تكرر المشهد معي مرتين في 12 عامًا.. الفرق الوحيد أن الأمر تضاعف في المرة الثانية ثلاث مرات!. الحكاية إنني كنت منذ 12 عاماً تقريبًا عند بائع فراخ بمنطقة شعبية.. ووجدت سيدة ترتدي جلبابًا اختفي لونه الأسود من كثرة الغسيل تقترب من المحل وتجلس علي بابه.. وطلبت من البائع 2 كيلو "كراكيب".. ووجدت البائع يجمع لها عظام "صدور الفراخ".. فسألته إن كانت هذه السيدة تربي قططاً أو كلاباً؟.. فهمس في إن لديها عدداً كبيراً من الأولاد وتأتي كل أسبوع لتشتري عظام الفراخ وتطبخها "شوربة"، حتي تطعم الأفواه الجائعة.. وربما تجد وسط العظام بقايا لحم منسية فيتذوقون طعم الفراخ!. وفي الأسبوع الماضي تكرر نفس المشهد معي عند بائع آخر بمنطقة شعبية.. ولكن هذه المرة جاءت ثلاث سيدات خلال 10 دقائق واشترين "الكراكيب".. حتي إن إحداهن أخذت تقلب العظام.. وتختار التي تبقي فيها أجزاء صغيرة من الأجنحة.. والغريب أن كيلو "الكراكيب" طاله الغلاء وارتفع سعره وأصبح بخمس جنيهات بعد أن كان بجنيهين!. بعد هذا المشهد المتكرر كثيراً سمعت حكايات كثيرة من الزملاء والأصدقاء.. قال لي أحدهم إن هناك شخصاً تذهب زوجته آخر الليل إلي السوق لتشتري " الطماطم" الفاسدة والتي يرميها التجار.. ورغم رائحتها الكريهة والعفنة تعصرها وتضيف لها مكعب مرقة دجاج مع بقايا خبز ويكون هذا هو طعام الغداء والعشاء لأيام.. وقال لي آخر: إنه يعرف إحدى الأسر تشتري كميات من "العيش" المدعم.. وبجنيه فول وتضيف للفول كميات من الماء الدافئ.. وتكون الوجبة ماء الفول.. ويحدث صراع بين الأبناء مع الأطباق بحثاً عن "فولة". جلست مع نفسي أحاول أن أضع ميزانية طعام لأي أسرة.. ففشلت.. خاصة أن سندوتش الفول أو الطعمية أصبح سعره لا يقل عن جنيه.. ووجدت أمامي إحصائية صادمة للجهاز المركزي للمحاسبات تقول إن أعداد المتعطلين عن العمل ارتفعت إلي 5.3 مليون مواطن.. 72٪ منهم كانوا يعملون من قبل وفقدوا وظائفهم.. وإن نسبة البطالة أصبحت 31٪ .. وإن نسبة الفقراء - طبقا لمقياس الفقر متعدد الأبعاد - قد تجاوزت ال10.5 % وهو ما يمثل نحو 8.5 مليون شخص. وزاد من صدمتي تصريح للمدير المقيم ببرنامج الغذاء العالمي بمصر، والذي قال إن 50 % من المصريين توقفوا عن شراء اللحوم.. و25٪ عن الألبان.. وانخفض حصول المصريين علي الغذاء من الخضر والفاكهة بمعدل يومين في الأسبوع.. وحذر البرنامج من زيادة نسبة التقزم بين الأطفال وانتشار الأنيميا لدي الفتيات. نقلاً عن الأخبار المزيد من أعمدة طاهر قابيل