يقين.. أستعيد ذهولي ثم يقيني يوم 52 يناير 1102 فيعطيني الاطمئنان علي 52 يناير 2102.. لست أنسي يوم 25 يناير 1102 أبدًا.. كنت قد استيأست.. عندما تصاعدت نداءات 'الفيس بوك' انصرفت عنها ملولا موقنًا أنها نوع من حلم اليقظة والاستعاضة بالخيال عن الواقع كمخدر يغنيهم عن مواجهة الحقيقة.. لما جاء يوم 52 يناير لم أعتن بالمتابعة.. فلما نبهني البعض لم أصدق.. جلست مشدوهًا أمام التلفاز أقفر من قناة إلي قناة.. مصعوقًا كنت.. ليس لحجم الاستجابة فقط.. ولكن لأن رهانًا هائلا قد سقط.. رهانهم بالقدرة علي اجتثاث وعي أبنائنا وتدمير وجدانهم وهويتهم.. من أهم كتبي كتاب: 'الوعي ينزف من ثقوب الذاكرة'.. كنت دائمًا مهمومًا بخوفي من اجتثاث وعي الأمة وتزييفه.. الآن أدرك كم نجحت الأمة في إيقاف النزيف ومقاومته. أعترف بأنهم نجحوا جزئيا في تكوين نماذج قامت النخبة الحاكمة بتنصيبها بوصفها قيادات للحركة الفكرية والثقافية وانظروا نماذج مثل مجدي الجلاد ورفعت السعيد وجابر عصفور وسيد القمني وخليل عبد الكريم ونوال السعداوي.. ونجحوا جزئيا أيضًا في توزير شخصيات شاذة - فكريا - كوزير الثقافة الذي يشكو متوجعًا من ضياع جهوده لأن ما يبنيه في ألف مؤسسة للثقافة يمحوه تمامًا ما يقال في 42000 مسجد. كانوا يأملون أن تقوم هذه النخبة بتربية الأجيال الجديدة كما يريدون. أيام 'وليمة لأعشاب البحر' قال قائلهم: لو أمهلونا عشرة أعوام فقط لنجحنا في نشر ما نشاء دون اعتراض.. وها هي الأعوام العشرة قد مرت.. لقد كان رهانهم بأن تكون الأجيال الجديدة كالسائمة.. كالقطيع تنقاد حيثما تُقاد. قطيع بلا دين.. أو علي الأقل بقشوره.. قطيع ينسلخ من دينه ويكره أمته ويتبرأ من وطنه.. قطيع علي استعداد لبيع أمته بالتجزئة كما باعها حكّامها بالجملة. قطيع علي شاكلتهم.. لكنهم لم ينجحوا.. في ذلك اليوم: 25 يناير 2011 أثبت هذا الجيل المذهل ليس أنه نجح في تربية نفسه فقط.. ولا أنه نجا من التخريب والتغريب فقط.. بل أثبت أيضًا أن هذه الأمة عصية علي التخريب والتغريب وأن الشيطان قد يئس أن يعبد فيها ورضي بما دون ذلك.. إن الأمر يشبه بالنسبة لأعدائنا أنهم ظنوا أنهم أبادوا جيوشنا وشتتوا أفرادنا ولم تعد لنا أي قدرة علي المواجهة والمقاومة وإذا بهم يفاجئون بجيش جديد فتي يخرج إليهم من حيث لا يحتسبون. جيش لا يعرفون صفاته ولم يشكلوا طباعه ولم يجّرعوه كأس الهزائم. جيش جديد سيواجه وسيحارب وسيبتكر وسيعيش إن شاء الله.. سيواجهك يا إسرائيل.. وسيهزمك.. سيواجهك.. فأيقني بالخراب والدمار والزوال يا إسرائيل.. أيقنوا بالخراب والهزيمة أيها الطغاة المجرمون السفلة.. أيقنوا بمصير 'بن علي' أو 'شاوشيسكو' يا حكامنا.. أيقن بالفشل يا بابا الفاتيكان الأحمق - المتهم بالتستر علي الشذوذ - وكل من خلفك.. أيقنوا بالهزيمة يا دعاة الحرب الصليبية والتبشير والتنصير.. أيقنوا بفشل مخططاتكم وانقلابها عليكم يا أقباط المهجر في الخارج وأنصارهم في الداخل.. فشلت مخططات المخابرات الإسرائيلية.. خاب سعي الجنرال 'عاموس يادين' الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية في خطاب تنحيه، الذي نشرته الصحف في 2010/11/2 م. 