تباينت الآراء فيما يخص الازمة الاقتصادية التي تعيشها مصر في الفترة الاخيرة خاصة توقف عجلة الانتاج فهناك من يرجعها الي احداث ثورة 25 يناير حيث انخفاض رؤوس الاموال الخاصة بالاستثمار المباشر وتراجع الانتاج بالاضافة الي الآراء التي تري ان جوهر الازمة يعود لسنوات ماضية نتيجة السياسات الاقتصادية التي كانت متبعة في ذلك الوقت بالاضافة الي الاعتماد علي عوامل خارجية مثل تحويلات العاملين المصريين بالخارج وعوائد البترول وقناة السويس وفي مقابل تراجع الدخل من الانتاج الزراعي والصناعي وكذلك انسحاب الدولة من الاستثمار وعمليات التنمية علاوة علي اختلاف تلك الاراء حول شرح وتفسير ما يحدث في الاقتصاد المصري من اجراءات قد تكون سببا لتدهوره، الامر الذي يتطلب الآن وضع سياسات بديلة لاستعادة هذا الدور بشكل رئيسي وتطبيق ذلك في المرحلة المقبلة.فيري دكتور "احمد جلال" مدير منتدي البحوث الاقتصادية لدول الشرق الاوسط والخبير بالبنك الدولي ان ثورة 25 يناير ليست المسئولة عن الازمة الاقتصادية الحالية خاصة ان العجز المالي والدين العام كانا مرتفعين قبل الثورة وكذلك فقد صدقت التوقعات بشان معدل النمو الاقتصادي بنسبة 5,6% خلال العام المالي 2010 -2011 ومعدل البطالة ليصل الي 9% وارتفاع نسبة التضخم لاكثر من10% وتسجيل العجز بالميزانية لنحو8% من الناتج المحلي، كل هذه المؤشرات كانت قبل الثورة ولكن جاءت المشكلة الاكبر ممثلة في وصول الدين العام الداخلي الي 67% من الناتج المحلي منذ عام 2008 وبلغت قيمة الديون الخارجية لمصر 35 مليار دولار اي حوالي 14,7% من الناتج المحلي في ديسمبر 2010. انعدام الأمن واضاف "جلال" ان الغياب الامني بعد الثورة والقلق الذي شاب التطورات السياسية اثر بشكل كبير علي الاقتصاد وتجلي ذلك بوضوح في خروج تدفقات هائلة من راس المال في الفترة من يناير2011 وحتي مارس من العام نفسه بما في ذلك 6 مليارات دولار في صورة مبيعات للاجانب لسندات الخزانة بالاضافة الي انخفاض عائدات مصر من النقد الاجنبي الناتج عن الصادرات والسياحة وتحويلات المصريين من الخارج وتباطؤ الانتاج المحلي . وحذر من انخفاض مؤشرات النمو الاقتصادي للعام المالي المنتهي في يونيو القادم بما لايتجاوز 2%واستمرار معدل التضخم لاعلي من 10% خاصة بعدما قامت السلطات المسئولة عن السياسة النقدية بمواجهة خروج رؤوس الاموال وانخفاض عائدات النقد الاجنبي بالسحب من الاحتياطات الرسمية وغير الرسمية والتي قدرت بحوالي 13 مليار دولار مع انخفاض سعر الصرف بنسبة2% وهو مايعني مرور البلاد بمرحلة محرجة بسبب ارتفاع حجم الاقتراض الحكومي وتوقع"جلال" استمرار زيادة الديون وتعرض ميزان المدفوعات لضغوط متزايدة بسبب الزيادة المتوقعة في عجز الحساب الجاري مع استمرار عزوف المستثمرين الاجانب عن الاستثمار في مصر وذكر وفق بيانات حكومية ان فجوة التمويل علي مدار ال14 شهرا القادمة سوف تقدر ب12 مليار دولار بواقع 2 مليار في العام2010-2011 و10 مليارات للعام2011-2012 اما عن الحل للخروج من الازمة ووقف تدهور الوضع الاقتصادي فيؤكد"جلال" انه ليس بايدي الاقتصاديين وحدهم وانما بايدي صانعي السياسة ايضا عن طريق توفير الامن والاستقرار واتباع خطة واضحة خلال المراحلة الانتقالية لمساعدة الجميع علي تكوين توقعات ايجابية لمستقبل الاقتصاد المصري. وطالب بمقاومة اي ميل لزيادة العجز المالي استجابة لارتفاع سقف التطلعات والمطالب مشددا علي ضرورة اعادة النظر في هيكلة النفقات العامة بحيث تتم اعادة توزيع الموارد علي نحو يعود بالنفع علي البسطاء ويساعد علي تنشيط الاقتصاد وتنظيم