الترفيه عن النفس أمر مشروع وحثت الأديان وفى المقدمة الدين الإسلامى عليه، وهناك أحاديث كثيرة تؤكد أهمية الجد فى اللعب حتى أن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) كان يسابق السيدة عائشة فكانت تسبقه مرة ويسبقها مرة، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه فيما معناه: "جدّوا فى اللعب حتى يعرفوا أن فى ديننا فسحة"، وقال أيضا "روحوا عن القلوب ساعة فإن القلوب إذا كلّت عميت"، وفى القرآن الكريم آيات كثيرة منها ما جاء فى قصة سيدنا يوسف عندما تركه إخوته عند المتاع وذهبوا ليتسابقوا.. إلى آخره من الروايات.. ومع تطور العصور والأزمان ظهرت أساليب وطرق للترفيه واللعب لا حد لها ومعظمها لا غبار عليها إلا ما كان محط شك أو ريبة أو يخرج عن حدود الأخلاق والترفيه المسموح به. وقد استوقفنى كثيرا تقرير مصور بثته إحدى القنوات الفضائية صباح اليوم حول مهرجان يطلق عليه مهرجان الطين يجرى تنظيمه في إحدى مناطق مصر الجديدة، وحتى لا يتهمنى أحد بأننى ضد هذا المهرجان - إذا جاز لنا أن نسميه مهرجانا - فإننى لا أعترض على سلوكيات الآخر طالما أنها لا تخالف الأعراف والقيم المصرية الأصيلة وحتى لا نفاجأ أو يتهمنى أحد بأن ما يحدث يسير على طريق عبدة الشيطان، وما أكتبه هو رأيى الشخصى الذى من حق الآخر أن يختلف معه، وأعتقد أنه من حقى أن أسأل عن طبيعة هذه المهرجانات وكيف دخلت إلى مصر ومن ورائها وكيفية الاشتراك فيها وما يدور بداخلها، كل هذه الأسئلة مشروعة ولا يعيب أصحاب هذه المهرجانات أن يجيبوا عليها طالما أنها تتم فى النور. على أن هناك نقطة أود الإشارة إليها وتتعلق بمشروعية مثل هذه المهرجانات وما هو رأى الدين فى سلوكياتها، وهل تعتبر نوعا من الترفيه واللعب المباح أم أنها تدخل فى دائرة المنع والحظر، أطرح ذلك حتى لا تخرج علينا بعض التيارات أو نجد فتوى من البعض تحرمها. وقد يرى البعض أن مهرجان الطين – الذى هو فكرة مقتبسة من الغرب وموجودة فى بعض الدول مثل البرازيل - شيء مقزز، ولكن بالنسبة للبرازيليين فهو شيء لا يخلو من المتعة والمرح، فقد احتفلت البرازيل مؤخراً بأهم وأغرب المهرجانات وهو مهرجان الطين في البرازيل، حيث يغوص الناس في الطين ويغطون أجسامهم بطبقة سميكة من الطين اللزج. ووفقا لما تم تداوله على شبكة الإنترنت، فقد تزاحم مئات السياح والبرازيليين على الشاطئ بالقرب من بلدة بارتي البرازيلية الخلابة للاستمتاع بالطين اللين اللزج والذي يقال إنه كان يستخدم من قبل الهنود الأصليين للأغراض الطبية. وكشفت المعلومات المتداولة عن أن مهرجان الطين يقام سنويا فى بوريئونغ في كوريا الجنوبية جنوب العاصمة سيئول، حيث يحرص الشعب الكورى على الاحتفال بهذه المناسبة ليكون يوما غير عادي فى حياتهم، حيث يتجمعون فى بحيرات من الطين ويمارسون ألعابهم المفضلة، وقد بدأ الحفل من عام 1998 وأصبح اليوم هذا المهرجان عاملا للجذب السياحي في كوريا الجنوبية، كما يقام هذا المهرجان سنويا في الدنمارك وكوريا وأمريكا وآسيا. وفى النهاية وبرغم كل شيء، فإننى وجدت نفسى تارة أضحك وتارة أشعر بالقلق لما آل إليه حال بعض شبابنا فى مص ، الذى يقدم على مثل هذه المهرجانات، التى لا هى طريق للدعاية والترويج السياحى ولدينا مئات الطرق للترويج للسياحة بعيدا عن هذا الاقتباس المخل والغريب، والسؤال الملح هو: لماذا هذا التقليد الأعمى، وإذا كان هذا هو مستوى التفكير لدى بعض شبابنا فى ظل ما ما تموج به مصر من أحدث وأزمات متتالية، فعن أى إصلاح أو نهضة نتحدث وهل هؤلاء هم شباب الثورة التى أبهرت العالم.. لا أعرف. على أن ما شاهدته من صور حول "البلبطة فى الطين" ذكرنى بأمثال ومأثورات تتناقلها الألسنة عن "الطين" حتى أن الواحد عندما يريد أن يمعن فى نقد والتقليل من آخر يقول له "شيلك جالوسين طين والجالوس هو كمية من الطين مكورة ومحكمة القوام"، وعندما يختلف معه خلافا يصل لحد اللاعودة يهدده قائلا "نهارك زى الطين"، وجاء اليوم الذى نرى فيه بعض شباب مصر يسبحون ويشيلون الطين فى مهرجان للطين.. وكأن أيامنا ناقصة طين.. بالله عليكم ارحمونا من الأفكار اللى زى الطين . [email protected]