أقيم مساء أمس الأربعاء بالمركز الثقافي باتحاد الأطباء العرب مؤتمرا فكريا بعنوان " حوارات فى النهضة.. نحو إدراك جديد للمرحلة"، برعاية مؤسسة يقظة فكر بالتعاون مع المركز، وتحدث فيه المفكر الإسلامى الدكتور عبد الكريم بكار، والدكتورة هبة رؤوف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتور جاسر عودة أستاذ مقاصد الشريعة بكلية الدراسات الإسلامية بقطر. تحدث الدكتور بكار عن الحاجة إلى ترتيب أولوياتنا المقاصديَّة، من أجل نهضة حقيقية، فمَن قَتَل الناس ينبغي أن تكون له الأولوية في المحاكمة قبل من سلبهم حقوقهم, واستشهد بقول ابن خلدون فى أننا نحتاج إلى أن نتخلى عن روح الانقلاب ونتحلى بروح الثورة, فالانقلاب يتحقق بإزالة رموز الاستبداد, أما الثورة فلا تتحقق إلا بإزالة ما بعد تلك الرموز, وهي القيم الصانعة لها, نحتاج أن نترجم الأسئلة الكلية الكبيرة إلى تفاصيل صغيرة يتم فيها غرس القيم التي تساعد على النهضة. ولم يفت المفكر الإسلامى تهنئة مصر على ارتدائها ثوب عرس فريد لم تلبسه عروس قط على حد وصفه، وعبر عن أمله فى أن تستكمل الثورة مشوارها, وأن تعود مصر إلى دورها الطبيعي في القيادة والريادة, لافتاً إلى أن الأمة في أمس الحاجة إلى ذلك الدور. وأوضح الدكتور بكار أن فكرة التغيير والنهوض هي فكرة ثورية بامتياز، فالأمم حين تقيم في التخلف قرونًا, فإن مشهد التطوير يغيب عن وعيها, وتركن إلى مضغ الآلام والشكو من سوء الأحوال, مشيراً إلى أن القرآن الكريم يعلمنا أن الإنسان هو محور الكون, ولهذا فإن رهانات النهضة يجب أن ترتكز عليه، وتابع:" طابع الحضارة وسرها العميق، أخلاقي وروحي في المقام الأول, فالتقدم المادي له حدود, أما التقدم الروحي فغير محدود لا على مستوى الإيقاع ولا على مستوى المسافة, فتغيير الأشياء المادية أسهل بكثير من تغيير أخلاق الناس وعاداتهم والنهوض بوعيهم". ولفت إلى أن تنمية الوعي والحس النقدي لدى الناس هي البداية على طريق الإصلاح, إذ لابد من الوعي بمبادئنا, وواجباتنا تجاه خالقنا وتجاه بلادنا وتجاه العالم, والوعى بواقعنا وبالعصر الذي نعيش فيه, والوعى بما نريد الوصول إليه والحصول عليه, وأنه علينا هنا أن نقلل من الحديث عما لا نريد حتى لا نحجب رؤيتنا عما نريد”. وبيَّنَ د. بكار أنَّ المرحلة تقتضي العمل على بناء الأطر ووضع كل الضمانات لعدم عودة الاستبداد, والعمل على خطين نهضويين, أحدهما أن نعمل ما هو ممكن الآن, فإننا “إذا عملنا ما هو ممكن اليوم صار ما نعتبره مستحيلاً اليوم ممكنًا غدًا”. والخط النهضوي الثاني هو “العمل على تغيير البيئة السائدة, أي العمل على التغيير الجذري من خلال تغيير الجذور والمعطيات”. ووضح أنَّ “معظم الظواهر الحضارية التي نريد معالجتها هي ظواهر معقدة.. الظواهر الكبرى لا يصح تفسيرها بالأسباب الجزئية, ولا يصح حلها بحلول جزئية, فالظواهر المعقدة لا تحتاج حلول بسيطة إنما مركبة”. وتعليقًا على دور المرأة في النهضة, قال د. بكار: “كل شيء إذا همشته يضمحلّ” فعدم استخدام العقل يؤدي به إلى الاضمحلال, والصحوة الإسلامية منذ بدأت همشت المرأة, فما كتبه العلماء والدعاة حولها كان 80% حول حجابها, وأحكامها, وغيرها من القضايا, ولم يكتب إلا أقل من 20% حول دورها في البناء, ودورها في النهضة. الحاضن الأساسي للتغيير, للنهضة, هو الشعب, فالمفكر يمكن أن يطرح أفكارًا, أو يقترح حلولاً, إنما الدور الأساسي للشعب, ولا يكون ذلك إلا بالتعليم, فأمة ليس لديها تعليم جيد لا تصنع حضارة. ويجب تدعيم التعليم الأهلي, وتكون له الريادة, ويكون التعليم الحكومي مساعد لهذا التعليم”. ومن جهته قال الدكتور جاسر عودة أنَّ منهج التفكير الكلي له سمات يجب أن نفكر فيها, ونتذكرها, وذكر منها خمس سمات كانت أولاها أنه منهج متكامل, وغير تجزيئي, يتعارض مع التجزيئية وضيق الأفق”, وشرح ذلك قائلاً: “نتعامل كثيرًا مع الأشياء بالتعامل الجزئي, فنصف القضية كلها عن طريق جزء, والنظر إلى الإسلام عن طريق جزئية من أجزائه لا يتوافق مع أسلوب التفكير المقاصدي, والنهضوي. إننا عندما نفكر في النهضة فإننا يجب أن ننظر إلى الصورة بكل أبعادها لا النظر لجزء واحد, فنفقد الصورة الكلية, وننساق وراء تفاصيل قد تجعلنا نضاد المعاني الكلية, ونعارضها.