عندما أدرجت لجنة الخبراء المشكلة من قبل منظمة العمل الدولية اسم مصر ضمن 42 دولة في القائمة الطويلة، التي تعتبرها المنظمة مخالفة للمعايير والاتفاقيات الدولية، قامت الدنيا ولم تقعد، وروجت بعض وسائل الإعلام للحدث بشيء من التهويل والتهليل كأن مصر تمارس ضد مواطنيها وعمالها أسوا أشكال القهر والظلم. في حين أن العالم يغض الطرف عن ظلم بين واحتلال لأراضي الغير في دول كثيرة، والأراضي العربية المحتلة شاهد عيان علي هذا الظلم والقهر وحقوق شعب وعمال فلسطين تنتهك علي مرآي ومسمع من المجتمع الدولي ولا توجد معايير بالمرة. (فاصل) واعترف بذلك حامي حما المعايير والاتفاقيات الدولية جاي رايدر المدير العام لمنظمة العمل الدولية عند زيارته لفلسطين وغزة ونابلس مؤخرا وشهد بنفسه الظروف التى يعيشها الفلسطينيون وأن حياتهم اليومية غاية فى الصعوبة، من عمليات تفتيش، وجدار فاصل، وقيود إدارية، وفقر وبطالة وانتهاك لحقوق العمال. و( نعود ) للجنة الخبراء التي خفضت بعد ذلك القائمة الطويلة لتصبح قصيرة وتضم 25 دولة وتبقي مصر مع دول اعتقد أنها تطبق الديمقراطية أمثال كندا وأسبانيا وكوريا وتركيا واليونان وماليزيا وغيرها كالسعودية وبيلاروسيا وإيران علي قائمة الدول المخالفة للمعايير والاتفاقيات الدولية ليتم مناقشة حالة كل دولة علي حده داخل لجنة المعايير المنبثقة عن مؤتمر العمل الدولي في دورته ال 102 التي عقد ت خلال الفترة من 5 إلي 20 يونيو الماضي بقصر الأمم بجنيف. كل ذلك ولا توجد في قواميس ومصطلحات منظمة العمل الدولية "قائمة تسمي بالسوداء" ولا "قائمة بيضاء" داخل هذا المحفل الدولي الفريد من نوعه الذي يضم 185 دولة عضو في المنظمة بتمثيلهم الثلاثي" حكومات ومنظمات أصحاب أعمال وعمال"، وإنما هذه المسميات جاءت من بعض مروجي الشائعات، الذين يصنعون من "الحبه قبة" كما يقول المثل الشعبي. ووسط تباين ردود الأفعال بين الحكومة وممثلي العمال في الاتحادات العمالية الرسمية والمستقلة حول إدراج اسم مصر ضمن قائمة الملاحظات.. ماذا تقول حقيقة موضوع مخالفة مصر لمعايير واتفاقيات العمل الدولية؟ الحقيقة الكاملة دون تهوين أو تهويل فيما يتعلق بوضع مصر في القائمة القصيرة ضمن 25 دولة طبقا لما ورد بملاحظات لجنة المعايير الدولية والتي بمقتضاها عادت مصر إلي هذه القائمة بتعنت من لجنة الخبراء، يستوجب من المنظمة الدولية مراجعة نظام العمل بها، وإلا سوف يؤدي استمرار ذلك التعنت إلي غياب الدور الحقيقي لمنظمة العمل الدولية وابتعادها عن الحيادية لتصبح أداة سياسية لعقاب وتشويه بعض الدول وليس السعي لتحقيق نمو اقتصادي وحماية عمالية. كتبت لجنة الخبراء عن مصر ملاحظات على بعض بنود الاتفاقية 87 الخاصة بالحريات النقابية وحق التنظيم ما نصه:"لاحظت اللجنة من وجهة نظرها وجود بعض القيود على الحريات النقابية في مصر". وجاءت تأكيدات وزير القوي العاملة والهجرة خالد الأزهري أمام لجنة المعايير الدولية علي مسمع من الجميع أن تأخر صدور قانون النقابات العمالية لا يعنى غياب حرية التنظيم والتعددية النقابية عن مصر فعلياً، حيث أنه بموجب إعلان الحريات النقابية فى مارس 2011 يوجد 13 اتحاداً عاماً مستقلاً و1228 لجنة نقابية فرعية، هذه النقابات ورغم عدم إتمام الإطار التشريعى بعد فإنها تعمل بحرية واستقلال ودون أى تدخل من الدولة فى أنشطتها. كما أن هذه التعددية الفعلية الجديدة انعكست علي المشاركة الثابتة والمستمرة لممثلى التنظيمات النقابية المختلفة فى الوفود العمالية المشاركة فى مؤتمر العمل الدولى ومؤتمرات العمل العربية والإفريقية لثلاث سنوات متتالية. وأن تشكيل الوفد المصري "حكومة وأصحاب أعمال وعمال" في هذه الدورة يضم 47 عضوا منهم 30 عضوا من العمال ممثلين ل 6 اتحادات عامة مستقلة لأول مرة في تاريخ المشاركات المصرية في المؤتمر، وقد حرصت الحكومة علي أن تقف علي مسافة واحدة من الجميع ولكن في نفس الوقت حرصت أيضا علي دعم جميع الأطراف وتمكينها من المشاركة علي الرغم منه أنه لا يوجد بين الوفود التي شاركت في المؤتمر من أي دولة كبيرة أو صغيرة مثل هذا العدد. "لاحظت