أخبرتنا أحداث التاريخ أن الجرائم العقلية لم تقدرها الحكومات حق قدرها, فاهتمت بالجرائم المادية ولم تنتبه إلي جرائم الفكر أو المعني أو العقل, فتركوها تنفث سموما علي المدي أصابت المجتمعات بسرطان المذهبية والطائفية والعصبية, وكل صنوف الأورام الخبيثة التي ابتلي بها المجتمع, لعل أخطرها ما نعتوه إرهابا, يعنينا منه الإرهاب المعتمد بتوقيع( الإخوان- النصرة- القاعدة- طالبان- بيت المقدس- داعش) وغيرها الكثير من التوقيعات التي قلبت حياة العرب والمسلمين التي أصبحت سرادقات عزاء لا ندري متي تنفض..! إن هذه الأورام الغريبة علي الجسد العربي والإسلامي ليست حديثة الميلاد, ومع ذلك لم تنتبه الحكومات- علي مدي عقود- لأسباب هذه العلل برغم ظهور الأعراض والظواهر, الأمر الذي يدعو إلي الكثير من علامات الاستفهام والدهش معا, لأننا لم نر مسئولا واحدا في عالمنا العربي و الإسلامي يحاكم بتهمة جرائم عقلية أو ثقافية أو معنوية أو أنه أغمض الطرف أو أسهم لافرق في تشويه أفهام أجيال و خراب تعليم وإنهيار ثقافة و صناعة فنون وثنية تمجد الحاكم وتتغني بعبقرياته المتفردة, وغير ذلك من مثالب الحكام..!!! مثالب صنعت مناخا فاسدا تكاثرت فيه الخلايا السرطانية, فكان الإرهاب الذي نعانيه ينخر في عظام المجتمعات, فإما انهيار المجتمع و إما رحيله من عالم الأحياء, وها هي حولنا مجتمعات تتهاوي وسهام تصوب إلي المحروسة لعلها تهوي..!! إن الأمر لو كان أمر دين أو عدل أو صدق أو غير ذلك لهان الأمر و أطمأنت نفوسنا إلي أن الفضائل ثابتة والرذائل زائلة, لكن الواقع أشمل من ذلك, فالأحداث اليومية فيروسات متجددة تنشط بإصرار لإصابة النسيج المجتمعي المصري وغيره, وإن لم تصبه فالأصداء اهتزاز القيم الأخلاقية هزا عنيفا يشكل عبئا تنوء به الجهات الرسمية..!! فما أحوجنا إلي ثورات فكرية تعيد صياغة القيم المجتمعية صياغة تستعصي علي التشويه والتجريف, صياغة تكسب المجتمع مناعة خاصة تتداعي أمامها كل أعراض الطائفيات والمذهبيات والعصبيات وغيرها من العلل والأسقام التي ابتلينا بها..!! هذه البلايا ليست حديثة عهد- كما أسلفنا- لكنها ذات قرابة ونسب بموجات الفوضي العارمة التي نجحت قوي الشر العالمية أن تصدرها إلينا في ثياب تتنايب و عولمة الدجل و الوهم, فقالوا: ثورات الربيع العربي, كما هو دأبهم منذ عهود الاستعمار القديم, حيث يقدمون السموم مع مكسبات الطعوم التي تناسب كل دولة..!! ونحن في شهر الإرهاب الأشهر بين فصول السنة( سبتمبر الحزين), حيث صناعة الجريمة العالمية أو عولمة الجرائم بتوقيع هجمات الحادي عشر المعتمدة من( بوش الابن), لتصبح ذريعة كل غزو وكل اجتياح, لكن يبقي السؤال القديم الجديد لكل زعماء وحكام العرب: لماذا بلاد العرب والمسلمين وحدها من بلدان الدنيا هي ميادين الصراع علما بأن الحروب والمجازر والمؤامرات صناعة أوروبية أمريكية؟! فهل لم تكفهم مؤمرات الصهاينة؟!.. أيا ما تكون الإجابة علينا مواجهة حقيقة