انطلاق القافلة الدعوية لأئمة مديرية أوقاف الإسكندرية    الضرائب العقارية تحصل 1.4 مليون جنيه من حفل أصالة بالعلمين.. (خاص)    رسميًا.. الأمم المتحدة تعلن المجاعة في غزة    المقاومة العراقية تطالب بالانسحاب الحقيقي للقوات الأمريكية من العراق    الأردن يدين تصريحات إسرائيلية مؤيدة للاستيطان ويجدد دعوته لوقف الانتهاكات    فورين بوليسي: منطقة "دونباس" مفتاح الحرب والسلام في أوكرانيا    أفضل فريق لخاصية "وايلد كارد" في فانتازي الدوري الإنجليزي    لماذا لم يلعب الأهلي في الجولة الثالثة؟    محافظ المنوفية يتابع جهود الرقابة على الأسواق وتحرير 221 محضرا    الداخلية تكشف كواليس سرقة سيارة مُحملة بحقائب سفر بالسلام    أسرة كاملة تسقط في الترعة.. إصابة 6 أشخاص بحادث انقلاب ببني سويف    الداخلية تحبط 10 قضايا تهريب وتنفذ 306 أحكامًا خلال 24 ساعة على المنافذ    الداخلية تكشف ملابسات رمي سيارة نقل ثقيل بالحجارة في البحيرة    الليلة.. ويجز يلتقي جمهوره في حفل غنائي بمهرجان العلمين    أحمد وأحمد يحافظ على المركز المركز الرابع في منافسات شباك التذاكر والمشروع X يتذيل القائمة    السياحة تعلن أسماء الفائزين في مسابقة التصوير الفوتوغرافي للتراث المغمور بالمياه - صور    إيقاعات وألوان وحرف.. قصور الثقافة تفتح أبواب الإبداع أمام مواهب بورسعيد في برنامج مصر جميلة    الانتهاء من عدد "101 عملية أنف وأذن و124 مقياس سمع بمستشفى العريش العام    اتجاه لقبول استقالة ثنائي اتحاد تنس الطاولة    تشكيل بايرن ميونيخ ضد لايبزيج في الدوري الألماني    الأونروا: يجب تغيير سياسة المنع الكامل لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة    ترامب يعرب عن غضبه من استهداف أوكرانيا لخط نفط روسي يغذي المجر وسلوفاكيا    «الاستراتيجي للفكر والحوار»: اللقاء بين الرئيس السيسي وبن سلمان يعكس عمق التنسيق بين البلدين    تسجيل مركز قصر العيني للأبحاث السريرية رسميا بالمجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية الإكلينيكية    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    نائب محافظ الفيوم يُكرم المشاركين في البرنامج التدريبي "العمليات التصميمية وإعداد مستندات الطرح"    حريق محدود يؤجل امتحانات مركز تقييم القدرات.. و«التنظيم والإدارة» يحدد مواعيد بديلة    تعيش بكلية واحدة منذ 5 سنوات واحتاجت غسيل كلى عاجل.. شجاعة أطباء مستشفى دسوق العام تنقذ حياة صغيرة    من أوائل الثانوية بمحافظة شمال سيناء.. وفاة الطالبة شروق المسلمانى    وزير الري: التكنولوجيا تلعب دورا محوريا في إدارة المياه والتنبؤ بمخاطر المناخ    محافظ مطروح يستقبل رئيس جامعة الازهر لافتتاح مقر لكلية البنات الأزهرية    دعمًا للأجيال الواعدة.. حماة الوطن يكرم أبطال «UC Math» في دمياط    الاقتصاد المصرى يتعافى    القبض على عاطل يدير ورشة لتصنيع الأسلحة البيضاء    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    محمود ناجي يدير مباراة السنغال وأوغندا في ربع نهائي أمم افريقيا للمحليين    ناشئو وناشئات الطائرة يتوجهون إلى تونس بحثًا عن التتويج الإفريقي    ناقد رياضي: بن رمضان اللاعب الأكثر ثباتًا في الأهلي.. ومواجهة المحلة صعبة    مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يعلن لجنة تحكيم الدورة ال32    ثائرٌ يكتُب    وزارة التخطيط ووكالة جايكا تطلقان تقريرا مشتركا حول 70 عاما من الصداقة والثقة المصرية اليابانية    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة بماليزيا.. أحمد كريمة يوضح الرأي الشرعي    «التسامح والرضا».. وصفة للسعادة تدوم مدى الحياة    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    عائلات المحتجزين: ندعو لوقفة احتجاجية قبالة مقر نتنياهو    *لليوم الثاني.. خدمة Premium الجديدة بقطارات السكة الحديد "كاملة العدد"    تهيئة نفسية وروتين منظم.. نصائح هامة للأطفال قبل العودة إلى المدارس    أستاذ بالأزهر: مبدأ "ضل رجل ولا ضل حيطة" ضيّع حياة كثير من البنات    غدًا.. إعلان نتيجة التقديم لرياض أطفال والصف الأول الابتدائي بالأزهر| الرابط هنا    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    صفات برج الأسد الخفية .. يجمع بين القوه والدراما    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    جولة مفاجئة لوكيل مستشفى الفيوم العام لضمان جودة الخدمات الطبية.. صور    ضبط المتهمين بالتسول واستغلال الأطفال أسفل كوبري بالجيزة    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صرخة مالك بن نبي
نشر في صدى البلد يوم 15 - 09 - 2012

كنت عائدا من السويس إلي القاهرة في أواخر عام‏1993‏ حيث جمعنا القدر في حافلة للنقل العام مع المرحوم الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين المفكر الإسلامي المعروف وأستاذ اللغويات بدار العلوم.