'مصر هي الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلي، وإن العمل في مصر تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979م 'يعني منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد' لقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائمًا ومنقسمة إلي أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر'. خاب سعيك يا عدو الله.. في 27 يناير 2011 كتبت ونشرت: أيقن بالنهاية يا حسني مبارك.. أيقن بالهلاك التام يا أحمد عز.. بل يا مذمم ذلّ.. أنت وكل أقرانك. أيقن بفضح مخططاتك يا ساويرس. ثأر الله قادم علي أيدي أبنائي.. ثأر الله قادم.. ثأر الله قادم. والجيل الذي حسبناه عقيمًا كشف عن قوته.. كان عميقًا لا عقيمًا.. أعمق من قدرتنا علي سبر غوره.. وهذا وحده يقلب الموازين كلها.. يغير الحسابات كلها.. فالإسلام فاعل وباق وقادم.. ولقد كان منظر الصلاة في الشارع في تونس.. وكذلك في القاهرة عنوانًا وعلمًا وعلامة ونبراسًا ومؤشرًا علي المستقبل. انتهي الطواغيت أو أوشكوا.. النهاية آتية والانهيار حتمي. ليس الأمر متعلقًا بالمظاهرات الأخيرة، ولا حتي بثورة تونس، وإنما هو متعلق في الأساس بجيل خططوا لإبادته فكريا فإذا به حي ينبض، بل ويعج بالحياة. لقد كانت الحرب علينا تعتمد بالأساس علي ضعفنا وليس علي قوتهم. علي هدم قوانا وإخصاء مقاومتنا.. ومع أي قدر جاد من المقاومة فإن بنيان الطاغوت الهش سينهار. كتبت ذلك في 27 يناير 2011.. وكان معني فشل الثورة ذبحي.. وكنت واعيا بذلك وموافقًا عليه.. في السويس البطلة.. ثم في بقية الأماكن بعد ذلك كشفت المظاهرات أن النظام وصل إلي مرحلة اللاعودة حيث الانهيار الذي لا يمكنه التخلص منه مهما فعل. إنها كالصدمة غير المرتجعة بالتعبير الطبي، حين يصل المريض إلي مرحلة يستحيل إنقاذه منها. لأن كل خطوة مهما كانت مفيدة لا تفيده. إنها سُنَنُ الله في الأرض. خاصة مع نظام جاهل باطش جبار خائن. لم يجد في النهاية إلا الأقليات الناشزة يستقوي بهم، فأساء إليهم، وأساء إلي نفسه أكثر، واستجلب لهم كراهية الأمة وازدرائها، وقد كان ذلك مقصورًا عليه، لكنه من الناحية الأخري لم يكن له خيار آخر. لقد فقد الجميع، عدا حثالات اليسار والليبراليين.. وهؤلاء لا وزن لهم ولا قيمة. لهم فقط الصوت العالي والقدرة المذهلة علي الكذب وإلباس الحق ثوب الباطل. ولم يعد له إلا أعداء الأمة وأعداء الله يستقوي بهم، وابتلع الأغبياء منهم الطعم بعد أن أغراهم ضعف الناس وعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم، عميت فيها أبصارهم بل بصائرهم فبادروا إلي التقام الطعم بجشع وطمع ونهم وخسة. وهم لا يعلمون أنهم أقرب إلينا من حكامنا. لأنهم أهل كتاب. أما النخبة المثقفة فهم يرتعون في حظائر الردة، وأن أولياء الأمر في الدرك الأسفل من النار لأنهم منافقون. أيامها.. والآن أيضا أفعل الشيء نفسه رحت أحذر بني وطني من الشيوعيين والليبراليين.. فأولئك هم حلقة الخيانة الوسيطة التي يستخدمها الأمريكيون للقضاء علي الإسلاميين قبل أن يباشروا السيطرة بأنفسهم.. فاحذروهم.. احذروهم.. فقد