لجنة الخبراء من وجهة نظرها أن الحكومة قامت بحبس كمال عباس بسبب دفاعه عن حقوق العمال من وجهة نظره". وبالنسبة لهذه الملاحظة- إذا عرف السبب بطل العجب ! أوضحت حكومة مصر أنها ليس لها أدنى علاقة بهذا الموضوع، وأن المشكلة كانت بين كمال عباس، وإسماعيل فهمي، نتيجة قيام "فهمي" برفع قضية على "عباس" لإهانته له أثناء إلقائه كلمته في في مؤتمر العمل الدولي في دورته ال (100) في يونيو 2011، وأن المحكمة قامت بإصدار حكمها بالحبس 6 أشهر على "عباس"، الذي أستأنف الحكم وسقط الحكم عنه، وهو ما رحبت به المنظمة وقامت بتوجيه الشكر على ذلك. "لاحظت لجنة الخبراء "غياب قانون للنقابات العمالية يضمن الحرية والاستقلالية" وأن قانون النقابات العمالية رقم (35) لسنة 76 والمعدل في سنة 1995 بعض فقراته نصت علي وجود تنظيم نقابي وحيد". تعجب الأزهري من هذه الملاحظة، وتساءل: هل تأخر صدور مشروع قانون تنظيم العمل النقابي تسبب في المساس بالحرية النقابية ؟ وجاءت الإجابة بالرد الحاسم في لجنة المعايير والاتفاقيات الدولية بقوله: كنا نبحث عن قانون للحريات النقابية فلدينا نصوص دستورية أقوي من القوانين لا يستطيع أحد مخالفتها، وإذا وإذا كنا نطالب بقانون منظم للعمل النقابي فقد تم الحوار حوله وبمشاركة الجميع بما فيهم منظمة العمل الدولية، ووافق عليه مجلس الوزراء وإحيل لمجلس الشوري لإقراره، وإذا كان الهدف الممارسة الفعلية فيوجد 6 اتحادات عمالية مستقلة مشاركة في المؤتمر تجيب علي تساؤلاتكم ومنها المعارض الذي يجمع بين السياسة والعمال ومعارضته دليل علي أن التشكيل ضم الجميع. وجاءت توضيحات وزير القوي العاملة والهجرة خالد الأزهري علي ما قال: إن مصر ولأول مرة فى دستورها الجديد الصادر ديسمبر 2012 جاءت المادة (52) لتؤكد على حرية إنشاء النقابات العمالية، واستقلالها من أى تدخل حكومى ونصت هذه المادة علي "أنه لا يجوز حل مجالس ادارة تلك التنظيمات النقابية إلا بحكم قضائى" . وعرض الأزهري الخطوات التي اتخذتها الحكومة لتعزيز الاتفاقية (87)، وأنها أوفت بالتزاماتها وأحالت مشروع قانون تنظيم النقابات العمالية لمجلس الشوري ليحل بعد اعتماده محل القانون 35 لسنة 1976 محل الملاحظات. وزاد اللجنة علما بأن إعداد هذا المشروع جاء بمشاركة واسعة من ممثلى النقابات المختلفة وأصحاب الأعمال والمجتمع المدنى وبقية الأطراف المعنية، ومن منظمة العمل الدولية ذاتها التي قادت حواراً مجتمعياً شفافاً ممتداً لإعداد المشروع ومناقشة علي مدي 10 جلسات مادة بمادة . وهناك دليل علي أن لجنة الخبراء بمنظمة العمل الدولية لم تكن علي علم بكافة المعلومات حول ما قامت به مصر فيما يتعلق بالحريات النقابية ، حيث تم تنظيم ورشة عمل ضمن محطات الحوار المجتمعي لمناقشة مشروع النقابات العمالية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية في 9 ابريل الماضي بمشاركة نائبة رئيسة إدارة المعايير الدولية، وحرصت الحكومة علي إطلاع المنظمة دورياً بتطورات النص وتواصلت مع المنظمة بجنيف ومكتبها بالقاهرة للاستماع للمشورة الفنية لضمان مراعاة النص النهائى لملاحظات لجنة الخبراء المستقلين المعنية بتطبيق الاتفاقيات والتوصيات. وبعد هذه المسرحية التي أطلق عليها " زوبعة في فنجان" عرضت فصولها علي مدي أسبوع داخل لجنة تطبيق الاتفاقيات والتوصيات الدولية بمبني منظمة العمل الدولية بجنيف، أبدت اللجنة ارتياحها الشديد للإجراءات التي اتخذتها مصر في إطار دعم الحريات النقابية، وقيامها بتقديم نسخة من مسودة مشروع القانون الجديد والموجودة حاليًا بمجلس الشورى إلى المنظمة للتأكد من أن نصوص القانون متفقة مع اتفاقيات وتعهدات مصر الدولية. ومع تقديم تقرير شامل حول التقدم المحرز على صعيد إصدار القانون الجديد، وكذا وضع الحريات النقابية وممارسة النقابات لدورها إلى لجنة الخبراء المنبثقة عن لجنة تطبيق الاتفاقيات والتوصيات بالمنظمة قبل اجتماعها في نهاية العام الجاري، والاستمرار في الاستعانة بمنظمة العمل الدولية لتقديم الدعم الفني والتقني لكافة الشركاء الاجتماعين. طباعة المزيد من أعمدة هيثم سعد الدين