حيث جري حوار مطول حول مالك بن نبي المفكر الجزائري المعروف وجهده المعتبر في حقل الفكر العربي والإسلامي.
يومها أهداني الدكتور كتابا من الكتب التي كان يعتز بها ويعتبرها أهم كتب مالك بن نبي وهو كتاب شروط النهضة والذي ترجم الدكتور عبد الصبور شاهين معظم كتبه التي كتبها بالفرنسية, وسبب تذكري لهذا الموقف أن هذا اللقاء كان يوم31 أكتوبر وهو ذكري وفاة المفكر والكاتب العظيم مالك بن نبي. وكنت قد قرأت هذا الكتاب قبل ذلك بأعوام لكن هذا الحوار لفت نظري الي بعض الزوايا والمعاني التي لم أكن قد التفت إليها, ورغم ان هذا الكتاب يعتبر من أوائل ما كتبه إلا أنه وكتاب' الظاهرة القرآنية' أعتبرهما من أهم ما كتبه مالك بن نبي من بين كتبه التي تعدت خمسة وعشرين مؤلفا.
أتذكر يومها ان الدكتور عبدالصبور شاهين ظل طوال الرحلة وحتي مشارف القاهرة يشرح في معني ما قاله مالك بن نبي في مواضع مختلفة( نحن نستورد أدوات المدنية ولكننا لانتعامل معها بشكل حضاري), حيث ظل يلح علي فكرة اننا دون أن نمتلك إطارا فكريا متكاملا يتحول إلي سلوك وتصرفات يومية معاشة داخل المجتمع المصري لايمكن لنا أن نمتلك فعلا حضاريا ونهضويا حقيقيا.
إن كتاب مالك بن نبي حول شروط النهضة كان صرخة مهمة للعقل العربي في إطار استنفار الشعوب العربية لبناء مشروع متكامل لنهضة حقيقية بعد حقبة استعمارية طالت وشملت العالم العربي والاسلامي من جاكرتا الي طنجة, وبعد محاولات عديدة من مدارس كثيرة لرسم هذا المشروع وتوضيح مكوناته وشرح أدواته ووسائله.. جاء هذا الكتاب ليؤكد ان النهضة ليست فقط مشروعات اقتصادية وتنموية ترتفع مؤشراتها حينا وتنخفض حينا آخر, بل مشروع فكري متكامل لابد له من تربة تمنحه قابلية النمو والتطور وتجعل منه مشروعا متجذرا في تربة الوعي الجمعي مدعوما بقيم حاكمة في المجتمع تعلو فوق الأشخاص والأشياء وقبل ذلك نابعا من ثقافة هذا المجتمع وهويته.
إن انعدام التنظيم الاداري واختلال الاقتصاد وسوء الإدارة التنفيذية وشيوع الفساد, كلها أعراض لمرض وليست هي المرض نفسه ولكي نقيم نهضة حقيقية لبلدنا لايمكن أن يكون فقط بأن نكدس منتجات هنا وهناك أو ان نقدم حلولا جزئية لهذه الاعراض وإنما بأن نقدم حلولا حقيقية وفاعلة للمشكلات المتعلقة بالمكونات الاولية والرئيسية للمشروع حيث ان الحلول الجزئية لايمكن أن تقدم رؤية متكاملة.
