اكدت الدكتورة منى البرادعى العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والمدير التنفيذى للمعهد المصرفى ان اسباب الازمة الاقتصادية التى تمر بها مصر سياسية وليست اقتصادية بسبب سوء ادارة المرحلة الانتقالية ، ورغم تشخيصها للازمة بوضعها الحالى على انها صعبة وتحتاج الى خيال ومعالجة غير تقليدية لاخراج الاقتصاد من عنق الزجاجة، الا انها تراهن على ان وضوح الرؤية فى الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية ، واخلاص النية وتوافر الرغبة مع تحديد اولويات الحكومة الحالية سوف يساعد على انقاذ الاقتصاد . وترصد هذه الاولويات وفى مقدمتها تقليص عجز الموازنة العامة ، وثانيا اتخاذ بعض الاجراءات الضرورية نحو تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال وضع حد اقصى للاجور ، والاهتمام بالرعاية الصحية والتعليم ، وثالثا كبح جماح الممارسات الاحتكارية والتى تراها السبب الاساسى فى ارتفاع اسعار السلع بالاسواق والهاب ظهر المواطنين ، من خلال تفعيل دور الاجهزة المختصة وبصفة اساسية جهازى حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ، وحماية المستهلك للقيام بدورهما بشكل جاد بعيدا عن الاستهلاك الاعلامى . ولا تخفى منى البرادعى التى ظلت لسنوات تشغل المدير التنفيذى للمجلس الوطنى للتنافسية ، تعاطفها مع الحكومة الحالية فى ظل وطأة المشكلات التى تواجهها وكذلك مع البنك المركزى وقدرته على ادارة السياسة النقدية فى ظل انخفاض الاحتياطى الاجنبى والضغوط التضخمية الناتجة عن السياسة المالية التى انتهجتها الحكومة السابقة ، ولكنها لا تفقد شعاع الامل ليس فقط فى الخروج من الازمة ولكن لبداية النهضة الحقيقية اذا تم وضع الاسس السليمة للديمقراطية ، وفى هذا الحوار تكشف ايضا عن ترحيبها بتطبيق الزكاة بشكل الزامى وتقنين ذلك من خلال تشريع ، وتراهن على ان هذا الامر كفيل بمعالجة مشكلة الفقر فى المجتمع ولكن بشرط ان تدار من خلال المجتمع المدنى ولا تقترب اليها يد الدولة لتعزيز الثقة وضمان الكفاءة وتخصيص الموارد ... والى نص الحوار : لماذا تفاقمت الاوضاع الاقتصادية بعد الثورة .. على الرغم من التوقعات فى البداية بالقدرة على السيطرة على التحديات خلال 6 اشهر وبدء تعافى الاقتصاد ووضعه على بداية الطفرة ؟ لاشك ان هذا امر مهم لانه من الضرورى التشخيص السليم لاسباب الازمة لبدء معالجتها والخروج منها ، واعتقد ان هناك شبه ان لم يكن اجماع لدى الاقتصاديين على ان اسباب تفاقم الاوضاع الاقتصادية ناتجة عن سوء ادارة المرحلة الانتقالية ، لان المستثمر بطبعه يميل الى الترقب والحذر فى انتظار وضوح الرؤية ، ولكن ماحدث ساهم فى تعزيز الضبابية والالتباس ، كما ان الحكومة لم تمتلك خطة واضحة فى التعامل مع التحديات ولم تبادر بالتالى بالاعلان عن محاور وسياسات واجراءات لامتصاص حالة الاحتقان الاجتماعى والفئوى التى تراكمت اسبابها على مدى ثلاثة عقود ، وبدلا من ان تعالج الانفلات الامنى ساهمت فى تغذية التظاهرات الفئوية للمعالجة الخاطئة مما زاد الامور تفاقما . وما هى الاخطاء من وجهة نظرك التى ساهمت فى تفاقم الاوضاع الاقتصادية ؟ تحديد خطة ذات اولويات وسرعة استعادة الامن ، والاستجابة لاهداف الثورة تعزز الثقة فى سلامة الطريق ، كما ان التعامل الجاد مع العدالة الاجتماعية باتخاذ خطوات ضرورية تمثل قيمة رمزية وخاصة تطبيق الحد الاقصى للاجور ، وترشيد الانفاق الحكومى ، ومظاهر الترف والبزخ بما يتماشى مع طبيعة المرحلة والصعوبات التى تواجه الاقتصاد ، مع تدعيم الرعاية الصحية والخدمات الاساسية للفئات الفقيرة ، حت ولو بشكل رمزى يعكس النية والرغبة والاتجاه الجديد فى انتهاج سياسات مختلفة لصالح العدالة الاجتماعية ، وبالتوازى مع ذلك ايضا الاهتمام بتعزيز الثقة مع دوائر الاستثمار فى استمرار التوجه الاقتصادى ومساندة القطاع الخاص الملتزم والشريف الذى يعمل وفق القانون والقواعد والمعايير المتعارف عليها من الشفافية والبعد عن الممارسات الاحتكارية والفساد ، بعبارة اخرى القطاع الخاص الذى يسعى الى الربح الشريف ويعطى للمجتمع حقه فى اطار القانون . وماهى اهم التحديات التى تواجه الاقتصاد والتى تحتاج الى اجراءات اسعافية عاجلة..وهل هناك اولويات محددة لحكومة الانقاذ الحالية .. من وجهة نظرك ؟ ما افهمه ان الحكومة الحالية هى انتقالية اى معنية بادارة هذه المرحلة ومن هنا فان اولوياتها يجب ان تركز على الاجراءات العاجلة التى تعالج تفاقم الاوضاع ، مع وضع اسس يمكن البناء عليها ، وممالاشك فيه ان زيادة عجز الموازنة العامة الى هذا الحد هو ابرز واهم هذه التحديات ، والذى ترتب عليه زيادة عجز ميزان المدفوعات ، وايضا ارتفاع معدل التضخم وارتفاع اسعارالسلع بالاسواق ، الى جانب تفاقم المشكلات الاجتماعية الموجودة اصلا والتى تتمثل فى انخفاض الاجور الحقيقية، وزاد الطين بلة انخفاض قيمة العملة المحلية مما ادى الى تفاقم المشكلة ، ..وارى ان اولويات الحكومة الراهنة تتمثل فى اعادة تشغيل المصانع المتوقفة ،واستعادة الطاقة الانتاجية القصوى بالمصانع ، مع معالجة التشوهات بالاسواق الناتجة عن الممارسات الاحتكارية فى الانتاج والتجارة والتوزيع وخلافه ، لاستعادة الاسعار جانب من ارتفاعها غير المبرر.. خاصة ان نحو 90 % من ارتفاع اسعار السلع بسبب هذه الممارسات ، الى جانب منح حوافز لانعاش الاقتصاد والخروج من الركود ، وتدفع الى التشغيل للحد من البطالة ، سواء فى شكل تسهيل الاجراءات للمستثمرين فى تخصيص الاراضى للمشروعات او ترفيقها وسرعة تسليمها او حوافز ضريبية بالمناطق المحرومة والاكثر فقرا التى تستهدف تنميتها لرفع مستويات الدخول فيها .
كيف ترى تعامل الحكومة الحالية مع هذه الاولويات وتلك التحديات ؟ للحق هناك اختلاف فى تعامل واداء الحكومة الحالية مع المشاكل الاقتصادية بشكل اكثر فعالية وبشكل سريع خاصة الاجراءات التى اعلن عنها رئيس الوزراء لترشيد الانفاق الحكومى وتوفير نحو 20 مليار جنيه من عجز الموازنة العامة ، وكذلك الاجراءات الكفيلة بزيادة الايرادات بنحو 3 مليارات ، وان كنت ارى ان هناك امكانيات لترشيد النفقات اكثر من القدرة على زيادة الايرادات العامة فى ظل هذه الاوضاع التى تتسم بالركود ، ولكن يحسب لهذه الحكومة انها بدات تتخذ اجراءات مهمة لمواجهة الازمة ، كما انه لايقل اهمية عن ذلك توجيه رسائل مهمة ووا ضحة لاطراف السوق وخاصة المستثمرين بالسياسات الاقتصادية للدولة ، والسعى الدؤوب لاستعادة بناء مؤشر الثقة فى الاقتصاد . وما الاجراءات التى تنتظرى ان تتخذها الحكومة خلال الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية ؟ اتوقع استكمال اجراءاتها فى رفع الدعم عن الوقود خاصة للبنزين 95 ، ورفع الدعم عن الطاقة للشريحة الغنية التى تستهلك معدلات مرتفعة ، كما اطالبها بضرورة احداث تغير جذرى فى آليات رسم وتنفيذ السياسات الاقتصادية من خلال المشاركة الحقيقية للمواطن فى صنع هذه السياسات لانه لا يعقل ان يستمر نفس النمط التقليدى الخاطئ السائد فى الماضى والذى خلق فجوة بين الحكومة والمواطن ولم يتحمس لهذه السياسات خاصة عندما تكون هذه السياسات تهدف الى تعزيز العدالة الاجتماعية واطالب الحكومة الراهنة ايضا بوضع معايير واضحة لتولى الوظيفة العامة فلايعقل ان تستمر الاوضاع بنفس الوتيرة والاختيار وفقا لدائرة المعرفة الشخصية ، وهو ما انعكس بشكل سلبي على اداء الكثير من مؤسسات الدولة ، خاصة وان هناك بعض الوظائف القيادية فى بعض اجهزة وهيئات الدولة تمت فى الفترة الاخيرة عقب الثورة دون معايير واضحة للكفاءة ، ويجب ان يتم اعادة النظر فيها لتفعيل هذه الاجهزة ، وبصف خاصة الاجهزة الرقابية على الاسواق لمكافحة العشوائيات والممارسات الاحتكارية ، وارتفاع الاسعار التى تلهب المستهلك . هل ترى ان معالجة مشكلة البطالة من مهام الحكومة المنتخبة ؟ بالتأكيد هذه المشكلة ضخمة ولعلها من اهم التحديات التى تواجه المجتمع ، وارى ان الحكومة الحالية لابد ان تبدأ فى تنفيذ برنامج للتشغيل ، من خلال تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة مع العلم ان هذه المشروعات مهمة لتحقيق نهضة اقتصادية وتنموية وليس فقط مهمة فى امتصاص البطالة من خلال قدرتها على توليد فرص العمل المنتجة ، والمستقبل يجب ان يكون لهذه المشروعات التى كانت من اسباب نهضة كثير من الدول ومنها كوريا الجنوبية ، وايطاليا ، كما انها تمثل العمود الفقرى للاقتصاد المصرى وتقترب من نسبة 90 % من الاقتصاد هل ترى ان صعود التيار الاسلامى والنتائج القوية التى حققها فى الانتخابات البرلمانية لصالح تعزيز الثقة فى مناخ الاعمال والاقتصاد خاصة لدى دوائر الاستثمار المحلية والخارجية ؟ يجب ان تكون الرؤية واضحة ولا تحتمل اللبس او تضارب الاراء من جانب التيار الاسلامى ولذلك اتمنى ان يعلنوا بشكل واضح برنامج مفصل للتوجهات الاقتصادية يعبرعنهم لمنع التأويلات . ما رأيك فيما اعلنه احد قيادات الاخوان بانه سيتم تطبيق الزكاة بشكل الزامى من خلال اصدار تشريع يقنن ذلك .. ؟ اؤيد هذا الاتجاه طالما انه يحترم الاخوة الاقباط ، خاصة ان الزكاة فريضة واعتقد ان هذا الامر سيكون اداة مهمة لمعالجة الفقر فى المجتمع ، ويسهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن حتى يكتب لهذا الامر النجاح يجب ان تبتعد الحكومة عنه تماما ، بمعنى انشاء هيئة من المجتمع المدنى لجمع هذه الاموال وادارتها بكفاءة وتوظيفها بشكل امثل بما يعظم من منافعها ويحقق اهدافها . هل انت متفائلة بقدرة الاقتصاد على مواجهة هذه التحديات؟ نعم متفائلة واستند فى تفاؤلى على ركائز قوية فى مقدمتها الثورة التى قادها الشباب والتف حولها الشعب ، وكذلك مقومات الاقتصاد المتنوعة من الثروات الطبيعية الى عبقرية الموقع الجغرافى الذى لم يستغل بالشكل الامثل ، الى الامكانات الضخمة فى قطاع السياحة ، الى فرص تنمية شريط قناة السويس، وصولا الى الامكانيات الهائلة لتوليد الطاقة الشمسية التى تكفى للاستهلاك ومشروعات التنمية الى جانب التصدير ، حيث تمتلك مصر مزايا نسبية وتنافسية كبيرة فى هذا المجال .