في صباح ثاني أيام العيد اصطفت الاتوبيسات بطول الشارع، بالقرب من ميدان الجيزة، لوحة معدنية مثبتة على معظم الباصات، اختلفت الارقام والحروف ولكن تشابهت في كلمة واحدة "رحلات"، بمجرد أن يفتح باب الأتوبيس يندفع الأطفال منها في فرحة عارمة، يقف آباؤهم خلفهم حاملين أمتعتهم وحقائبهم، استعدادا لقضاء اليوم في حديقة الحيوان بالجيزة. الزحام على شباك التذاكر يشابه حجز تذاكر السينما، ولكن خمسة جنيهات فقط تغني العائلة عن قضاء الوقت داخل إحدى القاعات المظلمة لمدة ساعتين فقط، يوم كامل تقضيه الأسرة منذ الصباح وحتى الخامسة مساء. المسافة لم تمنع عائلة سمير حسني من القدوم من المنوفية إلى القاهرة في رحلة ليوم واحد، للاستمتاع بأوقاتهم في حديقة الحيوانات، دفع الأب ثلاثون جنيها ثمن تذاكر أسرته المكونة من 5 أفراد، تحمل الأم حقيبتها وأكياس الطعام تملؤها، بمجرد عبور البوابات هرع الأطفال إلى الركض في الحديقة بحرية وكأنهم طيور خرجت من قفصها. "بنيجي عشان الأسد والزرافة" لذلك السبب يحرص الأب كل عام على زيارة حديقة الحيوانات، المتنفس الوحيد لأطفال، يلعبون ويركضون طوال اليوم بحرية دون قيود، يفرش الملاءة على الأرض هو وزوجته تحت ظل أية شجرة بالمكان للاحتماء من حرارة الشمس، مهما زار الأب اماكن تظل حديقة حيوان الجيزة مقصد الأسرة كل عيد، وملجأهم الأمثل ل"فسحة العيد". ثلاثمائة جنيه هي تكلفة رحلة سعيد محمد وأسرته من المنوفية إلى القاهرة لقضاء ثانى أيام العيد في حديقة الحيوان، المبلغ يضم التذاكر وتكاليف السفر للأسرة بالمواصلات، بغض النظر عن إحضارهم طعامهم معهم من المنزل حتى لا يضطروا لتناول الطعام في أحد مطاعم القاهرة، فضلا عن حلوى وألعاب الأطفال، فهذا المبلغ الزهيد يكفي أسرة لقضاء يوم كامل خارجا ،رشح إليه أحد أقاربه السفر وزيارة حديقة الحيوان لإسعاد أطفاله بجولة في الحديقة، حاملين معهم غذاءهم الذي حرصت الأم على إحضاره معها. "عندنا في الفلاحين معظم الحيوانات دي جينا عشان الاولاد نفسهم يشوفو الفيل والأسد والزرافة" حرصت إيمان سعيد على المجيء إلى القاهرة حتى يشاهد أطفالها الحيوانات كما يتخيلونه دوما، المرة الأولى التي يخرج فيها الأطفال من قريتهم بالمنوفية، تتحدث الأم عن زيارتها لحديقة والابتسامة ترتسم على ثغر طفلها في سعاده قائلا: "شفت بيت الأسد". يعتبرها الكثيرون مهملة أو متكدسة بالناس، يهملها سكان القاهرة من أماكن زيارتهم، ولكن على مدار عقود، ظلت حديقة الحيوان بالجيزة مقصد كل أسرة ريفية في الأعياد، خمسة جنيهات هي تكلفة الفرد للدخول، مبلغ زهيد مقارنة بما تتكلفة باقي الأماكن، يمكن إحضار الطعام والمشروبات وقضاء اليوم بكامله بدون أية تكاليف إضافية، أجيال تسلم بعضها زيارات حديقة الحيوان بالجيزة لتظل مكانا يصدر البهجة والفرحة للأسر البسيطة.