يوسف زيدان يهاجم الموالد الشعبية: الاستغلال يطغى على الروحانية    امتحانات أكتوبر.. تعليم القاهرة تشدد على الالتزام بالنماذج الامتحانية المعدة من قِبل الموجهين    مستشار وزير الري الأسبق: التوعية حل أمثل لمواجهة التعديات على نهر النيل    يوسف زيدان: الصوفية لا تفرق بين السنة والشيعة والخلافات طائفية بالدرجة الأولى    رئيس وزراء الاحتلال الأسبق: خسرنا معظم حلفائنا بالغرب    برينتفورد ضد ليفربول.. جماهير الريدز تدعم محمد صلاح بالغناء    النصر يتخطى الحزم بثنائية فيلكيس ورونالدو بالدوري السعودي    مصرع شخصين وإصابة 25 آخرين في تصادم 7 مركبات بطريق السويس الصحراوي    انقلبت السيارة بهم.. إصابة 17 عاملا زراعيًا في الوادي الجديد    أحمد جمال يحتفل بزفافه علي فرح الموجي (صور)    إسعاد يونس ترحّب بعودة الرئيس السيسي من بلجيكا: "طولت رقبتنا وكبرتنا"    تعليق قوي من أحمد سالم على احتفالية وطن السلام بمشاركة الرئيس السيسي    يوسف زيدان: قصة أبرهة الحبشي غير دقيقة.. واستخدام الفيل لهدم الكعبة تصور غير عملي    اكتشف أفضل مصادر البروتين لبناء جسم صحي    محمد مصطفى يشارك في فعاليات الجمعية العمومية للاتحاد العالمي للتايكوندو    دوري أبطال أفريقيا.. يانج أفريكانز وبترو أتلتيكو إلى دور المجموعات    وزير خارجية السودان: نقف خلف مصر في قيادة القارة نحو مستقبل أكثر إشراقًا    شاهد| الطفلة الفلسطينية ريتاج.. من تحت الركام لمصافحة الرئيس السيسي    تعليق غريب من أحمد الجنايني بعد زواجه من منة شلبي    سفيرة الاتحاد الأوروبي في القاهرة: مصر تقود الحوار الإقليمي باقتدار وتمتلك دبلوماسية مؤثرة    خالد الجندي: لو تدبرنا إعجاز القرآن لانشغلنا بالخير عن الخلاف    حبس المتهمين بالتعدي على مسن السويس بتهمة البلطجة    الرئيس السيسي: "اللي حصل في شرم الشيخ ده فضل كبير من ربنا علينا"    إصابة طالبين إثر تصادم دراجة بخارية في قنا    وزير الاتصالات: ماضون في إنشاء المركز المصري–الأفريقي لمنع ومكافحة الجريمة السيبرانية    جمارك السلوم تمنع تهريب نقد مصري وأدوية بشرية    محافظ القاهرة: تخصيص شاشات عرض بالميادين لبث مواد ترويجية عن المتحف الكبير    بمشاركة 150 متطوعًا.. تنظيف شاطئ «أبطال التحدي» في الإسكندرية (صور)    «أحلام».. سينما عظيمة تولد من تفاصيل يومية بسيطة الفيلم يتناول حرية التعبير عن الذات فى مواجهة التقاليد    جلسة خاصة بمؤتمر الإيمان والنظام تسلط الضوء على رجاء وثبات المسيحيين في الشرق الأوسط    القانون يحظر إنشاء جسور بالبحيرات بدون تراخيص.. تفاصيل    مسئول بحزب الله: لن نسلم سلاحنا لأننا نعتبره قوةً للوطن وسيادةً للبنان    غادة عبد الرحيم تُطلق أول حقيبة تدريبية عربية متكاملة للأمهات والمعلمين للتعامل مع اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ليفربول وبرينتفورد في الدوري الإنجليزي.. والمعلق    هل تصل قراءة الفاتحة إلى الميت؟.. عالم أزهري يجيب    دعم وحماية لمن حولهم.. أبراج تجلب السعادة والدفء للآخرين (من هم؟)    