قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء الأزهر الشريف، إن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع منه أفعال تشبه في ظاهرها فعل الخيانة، ومن ذلك ما فعله الصحابي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، فقد قَالَ عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا». وأوضح جمعة، عبر فيسبوك: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟» قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ، يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ». وأضاف: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ صَدَقَكُمْ». قَالَ عُمَرُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ». قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» (البخاري). وفيه نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [الممتحنة:1]. ورفض الرسول مطلب سيدنا عمر رضي الله عنه بقتل حاطب لتأكده أنه لم يكن ينوي خيانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدَّقه حين قال: «وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ» فهو لثقته الكبيرة بالله عز وجل ونصره لرسوله صلى الله عليه وسلم أيقن باجتهاده أنه لن يضر الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وأن كتابه سيفرحُ به كفار قريش ويحمون له أهله، وهو ما صرح به في رواية حيث قال: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ عَزِيزًا بَيْنَ ظَهْرِيهِمْ وَكَانَتْ وَالِدَتِي مَعَهُمْ» (مسند أحمد)، ولذلك قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «وَأَطْلَقَ –أي عمر- عَلَيْهِ –أي حاطب- مُنَافِقًا لِكَوْنِهِ أَبْطَنَ خِلاف مَا أَظْهَرَ, وَعُذْر حَاطِب مَا ذَكَرَهُ, فَإِنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَنْ لا ضَرَر فِيهِ» (فتح الباري). واختتم الدكتور علي جمعة، أن تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال هذين النموذجين مع مرتكبي جريمة الخيانة العظمى اعتمد على نية كل منهما وقصده، ففي حالة بني قريظة كانت النية معقودة على مناصرة المشركين والكيد للرسول والمسلمين، وفي حالة الصحابي حاطب بن أبي بلتعة كان واثقا من نصر الله لنبيه ولكنه أرسل لقريش لعلها تكرم أهله في مكة وليخوفها ويصرفها عن رسول الله والمسلمين، لذا فقد صدقه الرسول وسامحه واستغفر له الله.