وقال مدير مركز مقاصد الشريعة بلندن د. جاسر عودة “لا يمكن أن تكون هناك جزئية في الإسلام تتعارض مع كلية, فالقصاص لا يتعارض مع كلية الرحمة, ولكن أحيانا لا نفهم وجه الرحمة”, وأضاف: “حين نفكر بالعمل العام في سياق النهضة, فأحيانًا نفكر في الإنسان كجسد وننسى الروح, ونفكر بالقلب وننسى العقل, فلا نراعي الجوانب المختلفة التي يجب مراعاتها في هذا التخصص, ونحن إذ نواجه المشاكل والقضايا فإننا نواجهها أحيانًا برؤية شرعية, ونتجاهل ونهمل قراءة الواقع وحاجياته ومتطلباته.. فكر بشكل شمولي, وإن كان أداؤك تخصصي”. ومن سمات منهج التفكير الكلي – حسب قول د. جاسر – أنَّه متعدد الأبعاد, فهو “ليس له بعد واحد ولا بعدين, إنما في كل قضية له أبعاد مختلفة, فلا يصح أن ننظر إلى القضايا باعتبارها ثنائيات فقط, فمثلاً نتعامل مع رؤية الناس للغرب بها, هناك منبهر به, ومنقطع عنه, هناك مناصر للدولة المدنية بمرجعية دينية, وعلماني معارض لتلك المرجعية. إنَّ تعدد الأبعاد يقتضي تعدد في الفتوى, فعلى سبيل المثال حالة الحرب تختلف في الفتوى عن حالة السلم, ونحن في عملنا العام نعاني من هذه الثنائيات التي تؤدي إلى جمود في الاستراتيجيات”. وذكر أنه من سمات منهج التفكير الكلي أيضًا, المقاصدية أو الغائية, فهو تفكير غائي مقاصدي يتعلق بمقاصد الأشياء, والإجابات عن سؤال لماذا”. وبدد د. جاسر الإشاعة المنتشرة في الفقه الإسلامي, التي ترفض سؤال “لماذا؟”, فقال: “الحقيقة أنه سؤال مشروع غير محرم, بل إن هناك إجابة عن كل سؤال “لماذا؟” في الشريعة, فلا يمكن أن يكون هناك فعل دون مقصد, فتفاصيل الشريعة مبنية على أسباب, كما أنه سؤال يدخلنا في تعددية أبعاد القضية”. كذلك فإن من سمات منهج التفكير الكلي أنه يتعلق بما يسمى “الأولويات”, وقال: “ينبغي في الشريعة أن تأتي الضروريات (العرض, والمال, والدين...) قبل الحاجيات, التحسينيات, وهو ما ينطبق على أمر المحاكمات سالفة الذكر. وجاءت السمة الخامسة والأخيرة من سمات منهج التفكير الكلي أنه منفتح على “ما يُسمى السياق الحضاري, ففي كل عمل أنا جزء من سياق, ثقافي اجتماعي, سياسي” وقالت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د. هبة رؤوف عزت في محاضرتها التي كانت بعنوان “أسئلة في النهضة”: “أسقطنا طويلاً فكرة السؤال, ولو تأملنا كثيرًا في المنهج القرآني, لوجدنا أن الأنبياء سألوا أسئلة لو سئلت الآن لقلنا أنها أسئلة من أجل الجدل”, وأضافت “يجب أن يصبح السؤال جزء من الثقافة التي نسعى إليها, والتي تسعى إلى بناء نهضوي”. وأوضحت أستاذة العلوم السياسية أن العقل العربي والمسلم بطرح أسئلة النهضة, حينما شعر أن هناك نهضة حصلت في أماكن أخرى من العالم, بدأ يسأل نفسه كيف وصلوا إلى ذلك، ولكن الإجابة لم تكن في مستوى السؤال، وأضافت: “من يسأل أسئلة النهضة يجب ألا يتوقع أنه سيتم الاحتفاء به, لأنه يسعى لتغيير أمورًا في الواقع مستقرة, التعرض لها يتعارض مع مصالح لآخرين, وقد تستخدم أدوات سياسية وأمنية أو شرعية لمجابهة تلك الأسئلة والمحاولات للتغيير. وهو ما طال الأفغاني والشيخ محمد عبده من قبل”. وتابعت د. رؤوف : “كما أن هناك جوانب كبرى يجب أن نسأل فيها فعلينا أن ندرك أننا يجب أن ندرك أن النهضة يجب أن تتعامل مع طريقة وسلوك عيش الناس في الحياة اليومية, أي تغيير منهجهم, نحتاج أن نترجم الأسئلة الكلية الكبيرة إلى تفاصيل صغيرة يتم فيها غرس القيم التي تساعد على النهضة, كربط العبادة بالعمل, وغيرها”, وقالت: “الأمة لديها كفاءات معطلة ومغيبة وموضوعة على طريق خطأ”.