طب وفلسفة ورياضيات وشعر وموسيقى وترحال، لم يترك "ابن سينا" بابا من أبواب العلوم إلا وطرقه بنظرياته وإضافاته في كل منهم، ليبقى حيًا بإسهاماته رغم رحيل جسده عن عالمنا منذ مئات السنين، فلم يدع العالم ذكرى ميلاده تفوت من دون أن يحييها اليوم ويحييها موقع البحث "جوجل"، حتى أنه لقب بألقاب كثيرة عُرف بها "ابن سينا" منها الشيخ الرئيس، وأمير الأطباء، وأبو الطب الحديث في العصور الوسطى. من قلب "أوزبكستان" وتحديدًا قرية أفشنة بالقرب من بخارى، ومنذ 1038 عامًا جاء إلى الدنيا "علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا" ولكنه اشتهر ب"ابن سينا"، ليحيي مسيرة حياتية طويلة مملؤة بالانجازات العلمية، بدأت بدخوله مدرسة "بخاري" الذي تلقى فيها شتى أنواع العلوم. وقبل أن يتمم 10 سنوات كان "ابن سينا" حافظًا للقرآن الكريم كاملًا، ليتجه بعد ذلك لدراسة علوم الفقه والأدب والفلسفة والطب، وفي ال 18 من عمره ظهرت براعته في الطب بعد أن عالج السلطان نوح بن منصور الساماني، لتكن هذه هي الفرصة الذهبية التي سمحت لابن سينا بالالتحاق، ببلاط السلطان ووضعت مكتبته الخاصة تحت تصرف ابن سينا. ازدادت مهارته في علم الطب حتى أنه ألف العديد من الكتب التي أصبحت مرجعًا لكل طلاب الطب خلال العصور الوسطى وعلى مدار أكثر من 7 قرون متتاليه، ليكون هو أول من كتب في علم الطب في ذلك الوقت، وبقي كتابه (القانون في الطب) العمدة في تعليم هذا الفنِّ حتى أواسط القرن السابع عشر في جامعات أوروبا. كان ابن سينا هو أوَّل من وصف التهاب السَّحايا الأوَّليِّ وصفًا صحيحًا، ووصف أسباب اليرقان، كما وصف أعراض حصى المثانة، وغيرها من الأمراض وقد لاحظ بأن الحالة النفسية للمريض عامل أساسي في شفائه من الأمراض، وكرس ابن سينا علمه بالمجان فقد كان يعالج المرضى مجانًا. أما عن أفكاره الفلسفية فقد وضعته تحت مقصلة التكفير فقد كفره "الغزالي" في أحد كتبه و"ابن كثير" و"الحنبلي"، وكان تفكيره امتدادًا لفكر الفارابي حيث أخذ عنه فلسفته الطبيعية وفلسفته الإلهية، وهي تصوره للموجودات وتصوره للوجود وأخذ منه على الأخص نظرية الصدور وطوّر نظرية النفس وهو أكثر ما عني به. وتطرق إلى فلسفة إثبات وجود الله، وهي الفلسفة التي تدعي بأن العالم قديم أزلي وغير مخلوق، وأن الله يعلم الكليات لا الجزئيات، ونفى أن الأجسام تقوم مع الأرواح في يوم القيامة، وألف الكثير من الكتب الفلسفية التي تدعم فكره. وحتى الرياضيات شارك فيها ابن سيناء بعدد من الكتب، منها مختصر اقليدس، ومختصر المجسطي، ومختصر علم الهيئة، ومختصر الارتماطيقي، ورسالة الزاوية، ورسالة في بيان علّة قيام الأرض في وسط السماء وقدطبعت في مجموع (جامع البدائع)، في القاهرة سنة 1917. كما طرق أبواب علم الطبيعيات وتوابعها، وألف رسالة في إبطال أحكام النجوم، ورسالة في الأجرام العلوية وأسباب البرق والرعد، ورسالة في الفضاء، ورسالة في النبات والحيوان، وقانون الحركة الأول "الجسم الساكن يبقى ساكنا والجسم المتحرك يبقى متحركا مالم تؤثر عليه قوة خارجية". بقي "ابن سينا" يعطي للعلوم ويضيف إليها حتى توفي في مدينة همدان بإيران، في يونيو 1037 ميلادية، الموافق لشهر رمضان المبارك، في سن الثامنة والخمسين من عمره.