د. محمد داود الأيام المضيئة الخالدة في تاريخ الأمم والشعوب تظل عالقة في ذاكرة العقول ويبقي التاريخ شاهداً وموثقاً للأحداث التي شهدتها تلك الأيام. وعندما تجتمع الذكريات لأكثر من مناسبة حدثت في يوم واحد يعتقد البعض أن إحداها قد قامت لتجهز علي الأخري، وهذا ما أصبح عليه الحال عندما تحل علينا الذكريات في يوم 25 يناير من كل عام، إذ إنه في ذلك اليوم المشهود اعتاد المصريون ورجال الشرطة الاحتفال فيه بعيد الشرطة منذ أكثر من ستين عاماً كمناسبة قومية وطنية تعبر عن الوطنية المصرية والتضحيات الكبيرة، ويتم أيضاً في ذات اليوم الاحتفال بذكري الثورة المصرية التي قامت في 25 يناير. أما عن المناسبة الأولي فالاحتفال بها يأتي تخليداً لذكري موقعة الإسماعيلية عام 1952 التي استشهد فيها خمسون شهيداً وثمانون جريحاً من رجال الشرطة الأبطال، قدموا مثالاً رائعاً في الدفاع عن العزة والكرامة للمصريين، عندما رفضوا التخلي عن سلاحهم وتسليم مبني محافظة الإسماعيلية لقوات الاحتلال الإنجليزي الذي تخيل أن هذا الأمر بسيط وسهل، إلا أنه فوجئ بمقاومة شرسة من الرجال، وهم يحملون أسلحتهم البدائية، ويتصدون بها للمدرعات والمدافع ، ويضعون أجسادهم في وجه تلك القوة الغاشمة، التي لم تصمد وتراجعت إلي حيث أتت وهي منكسة الرأس تجر الخيبة والندم. فعندما تخلت إنجلترا عن تعهداتها تجاه مصر عقب الحرب العالمية الثانية وانتصارها في الحرب ضد ألمانيا، ورفضت الجلاء عن مصر، لم يكن أمام النحاس باشا، إلا الإعلان في أكتوبر عام 1951 عن إلغاء معاهدة 1936 بين مصر وانجلترا، واعتبار وجود القوات البريطانية في القناة أمراً غير شرعي ، وإعلان دعم الحكومة المصرية للفدائيين في مناطق القناة، لم تتحمل إنجلترا هذه القرارات وأصيبت بالغضب، واتخذت إجراءات تصعيدية رداً علي ما قامت به الحكومة المصرية، حيث قام القائد البريطاني إكسهام قائد القوات البريطانية بمنطقة القناة باستدعاء ضابط الاتصال المصري آنذاك لينذره بأن تسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها، وتخلي مبني المحافظة، إلا أن الضابط المصري قابل هذا الأمر بالرفض القاطع، فما كان من القوات البريطانية إلا التهور والاعتداء علي قوات الشرطة المتواجدة بالمحافظة، ودارت معركة دموية غير متكافئة في القوة والعتاد، ومع ذلك انتصرت الإرادة والعزيمة علي القوة الانجليزية الغاشمة. كانت معركة العزة والكرامة بالاسماعيلية شرارة السخط والغضب الشعبي الذي اجتاح مدينة القاهرة، واندلاع المظاهرات الغاضبة التي امتدت الي جامعة القاهرة للمؤازرة والتعاطف مع إخوانهم من رجال الشرطة الذين تعرضوا للقتل والأسر علي يد القوات البريطانية، والمتأمل في حقيقة أسباب اختيار يوم 25 يناير لتصعيد الاحتجاجات والمظاهرات، وانتهت بقيام الثورة المصرية، يكمن في أن هذا اليوم يعد رمزاً للإرادة والوطنية المصرية وتجلت فيه تضحيات رجال الشرطة في الدفاع عن العزة والكرامة وهو نفس الدافع الذي قامت من أجله ثورة 25 يناير في 2011 ولكن للأسف أعتقد البعض، وسايرتهم بعض الأقلام في إثبات أن الثورة المصرية قامت في ذات اليوم لكسر الشرطة، وتصوير الشرطة علي أنها رمزاً للذل والمهانة في حين أن التاريخ كان حاضراً وشاهداً أنها كانت وما تزال رمز للتضحية والوطنية، وهذه ثوابت لا يمكن المزايدة عليها وتشويهها أو إنكار جهود رجال الأمن المضيئة، لتحقيق أمن واستقرار المصريين . تحية اعتزاز وتقدير لرجال الشرطة الأوفياء في عيد الوطنية والتضحية عيد الشرطة المصرية، وكل عام وهم جميعاً بألف خير. آخر كلام وتبقي ذكري الشهداء محفورة بحروف من نور في ضمير الأمة وذاكرة التاريخ .