على واقع الويلات الممتدة التي عاشها الإنسان الأفريقي في الداخل والخارج، خرجت بعض التيارات الفكرية التي تعبر عن هذه الحالة التي عاني منها الأفارقة ومازالوا وكانت معظم الأفكار ترتكن ويسيطر عليها اللون كأساس جامع لشمل الأفارقة في الخارج ومحاولة الاستفادة من كل المحن والخبرات السلبية المتمثلة في صفحة الرق والاستعمار والتفرقة العنصرية التي كانت ومازالت تحمل حكايات الألم والاستغلال المفرط للبيض علي حساب السود، لذلك كان اللون يمثل بكائية للوصول إلي هوية أفريقية تجمع الأفارقة على حلم طال انتظاره ألا وهو أن تصبح أفريقيا للأفارقة. وكان علي رأس هؤلاء ماركوس جارفي الإمبراطور الأسود أو المخلص الأسود الرجل الذي كان حلمه يقوم على تحقيق الاستقلال التام للأفارقة والفصل بين الإنسان الأسود والأبيض. وكان الرجل واضحا في تركيزه علي اللون حتي أنه كان يري أن اللون هو أساس الوحدة كما يوجد في أوروبا وآسيا وكان دعوته تمثل صوتا عاليا للزنوج في ربوع العالم ونادي بأن يحكم الأفارقة أنفسهم لأنهم يعرفون كل مشاكلهم العرقية، مؤكدا في الوقت ذاته علي أن ذلك سيؤدي في النهاية إلي تحقيق المعني الواضح للإنسانية والسلام وسيصبح العالم عندها أكثر أمنا وسلاما في الداخل والخارج. وإيمانا منه بأهمية اللون بدأ في استخدام وسائل لتحقيق حلم أن تصبح أفريقيا للأفارقة فأنشأ العديد من المؤسسات منها جمعية الممرضات السود وهيئة الصليب الأسود وشركة بواخر النجم الأسود وأنشأ الرابطة العالمية لتقدم الزنوج بل دعا وأنشأ كنيسة أفريقية مستقلة رسم فيها الملاك باللون الأسود وصور الشيطان باللون الأبيض وقام بإعلان إمبراطورية للزنوج في أمريكا ونصب نفسه رئيسا مؤقتا لها. وأصبح لجارفي شعبية جارفة وكانت حركته ورؤيته وأفكاره يتم النظر إليها علي أنها دين جديد وكان يتم استقباله وكأنه المخلص الأسود أو المسيح الأسود ، وكان ينظر إلي الزنوجة باعتبارها مصدر قوة وإلهام وطالب مرارا التخلص من العقلية الزنجية التي صنعها الاستعمار ونار العبودية وهي عقلية تركن للخنوع وقبول الدونية وهو أمر من صنع الإنسان الأبيض سيطر بها طويلا علي الأفارقة وهو أمر مرفوض لأن أفريقيا هي مهد الحضارة الإنسانية في الوقت الذي كانت فيه أوروبا ترتع في الظلام والهمجية. يبقي لنا في النهاية كلمة مفادها أن جارفي وأفكاره يحتاج لأكثر من مقال ولكن أردنا أن نقول أن أفكاره لابد علي الأقل أن تقرأ ونعرفها أولا ثم بعد ذلك نستفيض ونحلل وهذا أمر قد يكون في مواضع أخري ، آخر ما أود قوله أن رغبة جارفي بالعودة لم تتحقق ومات غريبا بعيدا عن حلمه وكان ذلك الحلم سببا مباشرا بالربط بين حركته وأفكاره والصهيونية التي كانت تدعمه حتي أن حركته أطلق عليها الصهيونية السوداء، كما أنه يري أن السود هم شعب الله المختار وفي هذا نختلف معه ولكن الرجل وأفكاره ورؤيته بها الكثير من الرؤي كان لابد من تسليط الضوء عليها لعلنا في النهاية نكون قد مارسنا معيار الموضوعية التي أتمني أن تكون حاضرة دائما معي ، ويكفيه محاولة تحقيق الاستقلال بالمعني الواسع وتحرير الزنجي من أفكاره المغلوطة لذلك استحق الرجل لقب الإمبراطور الأسود حتي وإن كان هو صاحب هذه التسمية.