جدول امتحانات شهر أكتوبر للصفين الأول والثاني الثانوي بالغربية    وحدة «إذابة الجلطات المخية» بقصر العيني تحصد شهادتين دوليتين خلال مؤتمر برشلونة 2025    الصناعة: طرح 1128 قطعة أرض صناعية مرفقة بمساحة 6.2 مليون متر    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    جهود قطاع الأمن العام خلال 24 ساعة    محافظ البحيرة: قروض ميسرة للشباب تبدأ من 30 ألف جنيه وتصل إلى 20 مليون جنيه    نجم بتروجت: أتمنى تتويج بطل جديد بالدوري.. والثلاثي الكبار هم الأقرب للقب    نائب رئيس جامعة أسيوط يترأس اجتماع مجلس إدارة صندوق الخدمات الطبية اليوم    الأوقاف: المشاركة في الانتخابات واجب وطني.. والمساجد ليست مكانًا للترويج السياسي    الخميس المقبل بدء تطبيق التوقيت الشتوى فى مصر.. الساعة هتتأخر 60 دقيقة    ريال مدريد ضد برشلونة.. البارسا يختبر كوندى فى مران اليوم    صحة كفر الشيخ: انطلاق أول أيام القافلة الطبية المجانية بقرية المنشلين بقلين    «مستقبل وطن» ينظم مؤتمرات جماهيرية بالمحافظات لدعم المشاركة في انتخابات مجلس النواب (فيديو)    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    اليوم.. جورج إلومبي يتسلم رئاسة «افريكسم بنك» رسميا    وزيرة التضامن الاجتماعي تتابع أعمال الإدارة العامة للرعاية المؤسسية والأسرية    محافظ الفيوم يتابع استعدادات الأجهزة التنفيذية لانتخابات «النواب» 2025    اللواء محمد الدويري: أحد قيادات حماس البارزة لجأ لأبو مازن لحمايته من قصف إسرائيلى    موعد مباراة الحزم والنصر في الدوري السعودي    موعد مباراة بايرن ميونخ أمام مونشنجلادباخ بالدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    "لا تستمع لأي شخص".. بانزا يوجه رسالة ل محمد السيد بعد انتقادات الجماهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بدعة الدولة القوموية والفردوس المفقود
نشر في صدى البلد يوم 17 - 06 - 2017

تشكلت الدول القوموية في منطقتنا منذ بدايات القرن العشرين، والتي بدأت من العراق في نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد ساهمت في بنائها المملكة المتحدة "بريطانيا"، بعدها تتالى تشكيل الدول بعد اتفاقيات سايكس بيكو ومنها من كانت دولًا قوموية، ومنها الدينية التي تشكلت على أنقاض إمبراطوريّة الرجل المريض العثمانية، وقامت ثورات عديدة تحت مسميات الاستقلال الوطني والسيادة حتى قبول تلك الدول في عصبة الأمم وبعد ذلك كدول "مستقلة" في الأمم المتحدة.
بعد قرن من الزمن ونحن في بدايات القرن العشرين ندرك جيدًا أننا قد أضعنا من عمرنا الكثير، وكذلك آباؤنا وأجدادنا في تضحيات لم تكن تلك القدسية التي آمنّا بها لزمن طويل، فراحت تلك المصطلحات تتساقط الواحدة تلو الأخرى كأوراق الخريف التي تقذف بها هنا وهناك ريح غير قوية، ما يدل على أنّ تلك المصطلحات لم تكن من جوهر هذه المنطقة وحقيقتها.
وتغنينا كثيرًا عن الدولة القوموية، التي تقول: إنه لا يمكن للإنسان أن يعيش من دون دولة. وعلى كل من يمتلك ولو ذرة من الكرامة عليه أن يضحي بذاته من أجل بناء هذه الدولة والحفاظ على حدودها وسيادتها تجاه أي عدوان تتعرض له. وتغنينا أيضًا عن الأمة العربية الواحدة والحلم الذي ناضلنا من أجله كثيرًا إن كان عن قناعة أم مرغمين فالأمر سيَّان، وأنه لا بديل عن هذا الحل إن أردنا الاستقرار والاستمرار والديمومة في حياة كريمة. لكنها هذه الأحلام والأوهام في أوحال الصراعات التي تعيشها المنطقة تحت مسمى الربيع العربي، وكأننا كنا نعيش قبل هذه الثورات قد سقطت في شتاء قوموي ودينوي طويل.
