لم تنجح تلك الجماعة الخارجة عن القانون التي تحكم مصر الآن في أي مسار انتهجته إلا في إفشال الدولة وإشاعة الكراهية وتقسيم الشعب وتهيأته لحرب أهلية باتت وشيكة، وبدأت تلوح نُذُرها تدريجيا في سماء الوطن، ومن المتوقع استمرارها وتصاعدها واشتعالها يوما بعد يوم، حيث تقاتل الناس فعليا في الطرقات، بينما غابت الدولة والقائمين عليها، وكأن هذا هو المطلوب تحقيقه، نظرا لإصرار هؤلاء على التمادي في تعميق الفشل، وتكريس التحلل الأخلاقي في سلوكهم السياسي، وحالة التبلد المدهشة التي تصيب أعصاب السلطة الحالية، والتي تضع علامات استفهام كثيرة حول حقيقة ائتمانها على البلاد والعباد، بل وحول عمق غيرتها الوطنية. صدعت تلك الجماعة وتابعوها من أنصار اليمين المتطرف رؤوسنا بالحديث عن منح فرصة للرئاسة للعمل في هدوء، وهو قول الباطل الذي يراد به باطل، حيث أن واقع الحال يقول أن الرئاسة التي يتحدثون عن منحها فرصة الهدوء غير منشغلة أصلا بما يدور، ولا يشعر أحد من المواطنين بوجودها في أي حدث من الأحداث، ودائما لا تظهر إلا بعد الكثير من الخراب، فلا تحل أي عقدة، ولا تنجح في مخاطبة الشعب، بل دائما ما تزيد من احتقان الأمور وارتباكها. فما هي إذًا أمارات انشغال الرئاسة بالأحداث؟ وما هي أمارات اهتمام الرئيس بأي شأن آخر، في الوقت الذي يرى فيه الجميع أن الإهمال يتواصل في كافة المجالات، ولا يوجد إنجاز واحد يمكن أن يلحظه الناس على أي مستوى من مستويات الحياة أو السياسة أو الأمن أو الاقتصاد؟! فهل يظن أي عاقل أو غافل أو مغيّب أن الدولة يمكن أن تستمر بتلك الوتيرة؟ وهي التي نشهد ويشهد العالم انهيارها تدريجيا بعد 9 شهور فقط من تولي محمد مرسي حكم البلاد، بينما يرى الرئيس وحده في كلماته أن كل شيء جيد، وكأنه عندما يقول ذلك سينسى الناس ما يلمسونه من تردٍ، وما يعايشونه من انهيار الدولة والقانون والنظام. تسعة أشهر مرت ثقيلة على مصر وأعصاب أهلها، حيث يشهدون كل صباح مؤشرات سقوط وطنهم، وفقدان الأمن والأمان والسلام الاجتماعي، وتراجعا حادا ومتواصلا في مستوى معيشتهم ومتطلباتهم اليومية، ولا يجدون من ينقذهم، ولا من يعينهم على تسيير الحياة، فبدى الناس وكأنهم شعب مُهمَل بلا دولة، ومواطنون بلا حكومة، فلا أحد يشعر بوجود نظام حاكم، ولا قائمين على شؤونهم، فمصر الآن لا بواكي لها، في ظل صراع على دولة تنهار، وسلطة فقدت سلطتها، ونظام فقد القدرة على استيعاب ما يدور في الوطن، وافتقد الرؤية لكيفية إنقاذه، إلا بالتواكل على كلمات جوفاء، لا تثمن ولا تغني من جوع، وعلى نفي الواقع المتردي، كمن يدفن رأسه في الرمال، وكأن نفي الأزمة يلغي وجودها. وحقيقة الأمر أن ذلك النهج الأعمى في التعامل مع واقع تعيس يعيشه المصريون، لا ينبئ بفلاح ولا بصلاح، وإنما ينذر بمزيد من السقوط، سيجعل الفاشلون والعاجزون عن إدارة شؤون البلاد الآن، لن ينتبهوا إلا وقد أصبحوا يقلبون كفيهم على وطن خاوٍ على عروشه، ويقولون يا ليتنا لم نشرك بوطننا شيئا، ولم تكن لهم فئة ينصرونهم من دون الشعب وما كانوا منتصرين. المزيد من أعمدة جمال دربك