«زي النهارده» في 23 مايو 1967.. الرئيس جمال عبدالناصر يغلق خليج العقبة    جيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أٌطلق من اليمن    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| الأهلي ضد الزمالك في نهائي كأس أفريقيا لليد    ذهبت للمذاكرة.. السجن 4 سنوات لمتهم اعتدى على ابنة جاره في الإسكندرية    بسمة وهبة لمها الصغير: مينفعش الأمور الأسرية توصل لأقسام الشرطة    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي الشرقي في المنيا يُخلف 4 قتلى و9 مصابين    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    توجيه اتهامات ب"قتل مسؤولين أجانب" لمنفذ هجوم المتحف اليهودي بواشنطن    تكريم سكرتير عام محافظة قنا تقديراً لمسيرته المهنية بعد بلوغه سن التقاعد    ابتزاز لعرقلة تقدم الجيش، أول رد من السودان على العقوبات الأمريكية بعد مزاعم الأسلحة الكيماوية    شيخ الأزهر يعزي المستشار عدلي منصور في وفاة شقيقه    بصورة قديمة وتعليق مثير، كيف احتفت هالة صدقي بخروج عمر زهران من السجن    سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة    صبحي يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة ويؤكد: الشباب محور رؤيتنا للتنمية    كنيسة بالسويس تساهم في مشروع صكوك الأضاحي (صور)    لاعب الأهلي السابق: «الأحمر هيعاني من غير إمام عاشور»    هزة أرضية جديدة تضرب جزيرة «كريت» اليونانية (بؤرة الزلازل)    أرقام رافينيا مع برشلونة بعد تمديد عقده حتى 2028    جامعة دمنهور تشارك فى فعاليات إطلاق برنامج عمل "أفق أوروبا Horizon Europe" لعام 2025    خروجه مجانية.. استمتاع أهالى الدقهلية بالويك إند على الممشى السياحى.. صور وفيديو    وكيله: لامين يامال سيجدد عقده مع برشلونة    الضرائب تنفي الشائعات: لا نية لرفع أو فرض ضرائب جديدة.. وسياستنا ثابتة ل5 سنوات    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    "مياه الفيوم" تنفي شائعة تسرّب الصرف الصحي.. وتؤكد: مياه الشرب آمنة 100%"    تراجع سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن بداية تعاملات الجمعة 23 مايو 2025    مصرع 4 أشخاص وإصابة آخر في تصادم سيارتي نقل على طريق إدفو مرسى علم    «الطقس× أسبوع».. درجات الحرارة «رايحة جاية» والأرصاد تحذر من الظواهر الجوية المتوقعة بالمحافظات    أخبار × 24 ساعة.. حوافز استثمارية غير مسبوقة لتعزيز مناخ الأعمال فى مصر    دينا فؤاد: مفيش خصوصيات بيني وبين بنتي.. بتدعمني وتفهم في الناس أكتر مني    دينا فؤاد: صحابي كانوا كتار ووقعوا مني في الأزمات.. بالمواقف مش عدد السنين    بعد الإفراج عن عمر زهران .. هالة صدقي توجه رسالة ل مرتضى منصور    فلسطين.. 4 شهداء وعشرات المفقودين إثر قصف إسرائيلي على منزل في جباليا شمال غزة    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 23 مايو 2025    تعليم القاهرة يحصد المراكز الأولى في العروض الرياضية على مستوى الجمهورية    تعليم القاهرة يحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية بمسابقة الخطابة والإلقاء الشعري    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة قبل الأخيرة لدوري المحترفين    الكشف عن موقف تشابي ألونسو من رحيل مودريتش عن ريال مدريد    مصرع وإصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بطريق إدفو مرسى علم    بمشاركة منتخب مصر.. اللجنة المنظمة: جوائز كأس العرب ستتجاوز 36.5 مليون دولار    صراع ناري بين أبوقير للأسمدة وكهرباء الإسماعيلية على آخر بطاقات الصعود للممتاز    وزير الشباب ومحافظ الدقهلية يفتتحان المرحلة الأولى من نادي المنصورة الجديد بجمصة    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    Spotify تحتفل بإطلاق أحدث ألبومات مروان موسى في مباراة "برشلونة"    تنفيذًا لحكم القضاء.. محمد رمضان يسدد 36 مليون جنيه (تفاصيل)    الشعبة: أقل سيارة كهربائية حاليًا بمليون جنيه (فيديو)    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    ما حكم تغيير النسك لمن نوى التمتع ثم تعذر؟ المفتي السابق يجيب    قباء.. أول مسجد بني في الإسلام    «المفرومة أم القطع».. وهل الفرم يقلل من قيمة الغذائية للحمة ؟    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    «لقرمشة مثالية وزيوت أقل».. أيهما الأفضل لقلي الطعام الدقيق أم البقسماط؟    مسلسل حرب الجبالي الحلقة 7، نجاح عملية نقل الكلى من أحمد رزق ل ياسين    تشميع مركز للأشعة غير مرخص بطهطا بسوهاج    هل التدخين حرام شرعًا ؟| أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الله يفتح عليك يا شيخ
نشر في صدى البلد يوم 30 - 12 - 2011


حمدى ‮رزق‮

ويتبوأ المقرئ الضرير مقعده من الصوان الفاخر،‮ ويقرب عامل الإذاعة الداخلية الميكرفون من فمه الكبير،‮ مثل فم الجمل يلوك شيئا بما بين أشداقه،‮ تبين حواف أسنانه‮ غليظة بها من آثار‮ (‬الزفر‮) الذي نهشه قبل القراءة،‮ رحمة ونور علي المرحوم،‮ واحتسي الشاي المر بالسكر مذابًا في قعره،‮ ثم تمطي واتخذ موقعه عاليا فوق الرءوس لتشرئب إليه الأعناق‮.
