هل هناك فرق يذكر بين ما كان يفعله مبارك وما فعله مرسى مع النائب العام؟ لا أعتقد، فالأول كان يختار النائب العام وفق معايير الولاء السياسى وليس الكفاءة القانونية، والثانى فعل تماماً نفس الشىء، وتمسك بنائبه، رغم وجود حكم قضائى لا لبس فيه ببطلان تعيينه. الرئيس وجماعته الحاكمة لم ينفذوا الحكم القضائى، وأبدوا كراهية غير مسبوقة للقضاء المهنى المستقل، فهم يفضلون القضاء التابع، غير المستقل، وواجهوا الأول بضراوة وعنف أكثر مما كان يفعل مبارك، ونعتوا القضاة بأسوأ الصفات إذا حكموا وفق قانون الدولة وليس قانون الجماعة. والحقيقة أن فصال الجماعة على موضوع النائب العام، وتمسكها بنائب عام لم ينل ثقة غالبية المصريين ولا القضاة ولا القوى السياسية يعد أمراً صادماً، لأن الباب الذى فتحه القضاء بحكمه التاريخى ببطلان تعيين النائب العام كان يمكن أن يصبح مَخرَجا مشرفا للنظام، ويحل هذه الأزمة، ويترك لمجلس القضاء الأعلى الحق فى تعيين النائب العام الجديد، كما ينص الدستور. الكارثة أن تعيين النائب العام، المطعون فى شرعيته بحكم قضائى وشعبى، جاء مخالفاً للدستور الذى وضعه الإخوان أنفسهم، ونص على أن لمجلس القضاء الأعلى وحده الحق فى تعيينه، وحجة الإخوان هى تحقيق مطالب الثورة بتعيين نائب عام «ثورى»، وعزل نائب عام قديم «رجعى»، عيّنه مبارك. إن توظيف الإخوان خطاب الشرعية الثورية يؤسس لنظام قائم على «المحاكم والإجراءات الاستثنائية التى تقيل النائب العام، بصورة مخالفة للقانون، فالثورة فى هذه الحالة توظف للتمكين من الدولة، وتصبح فوق القانون، وأحيانا عموم الناس، وهو ما يفتح الباب أمام اتباع سياسة انتقامية تبدأ بمواجهة رموز النظام السابق، وتنتهى بمواجهة التيارات الثورية نفسها، ولا توجد تجربة واحدة أسست لشرعية ثورية فى العالم كله، وبنت نظاماً ديمقراطياً». المدهش أن البعض مازال يحرص على أن يبدأ الفيلم من أوله، من حيث عاشت أفغانستان والسودان تجارب فاشلة، تحت غطاء الشرعية الدينية، والبعض الآخر مازال يبحث عن نظام ثورى يكرر به تجارب فشل أخرى، من حيث بدأ ستالين وصدام والقذافى وبشار، وكل التجارب التى حصنت استبدادها تحت مسمى «الشرعية الثورية أو الدينية» كانت وبالاً على شعوبها. صحيح هناك رغبة مشروعة لدى قطاع واسع من المصريين فى تغيير كثير من قيادات الدولة «العابرين لكل العصور»، وأن الطبيعى بعد نظام حكم جديد أن يتم تغيير كثير من رجال الحكم السابق أو بعض قيادات السلطة القضائية، وقبلها- وهذا هو الأهم- فى طبيعة عمل المؤسسات التى أنتجت رجال هذا النظام القديم، وأن يكون التغيير عبر الآلية القانونية التى تحكم المجتمع والنظام السياسى، سواء كانت تلك الآلية وضعها النظام الجديد، أو قديمة وضعها النظام السابق، فالمهم ألا تخضع لقواعد استثنائية وغير قانونية. إن قرار تعيين النائب العام الجديد لا يستند إلى أى أساس قانونى سابق أو لاحق، خاصة أن مرسى لم يأت إلى الحكم عبر انقضاض ثورى أحمر أو أخضر على السلطة، إنما جاء عبر صندوق الانتخابات والآليات الديمقراطية، وبفضل قضاة مصر الذين تحملوا كثيرا من الإهانات والشتائم، ومع ذلك أشرفوا بكل نزاهة على انتخابات الرئاسة. إن أبواب السماء التى فُتحت للرئيس مرسى وجماعته، بحكم المحكمة ببطلان تعيين النائب العام، هى فرصة أخيرة للعودة لطريق الصواب، ولكن بكل أسف سيهدرها إخوان الحكم، كما أهدروا عشرات الفرص. نقلاً عن المصرى اليوم المزيد من أعمدة عمرو الشوبكى