الغدر والخيانة, فلا يختلف عاقلان أن من بيننا وفينا من يسهم في مؤازرة هذه المؤامرات ويؤيدها, وهذه قضية أخري بحاجة إلي محاكمات ناجزة..!! إن تراكمات الخلل الثقافي و الانهيارات التعليمية خاصة ومعهما كل عوامل التغريب والتشويه خلخلت القيم والأفهام فأثمرت جماعات تتربص بالمجتمع قادمة من غياهب التطرف والجهل والعنف والتنظير الخاطئ المدمر بإيعاذ شيوخهم, فانفتحت أبواب التخريب الذي لا علاج له- فيما أعتقد- غير إصلاح التعليم و إعادة بناء الثقافة وتنقية الإعلام المرئي والمسموع وتحري الدقة الفائقة فيما تنشره الصحف وتصدره المكتبات فالإصلاح الحقيق لا يتعارض مع العقائد والحريات والحقوق, لأن غفلة الحكومات وغياب الوعي الثاقب لاستشراف القادم وضحالة ثقافة الحكام, كل ذلك كان ولايزال شريكا في صناعة الإرهاب الذي نعاني علله وأسقامه..!! ومادامت الحياة مقدمات ونتائج فلن يرحل الإرهاب طالما الدولة غير قادرة علي إصلاح التعليم إصلاحا يعصم الأجيال من تيارات التغريب و موجات التفتيت والإلحاد, وليس التعليم وحده فالدائرة الوقائية لن تكتمل بغير ثقافة و إعلام وقيم وتقاليد وأعراف, وكل أسباب الشموخ الأصيل التي كانت فيضا تتغني به تراثيات الأقدمين من المصريين والتي فرطنا فيها طوعا أو كرها باعتماد حكام شغلتهم الزعامة عن أركان البيت فكان ماكان اليوم..!! نحن بحاجة إلي صناعة إنسان يواكب السائرين في ركب التحضر مع الحفاظ علي تراثياته الاصيلة فإن أخطر ما يعانيه الناس اليوم المعاناة النفسية التي جعلته يشعر بتخلفه وعزلته ونظرة المتحضرين له باعتباره متخلفا أو( إنسانا معمليا للتجارب)..!! فما الذي ينتظره المسئول من نتائج هذه الصدمات النفسية غير التمرد والعصيان والعداوات؟!.. إن ما وصل إليه الأبناء صادف هوي لتعاليم شيوخ الإرهاب ومبشراتهم بالجنة ورؤية الذات الإلهية و أنهم في حزب الإيمان والمجتمع حزب الكفر, فرأينا الشباب المفخخ و التفجيرات التي لا تبقي ولا تذر بدعوي الإيمان والشهادة, وغير ذلك من الأباطيل!! ومن الأعاجيب أن يسود الصمت عن هذه الجرائم الفكرية والمعنوية أو العقلية, فمن الأحوال التي لا أري لها تفسيراا أن مجتمعاتنا العربية لا تقدر خطر الجرائم العقلية, بل تمنح المجرمين العقليين التوقير والاحترام, فكم من وزير تعليم وثقافة و إعلام يتم تكريمه علي الرغم من الخراب التعليمي و الانهيار الثقافي و التغريب الإعلامي..!! فانظر كيف تسبح الأنظمة العربية بعبقرية المسئولين وبلدانهم لاتزال في دائرة التخلف برغم الخطط والميزانيات و مزاعم الإصلاح, فهل نحن أصحاب اختراع( الجري في المكان) ؟! ما أحوجنا إلي ثورة للضمائر بدلا من انشغال المسئولين بإصلات ورقية لا صلة لها بالواقع المعاش ولا رقيب..!! اتقوا الله واعتمدوا القوانين الباترة لمرتكبي الجرائم العقلية فإن إصلاح النفوس والضمائر خير علاج لإصلاح الأمة, ويبقي في نهاية الدرب إن أعظم المصائب انقطاع الرجاء. (ولنا عودة إن شاء الله)