ما أقرأه بين سطور الاخبار كلما اضطربت كركوك المقيمة اصلا على خطوط التماس المزمنة بين القوميات واللغات والمذاهب ايضا.
لا بد من الاعتراف بذكاء القاتل الذي هندس المذبحة التي شهدتها كركوك اول من امس. ففي شرايين هذه المدينة تنام براميل من البارود. آبار من المخاوف القديمة والمستجدة. خوف على الهوية والانتماء والسلامة والحقوق من دون ان ننسى ان كركوك تنام على النفط ايضاً. ثم ان التوقيت ملائم لإثارة النعرات. كان المتظاهرون الاكراد يحتجون على قانون انتخاب مجالس المحافظات حين تناثرت الجثث. قيل إن انتحارية انفجرت. وإن مناخ التوتر أدى الى تبادل للنار بين الغاضبين وحراس مقرات احزاب تركمانية. في الوقت نفسه كان يوم الانتحاريات يثمر مذبحة في بغداد وإن بدا وضع كركوك أشد خطورة.
لكركوك موقع خاص في وجدان الاكراد. لا الكردي العادي يقبل التنازل عنها. ولا الزعيم يجرؤ او يستطيع. بينهم من يشبّه مطالبتهم بالتنازل عن كركوك بمطالبة الفلسطينيين بالتنازل عن القدس. هكذا ندخل في المناطق المحرمة حيث تستحيل التنازلات وتتعقد التسويات. وبين العرب والتركمان من يعتقد ان إلحاق كركوك باقليم كردستان يعني تجهيز الاقليم بمكونات الاستقلال ما يفتح الباب لتهديد وحدة العراق وتركيا معا.
العودة الى اللوائح والارقام لا تحل المشكلة. ففي آخر احصاء عراقي اجري في 1957 تقدم عدد التركمان على الاكراد والعرب في مدينة كركوك في حين تقدم عدد الاكراد على العرب والتركمان في المنطقة التي تضم المدينة ومحيطها. بعد سقوط نظام صدام حسين تغيرت المعادلات السكانية. سارع الاكراد الى الرد على حملة التعريب القسرية التي تعرضت لها كركوك على يد نظام صدام. عادت جموع منهم الى المدينة ومحيطها واقامت حتى في الخيم ولم يسفر ارجاء البت في وضع المدينة الا عن تعزيز مطالبة الاكراد بالاعتراف بهويتها التي باتت تدعمها اكثرية عددية واضحة وعن تعزيز مخاوف العرب والتركمان من احتمال هجرة كركوك تدريجيا وفعليا من العراق الموحد الى اقليم كردستان.
كانت عقدة كركوك دائمة الحضور في العلاقة بين اكراد العراق والسلطة في بغداد. العقدة نفسها سممت العلاقات بين المُلا مصطفى البارزاني وصدام حسين في السبعينات. ولأنها العقدة قرر صدام تغيير طبيعتها الى غير رجعة. هجّر اكراداً وزرع عرباً. كان يريد إفهام الاكراد ان الحلم بكركوك لم يعد مجديا او ممكنا. وبعد سقوط صدام وفي ظل العراق الجديد الفيديرالي ظلت عقدة كركوك حاضرة. ليس سهلا على من يحكم في بغداد السماح لكركوك بالهجرة الى اقليم كردستان. ليس سهلا على القيادات الكردية التسليم بأنه لم يبق للاكراد من كركوك غير "حق البكاء على كركوك".
يصاب الصحافيون احيانا بأعراض البلدان التي يزورونها ويتابعون اخبارها وانهياراتها. انا ايضا اصابتني عقدة كركوك. ربما لأنها كشفت عطبا رئيسيا في ثقافتنا ومشاعرنا وذاكرتنا. كشفت هذا العجز عن قبول الآخر المختلف في القرية او المدينة او الدولة. في المدرسة والمقهى والشارع. لهذا كانت كركوك تزورني كلما اشتعلت في هذا العالم العربي احداث طائفية او فتنة مذهبية وإن غاب عنها بعد التصادم بين القوميات. كلما ظهرت ميول تفضّل النحر والانتحار على الرقص مع جار لا يشبهنا ويرفض التنازل عن ملامحه لنعطيه الأمان. انها مدرسة الفكر الواحد واللون الواحد واحتكار الحقيقة ورفض كل سؤال او تساؤل او اختلاف. ان الاسئلة المطروحة في كركوك مطروحة ايضا في اماكن اخرى كثيرة. ان عدم القبول بالآخر واحترام حقه في الاختلاف ينذر بتفخيخ المستقبل العربي بألف كركوك وكركوك.

عن صحيفة الحياة اللندنية
30 / 7 / 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.