الوضع الاقتصادي الكلي، كما دعا"جلال" الي تبني سياسة مرنة تجمع بين استخدام سعر الصرف والتدخل في سوق الصرف الاجنبي الي جانب التحول الي نظام سعر الصرف المتحرك والشفافية في ادارة السياسة النقدية مع توفير حوافز لاصحاب الاعمال في القطاع الخاص لزيادة التوظيف والنظر في رفع الحد الادني للاجور توزيع الدخل اما السفير" جمال بيومي" منسق برنامج الشراكة المصرية الاوربية بوزارة التعاون الدولي فقد انتقد ما يتردد حول اتباع مصر تعليمات صندوق النقد الدولي وتأثير لك سلبيا علي السياسات الاقتصادية خاصة ان هذا الصندوق ما هو الا مؤسسة، ومصر دولة مشاركة فيها، وكذلك البنك الدولي وليس معني ظهور بعض رجال الأعمال اللصوص النظام الاقتصادي كله يصبح سيئا فسياسة الصندوق تشجع العمل الحر والمبادرات الانسانية . واشار "بيومي" الي انه رغم وصول معدل النمو الاقتصادي الي 7,1% الا انه كان نمو لقطاعات لا تصل لاغلبية المواطنين مثل وزارة البترول لذلك فلابد من عدالة توزيع للدخل للخروج من الازمة الاقتصادية الامر الذي انتظر حدوثه الجميع بعد الثورة ولم يحدث فتفاقمت تلك الازمة. وعن دور الدولة الذي يجب استعادته ليصبح رئيسيا في المرحلة المقبلة فيراه "بيومي" ممثلا في تحسين الطرق والمواصلات وكل ما يتعلق بالبنية التحتية وان تصبح الراعي لخلق مناخ الانتاج، وكذلك الرقيب علي تطبيق السياسات الاقتصادية ،ولفت النظر الي ان مصر انجبت منذ احداث الثورة اي خلال 7 شهور ماضية 1,1 مليون طفل لم يتم مراعاتهم سواء في الغذاء او المسكن وغيرهما من متطلبات الحياة لذلك كان يجب ان تظل عجلة الانتاج سارية بالتوازي مع عجلة العدالة والسياسة. شكل الاقتصاد واشار"بيومي " الي ان اخطر مايهددنا هو عدم الاتفاق حتي الان علي شكل الاقتصاد المصري في المرحلة المقبلة وهل سيكون قطاعا عاما ام لا؟ واذا كان قطاعا عاما فقط فلماذا يأتي المستثمر الاجنبي؟لذلك فلابد من اعلان وفاق وطني باحترام الملكية الخاصة علما بان نائب رئيس الوزراء صرح بأنه لن تخصخص باقي شركات القطاع الخاص ويجب تنفيذ ذلك باعلان سياستنا الاقتصادية بوضوح لاستعادة المستثمر الاجنبي مرة اخري. فيما اعلن دكتور"احمد السيد النجار" الخبير الاقتصادي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام ان ارجاع الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد لثورة25 يناير وما تلاها من تداعيات امرا مخالفا للحقيقة لان اي انهيارت اقتصادية تعاني منها مصر هي تركة عصر مبارك وليست حدثا جديدا. واضاف ان المؤشرات الاقتصادية التي يجري الحديث عنها يمكن اعتبارها علامة علي الانهيار الاقتصادي واولها استنزاف 8 مليارات دولار من احتياطي مصر من العملات الحرة وذلك لتغطية عجز الميزان التجاري وميزان الحساب الجاري ولتوفير النقد الاجنبي وضخه في السوق للحفاظ علي سعر الجنيه المصري مقابل الدولار والعملات الحرة الاخري موضحا ايضا ان السببين اللذين تم استنزاف الاحتياطي من خلالهما يرتبطان بأوضاع سابقة علي الثورة اصلا فالعجز الهائل في الميزان التجاري لمصر قد بلغ 25,1 مليار دولارعام 2009 -2010 اما عجز تجارة السلع والخدمات معا فوصل الي 14,8 مليار دولار، واذا تمت اضافة تحويلات العاملين بالخارج والبالغة 9,8 مليار دولار فان ميزان الحساب الجاري سينتج عنه ايضا عجز في العام المالي 2009 2010 يصل الي 4,3مليار دولار اي ان شكل العجز في ميزان الحساب الجاري يمثل ب2%،2,3% من الناتج المحلي الاجمالي منذ اعوام 2008 -2009، 2009- 2010. تفكير قديم اما سياسة البنك المركزي المصري باستنزاف الاحتياطي الرسمي من