ينهار النظام.. ويستولون علي الحكم فنكون قد استبدلنا سيدًا بسيد وعميلا بعميل وخائنًا بخائن.. ونظل نحن العبد نفسه. احذروهم لأنهم يقومون بأقذر الأدوار وأخطرها. احذروهم.. فهم الذين خدعونا بمواقفهم ضد الاستعمار وأمريكا وإسرائيل.. فإذا أزفت الآزفة إذا هم علي حجر الاستعمار وأمريكا وإسرائيل في علاقة شاذة مقززة، فهم يستعينون بهم علينا ووكالات أنبائهم لا تجد سواهم ولا تدافع عن غيرهم كما أن مؤسساتهم لا تمنح الشهرة والجوائز إلا لهم. كما أن الاستعمار الأجنبي، يقوم عن طريق وكيله وخادمه وعبده: الاستعمار الداخلي، بمنحهم صدارة المناصب، ورخصة بالارتزاق الحرام دون حساب، من الداخل والخارج، ورخصًا بالحماية تصل إلي منح أكابر مجرميهم الحصانة كي يفلتوا من عواقب أي جريمة وليكافئوا علي الإشراك بالله حيث لا يعاقب إلا علي الإشراك بالطاغوت.. احذروهم.. إنهم نجس فاحذروهم.. انتهيت أيها الطاغية صباح الخميس 27 يناير 2011 كانت اتصالات الهاتف المحمول قد قطعت وتنامت إلينا أخبار بأن الشبكة العنكبوتية ستنقطع فبادرت بنشر ما كتبت.. بعدها بنصف ساعة كان الإنترنت قد انقطع تمامًا لكن المقال كان قد نشر.. ومنذ لحظتها أصبح مصيري متوحدًا مع الثورة.. إن عاشت عشت وإن ماتت مت.. علي المستوي المادي والمعنوي.. وكان مما كتبت: انتهيت يا مبارك.. انتهيت أيها الطاغية.. كل ذلك ينتهي الآن.. ينتهي.. مهما فعل النظام سينهار. قد يطول احتضاره.. لكنه سينهار.. سينهار. سينهار.. أحذر قيادات الشرطة من حساب قادم لا ريب فيه أراه قريبًا وإن ظنوه بعيدًا. في تونس كان ضباط الأمن هم المجرمون الذين روعوا المجتمع وأطلقوا الرصاص عليه. لا تكونوا مثلهم فالصحف الأجنبية تصفكم بأنكم عصابة من البلطجية.. في إيران قتلوا ضباط السافاك وتركوا جثثهم طعامًا للكلاب.. وفي تونس حاصروهم وقاتلوهم وألقوا القبض عليهم.. أحذركم من المصير ذاته.. واحذر من مذبحة يتسبب فيها عناد غبي مجرم فاجر.. لن يغني عنكم في الدنيا ولا في الآخرة شي.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.. أحذركم.. هذه علامات احتضار.. هذا نظام ينهار.. سينهار.. سقطت الأقنعة. الحكم عمالة. والمناصب مكافأة علي الخيانة. والتوريث إصرار عليها وخوف من كشف الأسرار وتمزق الأستار. الأمن عصابة وهتك للأمن. والمسئول مجرم لا يتورّع عن تشكيل العصابات لإشعال الحرائق ونهب المؤسسات ولإطلاق الرصاص علي الأمة كي يتهم معارضيه بتلك الجرائم، ولكي يبرر للعالم ولنفسه البطش بها. لكنهم ينهارون.. لا أمل: لو تراجع النظام سينهار.. ولو واصل الطغيان سينهار.. لو قاوم سينهار.. ولو تراجع سينهار.. لو قتل المئات سينهار.. ولو لم يقتل أحدًا سينهار.. لو سلط كلاب الميديا المسعورة علي الأمة لتنهشها سينهار.. ولو أمسكها عنهم سينهار.. ولو واصل إلي التوريث سينهار.. ولو أقلع عن التوريث سينهار.. ولو واصل جهاز الأمن الباطش الجبار سينهار.. ولو تحولوا إلي ملائكة سينهار.. لو انتصرت المظاهرات سينهار.. ولو نجح في كبحها سينهار.. لو كابر وعاند سينهار.. ولو خضع وذل سينهار.. بل إنني أظن أن انهياره سيكون فريدًا.. فقد كان