من الطبيعي أن نُدفع في كل يوم إلى أعمالٍ كثيرة، ونتخذ قرارات قد يكون الكثير منها مرهقًا، إذا فكرنا فيها بشيء من التعقيد، إذ تؤثِّرُ سلبًا على رؤيتِنا للأشياء المحيطة، فلا نرى أهم وأسهل المنافذ التي يمكن أن تعبر بنا إلى آفاق أخرى أكثر متعة، أو اكتشاف أهم والأولى في حياتنا. لماذا نعتقد دائمًا أن الحل في الخيار الأصعب؟ لما لا نفكر دائمًا في الأبسط؟ البساطة أن تعتقد بأن أمامك أبوابًا متعدِّدة تستطيعُ منها أن تلجَ إلى هدفك دون معاناة، بينما التعقيد ألَّا ترى للنجاح سوى بابًا واحدًا وخيارًا محدَّدًا فتقضي حياتك دون أن تتجاوزه، وتتلاشى أمامك الفُرص ويموت فيك الأمل على أعتاب هذا الباب. نحن في كل موقف نتعرض له، وأمام كل مشكلة، نبحث عن الحلول البعيدة؛ ظنًا منَّا أن هذا هو التفكير خارج الصندوق كما يُقال، بينما لو فتشنا الصندوق جيدًا سنجده قد ملئ بمثل هذه الأفكار. سنعرف أن البحث عن المُتاح هو أول خطوة على طريق النجاح، سنجد أن التفكير ببساطة هو عين التفكير خارج الصندوق، وأن الحلول الأبسط هي دائمًا الأسرع والأدوم؛ لأنها بلا تعقيد. فانظر معي إلى تلك القصة الرمزية لتتعرف أكثر على ما نقصده: أحد السجناء في عصر لويس الرابع عشر قد حُكم عليه بالإعدام وكان يقضي سجنه في جناح القلعة ولم يتبق على موعد إعدامه سوى ليله واحدة، وفي تلك الليلة سمع السجين دبيب أقدام بالقرب من محبسه، وباب الزنزانة يُفتح، ثم دخل لويس عليه مع حرَّاسه وقال له: أعطيك فرصة إن نجحت في استغلالها فبإمكانك أن تنجو.. هناك مخرج موجود في زنزانتك بدون حراسة، إن تمكّنت من العثور عليه فسيمكنك الخروج والنجاة من حكم الإعدام، وإن لم تتمكّن من ذلك فإن حرّاسي سيأتون مع شروق شمس الغد لتنفيذ الحكم.. ثم غادر الحرّاس الزنزانة مع الإمبراطور بعد أن فكّوا سلاسل السجين وبدأت المحاولات. بدأ السجين يفتّش في الجناح الذي سُجن فيه وراوده الأمل عندما اكتشف فتحة مغطّاة بسجادة بالية على الأرض وما أن فتحها حتّى وجدها تؤدّي إلى سلّمً ينزل إلى سرداب سفلي ويليه دَرَجٌ آخر يصعد به مرة أخرى إلى الأعلى، فظل يصعد إلى أن بدأ يشعر بتسلل نسيم الهواء الخارجي مما بثّ في نفسه الأمل في النجاة، حتى وجد نفسه في النهاية في برج القلعة الشاهق والأرض لا يكاد يراها، ضرب بقدمه الحائط وإذا به يرى الحجر الذي يضع عليه قدمه يتزحزح، فقفز وبدأ يختبر الحجر فوجد بالإمكان تحريكه فأزاحه، وإذا به يجد سردابًا ضيّقا لا يكاد يتّسع للزحف، فبدأ يزحف إلى أن بدأ يسمع صوت خرير مياه، فتمسك بالأمل؛ لأنه يعلم بأن القلعة تطل على نهر وواصل الزحف حتى بلغ نهاية السرداب، فوجد كُوَّة مغلقة بالحديد، أمكنه فقط أن يرى منها النهر ويستنشق هواء الحرية.. هكذا ظلّ طوال اللّيل يلهث خلف حلم الحرية والنجاة، وكانت بوادر الأمل تداعب عقله، فتلوح مرة من هنا وأخرى من هناك، لكنها في النهاية كانت تؤول إلى الفشل، حتى انقضت ليلة السجين في البحث عن المخرج، ولاحت له الشمس من النافذة، فوجد وجه الإمبراطور يطل عليه من الباب ويقول له: أراك لا زلت هنا !! قال السجين: كنت أحسبك صادقًا معي أيها الإمبراطور! قال له الإمبراطور: لقد كنت صادقًا! سأله السجين: لم أترك بقعة في الزنزانة لم أحاول فيها، فأين المخرج الذي أخبرتني عنه؟ قال له الإمبراطور: لقد كان باب الزنزانة مفتوحًا بلا أقفال!. هذه القصة الرمزية تصوِّر لنا كيف يقضي الإنسان على كل آماله عندما يضع لنفسه الصعوبات ولا يلتفت إلى ما هو بسيط.