قال الدكتور احمد جلال كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي السابق والمدير التنفيذي بمنتدي البحوث الاقتصادية, انه علي الرغم من تفاقم الاوضاع الاقتصادية الحاليةفإن الامور بمصر لا تزال اقل سوءا مقارنة بغيرها من الدول التي مرت بمراحل انتقالية للتحول الديمقراطي. واضاف ان عادة ما يترتب علي المرحلة الانتقالية اعباء اقتصادية تختلف حدتها من بلد لآخر حسب قدرتها علي التعامل الناجع مع المشكلات خاصة وضع خارطة طريق محددة وواضحة, والاتفاق بين القوي الوطنية علي القضايا الاساسية, واشار الي انه يمكن القول ان حجم التكلفة لدينا لايزال اقل نسبيا من دول اخري سلكت نفس التحول, وثانيا يجب ان نعلم انه لا يمكن التحول الي النظام الديمقراطي السليم بدون تكلفة. لماذا تفاقمت وطأة الاوضاع الاقتصادية ؟ يتساءل هل معقول الا نلتزم بخطة اقتصادية واضحة لمدة سنة مثلا للحكومة الانتقالية بتوافق من جانب الاقتصاديين من مختلف الاتجاهات عقب الثورة مباشرة, وبالتأكيد انها تتسم بالمرونة للتعاطي مع التطورات ولكن تبقي اهميتها في انها تحدد لجميع اطراف السوق التوجهات الاساسية, مؤكدا ان من شأن هذا الامر انه كان سيقلل كثيرا من تفاقم الاوضاع ايضا لانه كان سلبي أو يقدم إجابات لاصحاب المطالب الفئوية ليس فقط بالتطمينات والوعود الجادة بل من خلال اجراءات نحو تحقيق العدالة الاجتماعية حتي لو كانت رمزية, مشيرا الي ان النموذج الاقتصادي السابق كان يركز علي جذب الاستثمار والنمو مع اهمال جسيم للتوزيع, كما كان صناع القرار هم المستفيدين من غياب الحرية السياسية, حيث اسهم غياب الديمقراطية في عدم تكافؤ الفرص وغياب المساواة في الحصول علي المعلومات والبيانات, واحتكرتها قلة قليلة ممن هم حول صانعي القرار, واتاحت لهم هذه الاوضاع تحقيق ارباح مرتفعة جدا خاصة مع القدرة علي تطويع القوانين ووجود نظم وقواعد رخوة, اسهمت في الممارسات الاحتكارية, الي جانب بروز الأقتصاد الريعي الذي يحقق أرباحا ضخمة. هل تأخرنا كثيرا في التعامل مع الاقتصاد واتخاذ القرارات الصائبة ؟ نعم تأخرنا وأضعنا10 اشهر كاملة ايضا فلم تتخذ الحكومة السابقة اجراءات كافية, وربما اجراءات كثيرة لوقف نزيف الاقتصاد, مع العلم ان فرص التعامل وقتها كانت افضل كثيرا لان ركائز الاقتصاد كانت جيدة, كما كان المراقبون يحذرون من مغبة اضاعة الوقت دون اتخاذ اجراءات فاعلة. ما تقييمك لاداء الحكومة واتخاذ الاجراءات المناسبة ؟ لاشك انها تعمل بدأب وتبذل جهودا لا يمكن اغفالها, ولكن أري انها منشغلة اكثر بتوفير موارد في الأجل القصير لسد العجوزات في الموازنة العامة, وميزان المدفوعات, ناهيك عن العجز المزمن في الميزان التجاري, مع الاعتراف بأن هذا الامر مهم للغاية ولكن يجب ان يتم في اطار سلسلة وحزمة اجراءات لتنشيط الاقتصاد لتوليد فرص عمل امام الشباب وامتصاص البطالة, لابد من تحريك عجلة الاقتصاد من خلال تحفيز الاستثمار وضخ اموال جديدة في شرايين الاقتصاد, مع تفعيل حقيقي لدور الجهاز المصرفي في تمويل المشروعات الصغيرة. ولكن الواقع إن الحكومة لم تأخذ فرصة فمنذ تشكيلها وهي تواجه أزمات ؟ هذا امر حقيقي ولكني اقصد الحكومات المتعاقبة منذ بداية المرحلة الانتقالية, مع الاخذ في الاعتبار انه كان من الافضل تشكيل الحكومة بطريقة افضل من خلال التشاور مع القوي والاطراف الفاعلة في الساحة السياسية منذ البداية مع منحها الاختصاصات مما كان يكفينا تغيير الحكومات واعطاء فرصة لوجود حكومة لديها خطة, وتحظي بتأييد الشارع, وكان هذا الامر يكفينا كثيرا من الأخطاء ومنها قرارات نتخذها الان وكان يجب ان يكون ذلك منذ سنة, مثل قرار الموافقة علي الاقتراض من صندوق النقد, مع العلم ان علاج مشاكل الاقتصاد مثل علاج الانسان المريض فهل يفيد ان نعطي المريض الدواء متأخرا عن الوقت الملائم ؟ ماهي الروشتة والإجراءات العاجلة ؟ يجب الا نكرر الاخطاء السابقة ومن ثم لابد من إجراءات لتنشيط الاقتصاد من خلال الحصول علي موارد واموال من الخارج بشكل سريعا سواء عن طريق الاقتراض او المنح او جذب الاستثمارات, ويجب ألا نتردد مرة اخري في ذلك يكفي اننا طالبنا بوضوح منذ البداية بضرورة الاقتراض من المؤسسات الدولية لانها قروض ميسرة طويلة الاجل و بتسهيلات واقل تكلفة من الاقتراض الداخلي من الجهاز المصرفي خاصة بعد ارتفاع الدين العام الداخلي وإرتفاع تكلفة خدمة هذا الدين الي جانب تأثير ذلك سلبيا في استسهال البنوك توظيف الاموال في اذون الخزانة والسندات علي حساب اقراض القطاع الخاص أو إقامة المشروعات في ظل ارتفاع المخاطر في المرحلة الانتقالية, ولكن القرار تأخر للاسف, ولكن من المهم ان يتم توفير الموارد من الخارج الآن برغم ذلك لتشجيع البنوك علي التوسع في الائتمان لمصلحة الاستثمار وايضا الاستهلاك, مع ضرورة اتخاذ الحكومة إجراءات لدفع التصدير, لان تنشيط الطلب المحلي من خلال الاستهلاك, والطلب الخارجي عن طريق التصدير مع دفع الاستثمار هو المخرج الحقيقي لتنشيط الاقتصاد ولكن بعض الاقتصاديين يرون ان الاقتصاد يعاني أزمة سيولة خطيرة ومن المهم ضخ مزيد من الاموال في شرايين الاقتصاد لمواجهة هذه الازمة وليس بضخ هذه الاموال في استثمارات جديدة ؟ هناك رأي يري ذلك ومبرراته ان ثمة ازمة سيولة بسبب العجز المتزايد في الموازنة العامة, وبالتالي فانه مع الحصول علي الاموال من الخارج وتوجيهها لسد هذا العجز, ولكني اري ان الاقتصاد يعاني ازمة سيولة بسبب حالة التباطؤ وعدم اتخاذ اجراءات تحفيزية لتنشيط عجلة الاداء الاقتصادي, وهو ما يعمق المشكلة فلا احد يأخذ قرارا بالاستثمار, ومن هنا تبدو اهمية ضخ السيولة في تنشيط الطلب الفعال من خلال دفع الاستثمار والتصدير والاستهلاك المحلي, وهو لن يتم الا بتوفير موارد جديدة من الخارج بمختلف اشكالها سواء زيادة التصدير او الاستثمار او القروض او المنح او تحويلات العاملين بالخارج. ألا تري أن عجز ميزان المدفوعات وصل لحد خطير ؟ هذا الامر يضع البنك المركزي بل والحكومة في موقف صعب ويتطلب اجراءات عاجلة حيث اقترب عجز الميزان التجاري الي نحو24 مليار دولار, ولكن ما اثر علي تزايد عجز ميزان المدفوعات هو خروج رءوس الاموال بشكل كبير تجاوز15 مليار دولار, في ظل انخفاض مصادر النقد الاجنبي, وتراجع الاحتياطي من النقد الاجنبي الي نحو16.5 مليار دولار بنهاية يناير الماضي اي اننا فقدنا نحو60% من الاحتياطي خلال سنة, والمهم هو ضرورة تعزيز مصادر النقد الاجنبي من خلال تنشيط السياحة والترويج لفرص الاستثمار خاصة مع اعلان فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة وإنتقال السلطة وبالتالي إكتمال بناء مؤسسات الدولة مع ضرورة اعلان الاتفاق العام بشأن تشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور لان هذا الامر سيكمل الرسالة الي دوائر المال والاستثمار المحلية والخارجية وبالتالي سيحدث اثره الايجابي في وضع مصر بالشكل الملائم علي خريطة الاستثمار العالمية. هل يدفع ارتفاع عجز ميزان المدفوعات نحو تخفيض العملة المحلية ؟ لم يعد هناك قدرة كبيرة لدي البنك المركزي علي المناورة في ادارة سعر الصرف, في ظل ارتفاع عجز ميزان المدفوعات, فاما ان يضخ مزيدا من الاحتياطي بالسوق, وهذ امر لم يعد سهلا بعد تراجع الاحتياطي الاجنبي, وثانيا وهو الحل المعقول ضرورة تحريك سعر الصرف في اطار توليفة من الحل الكمي اي ضخ محسوب من الاحتياطي الاجنبي خاصة بعد الحصول علي اموال من الخارج لتعزيز الاحتياطي. توقعت( جريدة النيويورك تايمز) ان يواجه الاقتصاد المصري ازمة في2012 كما توقعت رويترز ان تنخفض قيمة الجنيه الي ما دون ال7 جنيهات أمام الدولار بنهاية العام الحالي.. ما تعليقكم ؟ لا احد يستطيع ان يتنبا بسعر السرف علي وجه الدقة لان هذا السعر المستقبلي يخضع لمعطيات وتطورات عديدة يختلط فيها الاقتصادي بالسياسي, ويتوقف بالاساس علي الاجراءات التي تتخذها الحكومة في الحصول علي اموال من الخارج, ومن المناسب التحذير من مغبة الانخفاض الحاد المفاجئ في حالة عدم تحريك سعر الصرف تدريجيا من خلال اجراءات حكيمة ومدروسة, مع انتهاج حزمة من السياسات المالية والنقدية الملائمة. ودعني ان اشير في هذا الصدد الي ما يطلق عليهovershooting وهو ان يرتفع سعر الصرف بشكل مفاجئ بشكل وحاد لا يعكس الواقع والسعر المتوازن لكنه ما يلبث ان يعود الي الوضع الطبيعي ولكن بعد شهور وهو ما حدث بالفعل عند تعويم سعر الصرف عام2003 حيث قفز سعر الصرف7.25 جنيه للدولار قبل ان يعود ليستقر عند سعره المتوازن5.30 جنيه للدولار. هل لاتزال متفائلا بمستقبل الاقتصاد برغم تفاقم الازمة ؟ مازالت متفائلا بمستقبل الاقتصاد, واستند علي مبرارات قوية ومقومات واعدة تمتلكها مصر بشرط حسن ادارة الموارد, مع نجاح التحول الديمقراطي.