في طاغوتيته فريدًا.. بل كان شيطانًا مريدًا.. كما أظن أن الله سيمد له في عمره حتي يطلب الموت فلا يجده.. انتهي الدرس يا غبي.. يا منافق.. يا عميل.. ربما تبقي لكم ثغرة: الخروج الآمن.. وحتي في هذه: لن يسمح لكم سيدكم.. لأن قيمتكم بالنسبة له أنكم خونة وعبيد وعملاء.. فإن لجأتم إليه فأنتم عبء عليه.. ولن يقبلكم.. تمامًا كما لم يقبل طاووس إيران وشين الهالكين 'لازين العابدين' بن علي ومن معهم. ذق يا كل طاغوت.. ذق يا كل عميل.. ذق يا كل فاجر.. أعترف بأنني مذهول.. أتساءل في ذهول: هل يمكن أن أري غدًا وأسمع - كما سمع أهل تونس - من يصرخ فينا: اتحررنا.. الشعب المصري حر.. الشعب المصري لم يمت.. الشعب المصري عظيم.. تحيا مصر الحرة.. المجد للشهداء.؟ فهل يمكن أن نسمع ذلك في مصر غدًا؟ هل يمكن أن نقرأ: القبض علي أحمد عز وهو يحاول الهرب من منفذ السلوم. اعتقال فتحي سرور. القبض علي ساويرس علي حدود إسرائيل. محاكمة مدير وضباط مباحث أمن الدولة بتهم التعذيب والخطف والقتل خارج القانون. تحديد إقامة وزير الداخلية تمهيدًا لمحاكمته؟!! هل يمكن أن يتحول الحلم إلي واقع؟ بالأمس.. كان تحرك الشعب حلمًا.. وها هو ذا واقع.. يارب.. يارب. يارب.. منذ أربعين عامًا لا ينفك هذا العنوان يتراءي لي: هلك الفاجر.. كان هذا هو الهتاف الذي أطلقه المسلمون في أربعة أركان المعمورة عندما هلك يزيد بن معاوية - لعن الله الأول ورضي عن الثاني - والذي أظن أن أي حاكم من حكامنا أكثر منه فجورًا وكفرًا. فقد تورط يزيد - في أغلب الروايات - في قتل سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين رضي الله عنه وجل آل البيت. أما حكامنا، فقد قتلوا إخوان رسول الله صلي الله عليه وسلم ونكلوا بأتباعه، وإنني أقسم بالله أنه لو وجد رسول الله صلي الله عليه وسلم بيننا لحاولوا قتله إلا أن يعصمه الله. إي وربي.. أولئك قوم تجرءوا علي الله.. فهل كان يصعب عليهم الجرأة علي رسوله؟! هلك الفاجر.. وأحسب حكامنا أفجر منه. بارك الله فيكم يا أبناء الفيس بوك.. الآن أفخر بصلاح الدين وبقطز وبالعز بن عبد السلام.. وبكم.. وكأنكم روح واحدة توزعت علي مائة ألف بطل.. مليون بطل.. بل ملايين الأبطال.. أفخر بكم كأنكم شخص واحد.. بطل واحد.. جاء ليغير مسار التاريخ ومجراه.. لم أصدق أن ما حدث يمكن أن يحدث.. أعترف بأنني ارتكبت خطيئة وكبيرة.. فقد يئست منكم.. تضافرت مئات العوامل لتدفعني إلي شاطئ بحار اليأس.. لولا أن تداركتني رحمة ربي.. ربما كان ألمي الفاجع علي الشهيد سيد بلال هو واحد من عشرات بل مئات مسببات ذلك اليأس.. وكان غضبي الحاد المتفجر من المجرم الطاغية.. من الحيوان الذي ذهب إلي أسرته يقول لهم: - ادفنوا الرمة دي. وكان ألمي هائلا وحارقًا من المجرمين الذين ذهبوا إلي زوجته من المجرمين الذين ذهبوا ليضربوا زوجته ويعتقلوها في اليوم التالي لإدلائها بحديث إلي صحيفة الوفد تفضح فيه المجرمين الذين قتلوا زوجها ثم ذهبوا إليها ليقولوا: ادفنوا الرمة دي وإلا سندفنه في مقابر الصدقة ولن تعرفوا له مكانًا أبدًا. وكان ألمي فاجعًا وغضبي هائلا وحزني حارقًا وأنا أري أصحابه يعجزون