العملات الحرة فيقول عنها " النجار" انها سياسة تعكس تفكيرا قديما ومتجمدا لان تجربة استنزاف الاحتياطي في الدفاع عن العملة اثبتت فشلها لان من المهم انهاء اسباب ضعف العملة سواء بالعجز في الموازين الخارجية من خلال ترشيد الواردات وتطوير الصادرات او تبني سياسة واقعية في سعر الصرف يمكن ان تسمح بارتفاع او انخفاض العملة في حدود 5% علي اقصي تقدير في الوقت الراهن دون استخدام الاحتياطي حتي لو اقتضي الامر تطبيق نظام سعر الصرف التحكمي المتغير كل ثلاثة اشهر بناء علي التغيرات في المؤشرات الاقتصادية في مصر علي ان يتزامن مع ذلك عملية ضبط الاسعار وحماية المستهلكين من استغلال مثل هذا التغيير في رفع الاسعار بلا مبرر . وطالب" النجار" بضرورة استعادة الاستثمارات الاجنبية التي انخفضت في الشهور الاخيرة نتيجة الغياب الامني وتوجيهها الي قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات الحقيقية وليس في مجرد شراء اراض باسعار اقل من 5% من اسعارها الحقيقية مؤكدا انه اذا تمت استعادة الامن وتنشيط السياحة الداخلية بتحفيزالمواطنين الذين يقومون بالسياحة بالخارج للاقتصار علي السياحة الداخلية لدعم الاقتصاد الوطني واعطائهم مزايا السياح الاجانب أنفسهم بعد كل هذا سوف يتم دعم قطاع السياحة في المرحلة الحرجة بين تراجع السياحة الخارجية واستعادتها. واوضح ان الاقتصاد المصري يملك قدرات كبيرة تحتاج لادارتها بصورة اكثر كفاءة وفعالية ووطنية من خلال اسثمارات خاصة وعامة ورعاية لمبادرات المصريين بالخارج وكذلك المشروعات الصغيرة في الداخل لتحقيق نهوض قوي بدلا من التباكي علي حالة الاقتصاد تلافي الاخطاء السياسات الاقتصادية الماضية بها العديد من الاخطاء التي كانت ستظهر آجلا او عاجلا هكذا بدأ دكتور" عبد المنعم التهامي" استاذ التمويل والاستثمار والخبير المالي رأيه فيما يخص الوضع الاقتصادي الحالي في مصر موضحا ان اي سياسة قد تكون بها ايجابيات وسلبيات ولكن في حال ان تكون الايجابيات هي الاكثر هنا تصبح هذه السياسة ناجحة الامر الذي حدث عكسه مع الثورة التي عجلت من ظهور سلبيات السياسات المصرية الاقتصادية فلو كانت الاوضاع قد استقرت ما حدث ذلك المستقبل في مصر ولتلافينا كل الاخطاء . ويري" عبد المنعم" ان عدم الاستقرار الامني والسياسي في مصر منذ شهور سبب رئيسي في تدهور الاوضاع والعدو الاول لاي استثمار سواء كان محليا او اجنبيا ففي حالة عدم وضوح الوضع السياسي فلن تتضح هوية الاقتصاد المصري في المرحلة المقبلة وكذلك السياسات التي ترتبط بهذه الهوية فمثلا اذا جاءت دولة اسلامية سيؤثر ذلك بالقطع علي قطاعي المال والسياحة وهما اساسيان للنظام الاقتصادي المصري ولا توجد اي دولة متقدمة في العالم تعتمد علي مدخراتها المحلية والاجنبية سواء بالاستثمار المباشر وغير المباشر خاصة ان مصر لديها قصور في المدخرات المحلية وطموحات اقتصادية عالية ولتغطية هذه الفجوة التمويلية لابد من الاستثمار الاجنبي الخارجي. واكد" عبد المنعم" ان الدولة لن تستطع القيام بعملية التنمية بالكامل فهي لن تنفذ الخطط الاجتماعية بالاعتماد علي مواردها الاقتصادية المحلية في ظل انتاجية منخفضة ومدخرات قليلة ، الامر الذي يتطلب وجود اي صورة من صور القطاع الخاص الي جانب الدولة التي يقتصر دورها علي تنظيم السوق ووضع القواعد الاقتصادية لتمكن الاستثمار بجميع اشكاله" حكومي ،قطاع عام،خاص،محلي او اجنبي" ان يقوم بالدور المطلوب منه علي اكمل وجه لتحقيق فوائض اقتصادية وقيمة مضافة تستفيد منها الدولة في سوق الضرائب وتوظيف العمالة وتحقيق رفاهية لاعضاء المجتمع نفسه .