مشكلة النهضة كما يصفها مالك بن نبي يمكن تحليلها إلي مشكلات أولية ثلاث( مشكلة الإنسان, ومشكلة التراب, ومشكلة الزمن). فالإنسان هو المحور الأهم وهو البداية الحصرية لهذا المشروع والذي تتضافر فيه التعليم والثقافة والقيم والتربية من أجل بناء إنسان النهضة, ولذلك لا يمكن التحدث عن مشروع للنهضة دون تغيير حقيقي وعمل جاد في الملفات السابقة. والتقدم في العلوم التطبيقية وزيادة الإنفاق علي البحث العلمي في مجال العلوم التطبيقية أمر في غاية الأهمية, ولكن لابد أيضا من التقدم في العلوم الإنسانية والأخلاقية حتي نستطيع بناء إنسان النهضة وصياغة المنظومة الفكرية والوجدانية لهذا الإنسان.
ان هوية مشروع النهضة وتحديد القيم الحاكمة له وتكوين العقل والوجدان وفق هذه القيم الحاكمة وخصوصا قيم العمل والانتاج والاستهلاك ومفاهيم المتعة والسعادة هي شروط ومقدمات لابد لها من اجل مشروع متكامل قابل للحياة والاستمرار. وحين نتكلم عن التراب أو الأرض فإنما يقصد به مالك بن نبي قيمة الأرض والتراب الاجتماعية, وان التصحر الذي يغزو بشراسة خريطة الوطن يترك الناس يتامي بين يدي الصحراء المقفرة..
ولايمكن أن نري اللون الأخضر مرة ثانية علي خريطة الوطن والناس يعيشون حالة تصحر داخلي علي مستوي الفكر والرؤية والوجدان, وعندما نتصفح خريطة لدولة مثل ألمانيا نجد أن كل شبر في الوطن له اسم وله قيمة وله وظيفة وله معني بينما خرائطنا تجد المربعات المتصحرة بلا أسماء وبلا معان وهذه تمتد بعشرات الكيلومترات. والعنصر الثالث وهو الزمن, هذا النهر الصامت الذي ننساه أحيانا وننسي قيمته التي لا تعوض وننسي أن فكرة الزمن يتحدد معناها بمدي التأثير والإنتاج الذي يعني الحياة الحاضرة الفاعلة, الزمن الداخل في تكوين الفكرة والنشاط وفي تكوين المعاني والأشياء, ولذلك كانت صرخة مالك بن بني عندما قال إن من الصعب أن يسمع شعب ثرثار الصوت الصامت لخطي الوقت الهارب هي صرخة النهضة الاهم.
إن محاولة مالك بن نبي البحث في مشكلات التخلف المزمنة متجاوزا في هذه الدراسة الأعراض السطحية, والمكونات الجزئية وباحثا عن السنن والاركان والقوانين اللازمة لبناء نهضة حقيقية لعبور حالة العجز إلي القدرة والفاعلية وحالة تكديس المادة إلي حالة بناء حقيقي تستكمل فيها فيها العناصر الأولية والاساسية للنهضة هي من المحاولات الهامة. لكن يبقي السؤال وبعد اكثر من ستين عاما مما كتبه هذا المفكر الكبير وبعد تجارب كثيرة لبناء مشروع نهضوي وطني في كثير من دولنا العربية هل يمكن أن نراجع معا العناصر الاولية التي اشار اليها مالك بن نبي.. أن نحلل هذه العناصر إلي عناوين واقعية مصرية حديثة.. وبلا شك يحتاج الأمر إلي مناقشة أكثر عمقا واكثر تفصيلا سنكملها في الأسابيع المقبلة.
رسالة إلي القراء:
عندما نشر المقال الأول في الأسبوع الماضي تلقيت عدة رسائل وتعليقات سعدت وشرفت بها حول ممارسة حقي في الكتابة, وهل هناك متسع من الوقت لذلك مع موقعي الذي أعمل فيه, ولذا فإنني أؤكد للقراء المحترمين أن الكتابة هواية أستمتع بها وأتواصل فيها مع المجتمع المصري الذي أنتمي إليه, وفي الوقت نفسه لا أسمح لهذه الهواية أن تتجاوز أي مسئولية أو تتقاطع مع أي مهمة أضطلع بها.
نقلا عن الاهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.