وتنحنح،‮ وتنخم،‮ وشد أحبال صوته جيدا‮ ،‮ وهز رأسه كالبندول ذات اليمين وذات الشمال،‮ وبسمل وحوقل واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم،‮ وانطلق كجرار قطار السكة الحديد لا يلوي علي شيء،‮ انطلق مترنمًا،‮ منغمًا،‮ مهتزا،‮ متفاعلا،‮ متماهيًا،‮ مع كل حرف وكل‮ غُنة،‮ وكل مد متصل أو منفصل،‮ وتوقف مليا عند كل سكون،‮ وقلقل عند حروف القلقلة التي تُشكل كلمة‮ " قطب جد‮" .‬
سورة‮ ( مريم‮ ) تشكل عادة الربع الافتتاحي في العزاء،‮ كما تشكل سورة‮ ( الفجر‮ ) الربع الختامي،‮ وبينهما بين سورتي مريم ويوسف تتالي الأرباع،‮ نحن نقص عليك أحسن القصص،‮ كل معزين‮ (‬بربعهم‮) فرحون مستبشرون يسمعون آيات من الذكر الحكيم،‮ وهم علي الأرائك منصتون،‮ "‬وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون‮ " فإذا كَبّر شيخنا الضرير فيكبرون،‮ ويند عن أحد جذبته التلاوة واستبد به الوجد كلمة ينطقها من أحشائه‮ : صلوا علي الحبيب،‮ يا نور النبي،‮ عليه أفضل الصلاة والتسليمات،‮ ويرد آخر الله يفتح عليك يا حليفي والحليفي اسمه،‮ اسم الشيخ الضرير فيطرب الذي هو يجلس مربعا ساقيه فوق الأريكة،‮ فاركا إصبعه الكبير،‮ يهز أصابع يمناه الغليظة هزًا عنيفًا إعجابا بالفتح الذي حمله الدعاء،‮ ويرقع مخا‮ (‬أي صوتا‮) عاليا مقلدا لمدرسة الشيخ مصطفي إسماعيل قارئا بالمقامات حيث يبدأ بمقام النهاوند‮: "‬قال إني عبد الله‮" وفي الأخيرة تفخيم وتنغيم عظيم،‮ وتدوي الله،‮ الله في صدي صوت مزلزل للحضور‮.‬
شيخنا يقرأ متمليا،‮ متأملا في سورة مريم،‮ يتلذذ بآياتها آية آية‮ (‬98‮ آية‮)‬،‮ وبكلماتها كلمة كلمة‮ (‬972‮ كلمة‮) وبحروفها حرفا حرفا‮ (‬3835‮ حرفا‮).. وجاءها المخاض،‮ ويتمثل الشيخ الجليل آلام الولادة،‮ يكاد يضع فوق الأريكة،‮ "‬فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ‮ إِلَي جِذْعِ‮ النَّخْلَةِ‮ قَالَتْ‮ يَا لَيْتَنِي مِتُّ‮ قَبْلَ‮ هَذَا وَكُنتُ‮ نَسْيًا مَّنسِيًّا‮" ويهز الشيخ بيده الأريكة قبل أن يصل إلي قول الحق‮ "‬وَهُزِّي إِلَيْكِ‮ بِجِذْعِ‮ النَّخْلَةِ‮ تُسَاقِطْ‮ عَلَيْكِ‮ رُطَبًا جَنِيًّا‮ " ويتشدق الضرير،‮ يتذوق رطبًا جنيًا،‮ ويذهب مع مريم إلي أهلها لا يفارقها،‮ إلي آل عمران،‮ ويحدثهم من كان في المهد صبيا‮ "‬قَالَ‮ إِنِّي عَبْدُ‮ اللَّهِ‮ آتَانِي الْكِتَابَ‮ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا،‮ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ‮ مَا كُنتُ‮ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ‮ وَالزَّكَاةِ‮ مَا دُمْتُ‮ حَيًّا،‮ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ‮ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا،‮ وَالسَّلَامُ‮ عَلَيَّ‮ يَوْمَ‮ وُلِدتُّ‮ وَيَوْمَ‮ أَمُوتُ‮ وَيَوْمَ‮ أُبْعَثُ‮ حَيًّا،‮ ذَلِكَ‮ عِيسَي ابْنُ‮ مَرْيَمَ‮ قَوْلَ‮ الْحَقِّ‮ الَّذِي فِيهِ‮ يَمْتَرُونَ‮".‬
ويتبختر شيخنا،‮ ويستعرض طبقات صوته،‮ ويجلي أحبابه الصوتية،‮ ويلقي بفصل الخطاب،‮ "‬ذَلِكَ‮ عِيسَي ابْنُ‮ مَرْيَمَ‮ قَوْلَ‮ الْحَقِّ‮ الَّذِي فِيهِ‮ يَمْتَرُونَ‮"‬،‮ ويكرر ويعيد ويزيد،‮ وفي كل هنيهة يلهب الشيخ الضرير خيالنا،‮ ونتناوم نعاسا من اللذة،‮ يختطفنا خطفا بقول الحق سبحانه في سورة مريم‮ "‬قَالَ‮ إِنِّي عَبْدُ‮ اللَّهِ‮"‬،‮ تخرج منه الحروف‮ ( الله‮ ) مفخمة،‮ مهابة،‮ قوية،‮ فارقة،‮ قاطعة،‮ يغادر النعاس جفوننا يهرب من ذكر الله،‮ تطمئن القلوب،‮ "‬ألا بذكرِ‮ اللّه تطمئنُّ‮ القلوب‮"‬،‮ "‬وَلَذِكْرُ‮ اللَّهِ‮ أَكْبَرُ‮"‬،‮ يعاودنا النشاط،‮ ونتتبع خطي مريم البتول،‮ ونتوجس خيفة عليها،‮ ونتوحد مع عيسي عليه السلام،‮ ونحفظ عن ظهر قلب الحروف في معانيها،‮ ونردد وراء الشيخ الضرير،‮ الحرف مغني،‮ الحرف مجود‮.‬
‮ يقر في الصدور حبا لعيسي عليه السلام،‮ وتقديرا للبتول،‮ ليس‮ غريبا أن نتقبل من إخوتنا المسيحيين الحلف بالعذراء ينطقونها،‮ والعدرا الشريفة،‮ ونصدقهم ونبرهم في حلفانهم،‮ لكم أحببت العذراء مريم،‮ ولكم حلمت بطيفها الجميل،‮ كنت أراها في طيات كرانيش سقف الكنيسة التي تحتضن المدرسة الابتدائية تتجلي بأشكال وتشكيلات وتنويعات زخرفية تخلب اللب،‮ وتغذي الخيال أشواقا إلي تلك الهالة النورانية التي تحمل علي ضعفها رضيعا يتكلم وهو في المهد لا يزال صبيا،‮ لكني عشقت مريم أكثر من صوت الشيخ‮ (‬الحليفي‮)‬،‮ الذي كان يحب تلك السورة‮ (‬المكية‮) حبا جما ويفضلها مفتتحا لقراءاته في العزاءات،‮ وكأنه يعزي أهل الفقيد بقصة مريم،‮ ويحتسب صبرها،‮ وصبرهم،‮ عند الله سبحانه وتعالي‮.‬
المسلمون من أهلي في مدينتي منوف الوادعة في قلب الدلتا،‮ يحبون مريم الأم،‮ ويزورون مولدها باتساع أديرتها المنتشرة علي أرض المحروسة،‮ وربونا علي الحب،‮ ومن فرط الحب كنا نسهر ليلة الميلاد حبا في الميلاد الذي حفظناه من الشيخ الحليفي،‮ وعندما يحل الميلاد فلنهنئهم بالميلاد،‮ تهاتفوا تحابوا،‮ تزاوروا تحابوا،‮ فإني مباه بكم الأمم،‮ أغرقوهم بالتهاني الإلكترونية تتساقط علي موبايلاتهم كزخات المطر الرقيقة،‮ تسعد ولا تبلل،‮ يتقافزون منها فرحين بما آتاهم من أخوتهم المسلمين،‮ ادفئوهم في صقيع الخوف الذي صار ملازما،‮ وبرءوهم من القلق الذي بات مؤرقا،‮ واشفوهم من الألم الذي لا يبارح الأفئدة،‮ بادلوهم حبا بحب،‮ اخترقوا‮ غلالات الحزن الشفيف الذي يلون برماديته الكئيبة حيواتهم،‮ اذهبوا عيدوا وباركوا عليهم،‮ زوروهم في دورهم واطعموا طعامهم،‮ واشربوا من شرابهم سائغا شرابه لذة للمحبين لأخوة الوطن والمصير‮.‬
نقلا عن جريدة "الأخبار"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.