عن حماية زوجته بعد أن عجزوا عن حمايته.. تمنيت في - أضعف الإيمان - أن يبتكروا طريقة جديدة لفضح التنين المفترس الذي يحمي الطاغوت.. أن ينصبوا سرادقًا أمام بيته للعزاء.. سرادق يستمر منصوبًا لمدة عام أو عامين، تتلا فيه القرآن تتلا الخطب، وتعرض حتي الوسائط والكتب التي تشرح تفاصيل التعذيب. وكان غضبي شديدًا ممن طلب من الناس أن تصمت وألا تحاول الانتقام.. وليته صمت.. وليته أسرّ بالنصيحة.. وليته لم يطَمْئنْ بنصيحته تلك جبارين مجرمين يستحقون أن يروعوا.. يعلم الله أنني أنظر إلي كل عالم نظرة الطالب إلي الأستاذ ونظرة القاعد إلي المجاهد. وأن هناك الكثير الذي أحبسه في صدري يتأجج جمرًا في قلبي. وبعض هذا الجمر يسأل أساتذتي وشيوخي من السلفيين: تركتم السياسة حتي يترككم الطاغوت تتفرغون للدعوة.. فهل ترككم؟. ألم تدركوا أن الإسلام هو المستهدف لا أنتم؟ السلفي المجاهد والسلفي الذي عطل الجهاد وأهل السنة والجماعة والإخوان والشيعة والصوفية.. إنه لا يستثني من حربه إلا الفرق التي انحرفت انحرافًا يخرجها من الإسلام كبعض فرق الشيعة وكل العلويين والدروز والبهائيين. دينكم هو المستهدف لا أنتم. وأن هذا الطاغوت المجرم الخائن الجبار حين يترككم.. لا يترككم لكي تمارسوا الدعوة.. وإنما لتمارسوا الدعوة محاصرين مراقبين ولتنموا قوتكم وعدد أنصاركم تحت عينيه.. وليذبحكم في الوقت المناسب. إنهم كالقصّاب الذي يربي خرافه كي يذبحها عندما يريد.. إنني آسف للتشبيه. لكن هذا هو الواقع المر. وهو تشبيه لا ينال من كرامة الضحايا بقدر ما ينال من كرامة الجلاد. لكن السؤال ينفجر كالنزيف: هل من مصلحة الدعوة أن يستمر صمتكم؟ أم أن الجلاد يحقق غاياته من إجهاضكم عند مرحلة معينة من النمو من ناحية، كما أنه بتنكيله بكم يجعلكم عبرة تخيف العامة وتنفرهم منكم ومن طريقكم من ناحية أخري. تنفرهم من الإسلام.. حتي وصل الأمر أن بعض المعتقلين للاشتباه في علاقتهم بكم، يثبتون براءتهم بأنهم لا يصلون، وبأنهم يسكرون ويزنون؟ فهل كان من الحكمة أن تصمتوا؟!.. يا أساتذتي يا شيوخي يا فقهائي: هل كان الصواب أن تصمتوا؟!. أوجه السؤال نفسه للإخوان المسلمين.. سؤال آخر.. نزيف آخر.. نعم.. نزيف آخر ينبثق عنه السؤال ذاته للإخوان المسلمين - رضي الله عنهم - ثم ماذا؟ وإلي متي؟! ومتي؟! متي تتحركون؟ متي تحسمون؟! لم أعط نفسي الحق في أن أجهر بهذا من قبل.. لكن ثمانين عامًا زمن طويل جدًا!. لم أعط لنفسي الحق في الفتوي لفقهاء الثغور خاصة أنهم هم الذين يدفعون الثمن. لكن ثمة سؤال يدمدم في صدري.. أحاول أن أكتمه خوفًا وخجلا وخزيا وحنانًا وإشفاقًا.. هذا السؤال يتعلق بتأثير الضغط الحيواني الباطش المجرم علي الإسلاميين عمومًا.. حين يواجهون - بوصفهم أفرادًا عزل - بخبرة محدودة جدًا خبرات جهاز باطش جبار يستمد خبرته وعقيدته من أمريكا وإسرائيل.. ومن الشيطان. وما علاقة هذا التأثير بحساباتهم للأمور وللقرارات؟ عندما سمع بعض أصحابي انتقاداتي للصمت والسلبية من الإسلاميين قالوا لي بمرارة: - لو أنك رأيتهم وهم يعذّبون لالتمست لهم المعاذير. ولم أقل لصاحبي شيئًا.. لكنني ونفسي تتفتت تحت مطارق الغضب وتتمزق تحت سياط القهر قلت لها في ألم لا يوصف: - إنهم معذورون بكل معني الكلمة.. لكن هذا العذر قد يمس أهلية بعضهم لاتخاذ قرارات حاسمة. تمامًا كما فعل أصحاب المراجعات أو التراجعات.. بل قد يمس قدرتهم علي اتخاذ القرارات الصائبة أو إصدار الفتاوي الصحيحة.. إنني لا أطعن لا سمح الله في كفاءتهم ولا علمهم ولا إخلاصهم لكنني ألتمس المعاذير لضعفهم البشري إزاء طاغوت مجرم جبار لا يرعي فيهم إلا ولا ذمة. ولا أقصد أنهم يرضخون للطاغوت، ولكنني أقصد أن ضغط الطاغوت عليهم وعجز الأمة عن حمايتهم يشوهان نظرتهم للأمور كعدسات محدبة ومقعرة. وأنهم لا يخالفون ضمائرهم بقدر ما يخطئون حساباتهم. فمن المؤكد أن رأي أي واحد منا في معظم القضايا سيختلف إذا ما صدر منه وهو في غرفة مريحة عنه إذا ما أخذ منه تحت السياط، أو تحت التهديد بها، دون أي شبهة في المداهنة أو النفاق. إنني هنا أوجز ولا أطنب.. ألمح ولا أصرح.. بل إن مجرد الإيجاز والتلميح يؤلماني أشد الألم. كنت في أشد حالات الغضب وأنا ألوم من لم يخرج وأحرض علي الحضور.. وهو الأمر الذي سيتزايد طيلة أيام الثورة.. سليمان خاطر كنت أريد أن أتحدث عن سليمان خاطر في ذكراه السادسة والعشرين.. في يوم 5 أكتوبر سنة 1985 فاجأ سليمان خاطر العالم كله بإطلاق النار علي صهاينة حاولوا اقتحام موقعه العسكري، .. كان يمكن لأي واحد منا أن يقوم بهذا العمل لو كان مكان سليمان خاطر.. عمل تمليه ملايين المشاعر والأشياء والأحداث ودير ياسين وصابرا وشاتيلا.. وأكثر من مائة ألف شهيد وكامب ديفيد.. وذل السنين وهوانها وعارها.. لذلك لم تتوحد مشاعر الأمة مع أحد كما توحدت خلف سليمان خاطر.. وكان موقف الأمة منه استفتاء حقيقيا غير مزيف علي رفض الاستسلام.. طلبت الأمة بعدم محاكمته أصلا لأنه نفذ الأوامر.. كان يحرس منطقة ممنوع الاقتراب منها.. فلما اقترب منها الصهاينة رغم تحذيراته أطلق الرصاص.. وإلا لماذا أعطوه الرصاص أصلا؟ وفيم كان يطلق الرصاص إن لم يطلقه في موقف مثل هذا؟ إن الجندي المصري الذي قتل البطل أحمد عبد العزيز في حرب 1948 لأنه لم يعرف كلمة السر ولم يمتثل للوقوف لم يحاكم.. فكيف يحاكم سليمان خاطر؟. لكن السلطة لم تكن مصرة علي المحاكمة فقط.. وإنما المحاكمة السرية أمام محكمة عسكرية رفضت كل طلبات الدفاع.. كانت قضية سليمان خاطر الشغل الشاغل للعرب جميعًا، وكانت تفاصيل المحاكمة المخزية تملأ عديدًا من الكتب.. كان العالم العربي كله معه وكانت مصر معه.. لكن تفاصيل المحاكمة كانت عارًا كتفاصيل محاكمة خالد الإسلامبولي وتفاصيل محاكمة سليمان الحلبي من قبل.. كانت أمريكا وإسرائيل تطلبان رأسه.. وكان سليمان خاطر يوجه اتهامات صريحة للقيادات العسكرية في سيناء: 'كلهم بيشتغلوا مع الأجانب وحيضيعوا البلد' وأن 'فيه واحدة إسرائيلية عملت مسطولة ودخلت نامت في شاليه عسكري وأخذت تردد: جهاز الإشارة فين؟' كما فجر العلاقات الجنسية بين الإسرائيليات العاريات والعسكريين المصريين.. وفسرها بأنها تجسس. وكان الشيخ الجليل عمر التلمساني يقول: 'العمل الجليل الذي قام به هذا المواطن الشريف هو الموقف الذي أتمني أن يقفه