أظهرت المشاركة الهزيلة في جمعة "لم الشمل"،و الاحتجاجات الأخيرة التي جرت أثناء العملية الانتخابية أننا أمام معضلة ألا وهي انفصال الكتلة النشطة سياسيا عن جماهير تسيست اثناء وبعد الثورة ،وان هذه الكتلة لن يكون بالبرلمان من يعبر عنها في المجال السياسي بعد سقوط النظام المركزي السلطوي السابق لأن تلك القوى تنظر للبرلمان الجديد باعتباره ناتجا عن توافق بين نخب منفصلة عن قوى الثورة. ان الاحزاب التي افرزتها العملية السياسية تعاني التباسا في مفهوم الدولة والسوق الحرة اذن سنظل بعيدين عن تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وسيبقى المتاجرة بالهوية الاسلامية للدولة مستمرة لتوفير الغطاء الشرعي للنظام المنتخب . وهو ما يتصادم مع مطالب الناخبين المفرزين لتلك الكتل ليجد الناخبون انفسهم في صراع مع السياسة بمفهوم الحفاظ على الهوية ،والسياسة بمفهوم الحكم الصالح ورعاية موارد الجماعة الوطنية.
وهنا تعود الذاكرة –مضطرة –إلي الثورة الرومانية والتي تتشابه كثيرا مع ثورة 25 يناير فسقوط شاوشيسكو لم يعقبه انتقال السلطة للثوار بل انتقلت لما يشبه الانقلاب داخل النظام فقد استولى الصفان الثاني والثالث علي مقاليد الامور بعد ان أنشأوا وعا ء سياسيا يمثلهم، اما مصر فنتيجة للاضعاف الممنهج للاحزاب والمجتمع المدني وجد ما يسمون بالفلول صعوبة بالغة في اعادة النظام السابق.. علي العكس من الحزب الشيوعي الذي أعدم شاوشيسكو وفاز ب70% في اول انتخابات بعد سقوط الواجهة الاولى من نظامه.
فلم يعد امام هذا كله في أحسن الاحوال إلا أن يتقاسم المجلس العسكري السلطة مع نخبة سياسية منتخبة –الاخوان –وهما الطرفان اللذان يعلنان باستمرار انهما يقفان على مسافة متساوية من جميع الأطراف.
وامام هذا التشابك يبقى العامل الاقتصادي هو التحدي الحقيقي في مواجهة الديمقراطية الضعيفة التي تتكون في مصر فقد خطا مبارك خطوات واسعة في اقرار العمل بنظام السوق الحرة التي تسببت تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية في التعجيل بسقوطه و نظامه وهذا الفارق الرئيسي الذي ساعد الحزب الشيوعي برومانيا في إنجاح اعادة انتاج نظام شاوشيسكو فقد سقط بالثورة القطاع العام المركزي ،وبدأت الدولة في الانخراط في الاقتصاد الاوروبي وآليات السوق الحرة سريعا في ظل غياب النخبة البديلة لرموز النظام الساقط وهو ما مثل تحديا ايضا امام الثورة الرومانية. لذا نحن أمام عدة حقائق: - سقوط محاولات إعادة إنتاج النظام لفقركوادره الشعبي والسياسي في الصف الثاني والثالث.. - انحسار لامفر منه لمفهوم الحفاظ على الهوية والاستقطاب الديني تحت ضغط الانهيار الاقتصادي. - اهتزاز الشرعية عن برلمان منعزل عن الكتلة النشطة سياسيا وقوي الثورة. - استمرار الحشد بالشارع لغياب العدالة وعدم اكتمال مطالب الثورة . - محاولة الاسلاميين تغيير النمط الاجتماعي للشعب المصري. - بقاء محاولات مساومة الغرب للنظام الوليد للحفاظ على مصالحه.
فمتي تظهر ملامح الغد وتشرق شمسه على مصر..هذا ما يحمله لنا القادم من الأيام؟ [email protected]