وانطلى هذا المصطلح أيضًا على السذج من أبنائنا الذين انتفضوا منادين بالحرية والكرامة اللتين هما مطلب مشروع وشرعي، ولكن تحولنا بعد ثورات الربيع العربي إلى أكثر من بيادق وعبيد وأدوات وخنجر نلطم به تاريخنا المزيف وحاضرنا خائر القوى ومستقبلنا المجهول، نعيش بين الأمواج المتلاطمة ولم نعِ بعد أن الأمواج هي من تحدد وجهتنا وقرارنا ومصيرنا.
حالة من الطوفان نعيشها ونخدع ذاتنا أن كل شيء على ما يرام وألّا حل أمامنا سوى التمسك بأهداب الدولة القوموية والدينية التي راحت هي أيضًا تتهاوى أمامنا كأحجار الدومينو الواحدة تلو الأخرى. وقد بدأت من العراق واستمرت بتونس وليبيا وسوريا واليمن والمغرب والآن قطر والسعودية وتأثرت بها مصر وباقي الدول، وما هي إلا تحصيل حاصل ستتهاوى وإن كانت بعد حين.
إنّ تشخيص المرض بشكل سليم سيؤدي بنا إلى اختيار الدواء الصحيح كي نحصّن أنفسنا من الضياع في عالم مصطلحات التجربة الدوائية، فلا تكمن العلّة في مرضنا بقدر ما هي موجودة في اختيارنا للدواء الذي كنا نستعمله طيلة القرن العشرين، فلم نكن حينها في حالة صحية سليمة البتة حتى نختار نفس الدواء لمرض ومريض يعاني من داء آخر.
فليست المشكلة في المرض بل في اختيار نوعية الدواء، وهذا مرده للأطباء الذين يصفون نفس الدواء لكل الأمراض، والعلة فينا أكثر لأننا نقبل هذا الواقع على أنه الحقيقة.
لا يمكن الوصول إلى الحرية إلا من خلال بحثنا عن الحقيقة المخبأة في ذاتنا وتاريخنا وثقافتنا ومجتمعيّتنا الإنسانية. فالحقيقة التي ينبغي إدراكها أن منطقتنا غنية بشعوبها وثقافاتها ودياناتها وليست مقتصرة فقط على شعب معين ودين وحيد دون الآخر، فالتعصب القوموي والدينوي هو أساس ما نعانيه من أمراض، وبدلًا من البحث في الدولة القوموية والدينوية على أنها الحل والفردوس المفقود، لِمَ لا نحيا ونعيش في جمهوريات ديمقراطية يعيش فيها الكل مع الكل بدلًا أن يكون الكل ضد الكل، وبدلًا من الدولة القوموية لتكن الجمهورية الديمقراطية، وبدلًا من الأمة العربية والإسلامية لتكن الأمة الديمقراطية التي تحتضن كل الثقافات والأديان والمجتمعات والشعوب في جنباتها كما قال السيد عبد الله أوجلان.
بدعة الدولة القوموية والدينوية ما هي إلا مصطلحات اخترعتها لنا الحداثة الرأسمالية، وجرّعتنا إياها على أنها الدواء الناجع لما نعانيه، لكنه تبين أنه الدواء القاتل لمجتمعاتنا وثقافتنا وهوياتنا كما قال إدوار سعيد في "هويات قاتلة".
وما هي إلا بدعة تجرّعناها بكل إرادتنا بعد أن عزفتها لنا قوى الحداثة الرأسمالية على أوتار العاطفة والنية الحسنة وجعلناها من المقدسات والتابوهات التي لا يمكن المساس بها، حتى بتنا وأصبحنا وثنيين أكثر من الوثنيين القدماء.
ورحنا نبني المعابد القوموية والدينوية كي نتقرب من الله ونسينا أنّ الله موجود في داخلنا وليس في الخارج، كما كتب جون ميلتون ملحمته الشعرية الفردوس المفقود (Paradise Lost) عام 1667، حيث انتقد ميلتون الوثنية لأنه يكمن سببها في نظرية بناء معابد وأبنية أخرى كأماكن للعبادة.
ويحاول آدم "الانسان" التكفير عن ذنبه بعرضه بناء المذابح لعبادة الله، حين قال له الملاك ميخائيل بقوله: "آدم ليس محتاجًا لبناء شيء لاختبار حضور الله"، وحتى لو قام أحد بتأسيس مبنى باسم الله فإن أفضل النوايا يمكن أن تكون عديمة الأخلاق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.