الأيام المضيئة الخالدة فى تاريخ الأمم والشعوب تظل عالقة فى ذاكرة العقول ويبقى التاريخ شاهدًا وموثقًا للأحداث التى شهدتها تلك الأيام. وعندما تجتمع الذكريات لأكثر من مناسبة حدثت فى يوم واحد يعتقد البعض أن إحداها قد قامت لتجهز على الأخرى، وهذا ما أصبح عليه الحال عندما تحل علينا الذكريات فى يوم 25 يناير من كل عام، إذ أنه فى ذلك اليوم المشهود اعتاد المصريون ورجال الشرطة الاحتفال بعيد الشرطة منذ أكثر من ستين عامًا كمناسبة قومية وطنية تعبر عن الوطنية المصرية والتضحيات الكبيرة، ويتم أيضًا فى ذات اليوم الاحتفال بذكرى الثورة المصرية التى قامت فى 25 يناير. أما عن المناسبة الأولى فالاحتفال بها يأتى تخليدًا لذكرى موقعة الإسماعيلية عام 1952 التى استشهد فيها خمسون شهيدًا وثمانون جريحًا من رجال الشرطة الأبطال، قدموا مثالاً رائعًا فى الدفاع عن العزة والكرامة للمصريين، عندما رفضوا التخلى عن سلاحهم وتسليم مبنى محافظة الإسماعيلية لقوات الاحتلال الإنجليزي الذي تخيل أن هذا الأمر بسيطًا وسهلاً، إلا أنه فوجئ بمقاومة شرسة من الرجال، وهم يحملون أسلحتهم البدائية، ويتصدون بها للمدرعات والمدافع، ويضعون أجسادهم فى وجه تلك القوة الغاشمة، التى لم تصمد وتراجعت إلى حيث أتت وهى منكسة الرأس تجر الخيبة والندم. فعندما تخلت إنجلترا عن تعهداتها تجاه مصر عقب الحرب العالمية الثانية وانتصارها فى الحرب ضد ألمانيا، ورفضت الجلاء عن مصر، لم يكن أمام النحاس باشا، إلا الإعلان فى أكتوبر عام 1951 عن إلغاء معاهدة 1936 بين مصر وانجلترا، واعتبار وجود القوات البريطانية فى القناة أمرًا غير شرعي، وإعلان دعم الحكومة المصرية للفدائيين فى مناطق القناة، لم تتحمل إنجلترا هذا القرارات وأصيبت بالغضب، واتخذت إجراءات تصعيديه ردًا على ما قامت به الحكومة المصرية، حيث قام القائد البريطاني إكسهام قائد القوات البريطانية بمنطقة القناة باستدعاء ضابط الاتصال المصري آنذاك لينذره بأن تسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها، وتخلى مبنى المحافظة، إلا أن الضابط المصري قابل هذا الأمر بالرفض القاطع، فما كان من القوات البريطانية إلا التهور والاعتداء على قوات الشرطة المتواجدة بالمحافظة، ودارت معركة دموية غير متكافئة فى القوة والعتاد، ومع ذلك انتصرت الإرادة والعزيمة على القوة الانجليزية الغاشمة. كانت معركة العزة والكرامة بالإسماعيلية شرارة السخط والغضب الشعبى الذى اجتاح مدينة القاهرة، واندلاع المظاهرات الغاضبة التى امتدت الى جامعة القاهرة للمؤازرة والتعاطف مع أخوانهم من رجال الشرطة الذين تعرضوا للقتل والأسر على يد القوات البريطانية، والمتأمل فى حقيقة أسباب اختيار يوم 25 يناير لتصعيد الاحتجاجات والمظاهرات، وانتهت بقيام الثورة المصرية، يكمن فى أن هذا اليوم يعد رمزًا للإرادة والوطنية المصرية وتجلت فيه تضحيات رجال الشرطة فى الدفاع عن العزة والكرامة وهو نفس الدافع الذى قامت من أجله ثورة 25 يناير فى 2011، ولكن للأسف أعتقد البعض، وسايرتهم بعض الأقلام فى إثبات أن الثورة المصرية قامت فى ذات اليوم لكسر الشرطة ، وتصوير الشرطة على أنها رمزاً للذل والمهانة فى حين أن التاريخ كان حاضرًا وشاهدًا أنها كانت وما تزال رمزًا للتضحية والوطنية ، وهذه ثوابت لا يمكن المزايدة عليها وتشويهها أو إنكار جهود رجال الأمن المضيئة، لتحقيق أمن واستقرار المصريين. تحية اعتزاز وتقدير لرجال الشرطة الأوفياء فى عيد الوطنية والتضحية عيد الشرطة المصرية، وكل عام وهم جميعًا بألف خير. آخر كلام: وتبقى ذكرى الشهداء محفورة بحروف من نور فى ضمير الأمة وذاكرة التاريخ.