كل مصري إزاء إسرائيل وأن ما تفعله بنا إسرائيل هو عار الدنيا وخزي الحياة.. لقد قبلت مصر كامب ديفيد فتفرغت إسرائيل لمواجهة الدول الإسلامية'. كان الشعور القومي والديني يزداد أواره كل يوم.. وأدركت السلطة خطورة إعدام سليمان خاطر.. وفي 28 ديسمبر 1985 حكمت المحكمة علي سليمان خاطر بالأشغال الشاقة المؤبدة. وقال سليمان خاطر: - كنت أتوقع وسامًا.. هذا حكم ضد مصر.. فقد كنت أؤدي واجبي. وهتف في حّراسه: - اذهبوا واحرسوا سيناء فلست محتاجًا لحراسة. وبرغم الاستياء البالغ الذي قوبل به الحكم من الجماهير فقد كان هناك بالرغم من ذلك بعض شعور بالراحة أنه لن يعدم.. وكان ثمة أمل كبير أن رئيس الجمهورية سيخفف الحكم وحتي إن لم يخفف فسوف يخففه فيما بعد أو سيلغيه قطعًا من يأتي بعده. في 7 يناير 1986 فوجئت بباب مكتبي يفتح بعنف وينطلق منه كالقذيفة صديق من الصحفيين ملقيا بنفسه علي مقعد.. كان يلهث كما لو كان الشيطان يتعقبه.. وكان شهيقه صراخًا وزفيره نواحًا.. وكان جسده غارقًا في العرق ووجهه غارقًا في الدموع.. صرخت فيه ماذا حدث.. ؟ لكنه وسط الصراخ والنواح والنحيب لم يجب.. تداعت إلي مخيلتي آلاف الاحتمالات لكنني لم أجد منها أي احتمال يفسر موقفه.. وأخذت أسائله وأسائله وأسائله.. وأخيرًا التقطت من شفتيه المرتعشتين كلمة: سليمان خاطر.. صرخت فيه.. ماذا به؟ وغرق في النحيب مرة أخري.. ثم صرخ صرخة مروعة من أعماق روحه الدامية.. كانت كلمات صرخته كأنما صنعت من فتات جسده الذي سحق وروحه التي ذُبحت.. - قتلوه ولاد الكلب.. في اليوم نفسه - 7 يناير 1986 - أصدر رئيس الجمهورية 'الإسرائيلي' قرارًا بالعفو عن السفاح آلان جودمان. طلب الشعب المصري كله وطلب العالم العربي إعادة تشريح جثة سليمان خاطر فقد كان تقرير السلطة عن الوفاة مستمدًا من مثل قول يزيد.. بل أعلنت منظمات عالمية استعدادها للاشتراك في تشريح الجثة دون مقابل كشفًا للحقيقة.. هل لنا أن نطالب الآن بإعادة التحقيق في استشهاده؟ قصة !! حمار انخلعت أوتاد خيام القبيلة حين سمعنا أن هناك أقوامًا ما فتئت تعبد البقرة.. اشتعلت قلوبنا حمية وغضبًا وغيرة.. فاخترنا وفدًا من وجوه القبيلة صنعناه علي عيوننا فلبي يشد الرحال إليهم عسي الله أن يهديهم علي أيدي أبناء قبيلتنا راجين عند الله الثواب. غاب الوفد.. غاب.. انصرمت الأيام.. هتكتنا الليالي.. دهستنا السنون.. جرت علينا المقادير.. أصابتنا المحن والإحن.. ولدت الأمَة سيدَها.. تغلّب الرعاع وساد السفلة وتسنم الصعاليك الذري.. شاب الصبي، وقضي الرجال.. أنستنا الهموم وفدنا القديم.. فجأة.. عاد شيوخ أوغلوا في العمر جللهم المشيب، فزعموا أنهم هم هم وفدنا القديم فما كدنا نتعرف عليهم.. هالهم سوء حالنا ومآلنا.. راحوا يدرسون ويخططون ويفتحون الكتب التي أتوا بها معهم مما مروا به من بلاد.. ثم جمعوا جمعنا ليقولوا لنا عن الحل الأخير الذي ينقذنا مما صرنا إليه.. إذ لا حلّ لنا - في رأيهم - إلا.. أن نعبد الحمار...!!!! ملحوظة: هذه القصة كتبت قبل خمسة عشر عامًا، وبالتالي فليس فيها أي إسقاط علي أي حزب أو هيئة، أو أي مرشح من المرشحين لرئاسة الجمهورية.