غاب عن الكثيرين ممن تحدثوا عن عبدالناصر في ذكرى العيد الستين لثورة يوليو المجيدة، تحدثوا وأفاضوا عن أخطاء ارتكبها عبدالناصر" كما صور لهم منطقهم والذي كثيراً ما يكون معادياً سلفاً لعبدالناصر والناصرية"، غاب عنهم أن الأحداث وما يتخذ بشأنها من قرارات إنما هي وليدة الزمان والمكان والناس،فأحداث اعترضت مسيرة عبدالناصر في مصر في بداية النصف الثاني من القرن المنصرم ليست بالضرورة هي نفسها التي تعترض رئيس دولة أخرى في منطقة أخرى في نفس الحقبة الزمنية، واتخذ عبدالناصر في مواجهتها قرارات بعينها قد لا تروق للمحللين والمنظرين والمتفلسفين والمرتدين أثواب الخبراء الاستراتيجيين،ينظرون وهم في مكاتبهم المكيفة وبعضهم ابتليت به الدنيا بعد رحيل عبدالناصر،فعبدالناصر زعيم جاء ليقيم دولة وأمة في منطقة بعينها، لذا فإن القوى المعادية التي لا ترغب في وجود زعيم في هذه المنطقة بالذات وفي هذا التوقيت، وكان لزاما عليها كبح جماح طموح عبدالناصر الذي يضر بمطامع هذه الدول الاستعمارية ،فهذه الدول الطامعة ذاتها كانت في المقابل تدلل وتضع على الحِجْر دولاً أخرى تسير في ظل أحذية دول الغرب،هناك العديد من الرؤساء، من منهم جابهته كل القوى الغربية واعتدت عليه ثلاث دول في 56 وسعى الغرب بأسره إلى حماية الشوكة الكائنة في خاصرة العرب الشهيرة بإسرائيل ،إن عداء الغرب لمحمد علي هو عداء الغرب لعبدالناصر هو عداء الغرب لصدام هو عداء الغرب لحسن نصرالله وإسماعيل هنية هو عداء الغرب لكل عربي يسعى لأن يكون العرب شيئاً يذكر على خريطة الكون،هذا وعلى قدر الحدث كان خطأ عبدالناصر في حال الخطأ،مع الوضع في الاعتبار أنه لم يرتكب خطأ من باب الحفاظ على الكرسي أو الحفاظ على نرجسيته أو طموحه الشخصي ،كما أننا نظلم ذلك الزعيم الذي لم تجد ولن تجود المنطقة بمثله ولو على المدى المنظور،نظلمه إذا حاسبناه بعقلية وظروف وإمكانات اليوم،لأننا لا نحيا بداية النصف الأول من القرن الواحد والعشرين لا بداية النصف الثاني من القرن العشرين. لقد عاش عبدالناصر زمناً وعشنا معه هذا الزمن الذي تنفسنا فيه عزة وكرامة وطموحاً وأحلاماً وقف لها الغرب بالمرصاد،عشنا هزيمة يونيو 1967 ولم تتوقف عجلة التنمية رغم الهزيمة واستمرت لنا يد تبني ويد تحمل السلاح،ويأتي بعدها زمن الانتصار والعبور والسلام فتتوقف الأيدي عن العمل بفعل البطالة والخصخصة وتتوقف اليد الأخرى عن حمل السلاح إلا إذا كان رفعه في وجه الشقيق العربي،وننسى ونحزف مفردات الكرامة والعزة من قاموس العرب ونباهي لوقوفنا في ظل الحذاء الأمريكي الصهويني الذي صار يمثل صك بقاء حكامنا على الكراسي وبقاء دولنا على الخريطة وإلا فإن محو أسماء دول من جغرافية الكون إنما يمثل عملاً روتينيا. عبدالناصر وهزيمة يونيو كنا معهما في مركز قوة يدعو الأعداء إلى الطلب ليل نهار أن نجلس مع العدو لنتفاوض،نعترف به وتعود إلينا أرضنا المحتلة كاملة،ويرفض عبدالناصر ،وتدور الأيام ونجلس لا مع العدو ولكن تحت بساط يسير عليه العدو ،يلهو ويتبختر وليس علينا إلا القبول بما تجود به قريحته المريضة. تمنينا لو نحيا ولو في الحلم أياماً من زمن الشموخ في صحبة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر.