عندما نتحدث عن القارة الأفريقية يكون دائما الحديث علي طرفي النقيض فهي أم البشرية وفي نفس الوقت هي للأسف عنوان بارز للفقر والتخلف . وقد كان للقارة الأفريقية خصوصية علي كافة المستويات، لذلك كان الحديث عن رائد يجمع بين ممارسة السياسة وامتلاك ناصية الأدب والشعر وهما علي طرفي النقيض فالسياسة تتحدث بلغة العقل، أما الأدب والشعر فهما عنوان القلب والعاطفة. هذا الرائد هو الرئيس والشاعر السنغالي الراحل ليوبولد سيدار سينجور الذي يعد من القلائل الذي امتلك فك رموز السياسة والأدب معا، وقد ولد في أكتوبر عام 1906 في بلدة ساحلية جنوب داكار العاصمة السنغالية وكان ينتمي إلي الطبقة البرجوازية ولم يذق طعم الفقر والحاجة ولكنه رآه بعينه فيمن حوله وأتم تعليمه في السنغال، ثم سافر إلي باريس لاستكمال دراسته الجامعية وهناك تأثر بالثقافة الغربية وتعرف علي رائد مدرسة الزنوجة إيمي سيزار ونشأت بينهما صداقة كان عمادها النضال ضد المستعمر ورفض العبودية والاسترقاق والحصول علي الحرية الكاملة للرجل الأسود وقد كانت هذه الصداقة ذات تأثير بالغ علي آراء وأفكار سينجور . واجتمعت آراء سينجور علي محور التزاوج بين الثقافة السوداء التي تمثل العاطفة والثقافة البيضاء الفرنسية التي تمثل العقل، واصفا هذا التزاوج بأنه تكامل للحضارة الإنسانية ولا يمكن لأحدهما أن ينفصل عن الآخر. انتمي سنجور إلي التيار الشيوعي كما فعل الكثير من الشبان الأفارقة الذين ذهبوا للدراسة في الغرب واستهواهم بريق الفكر الشيوعي حيث كانوا يرون فيه المخلص من مخالب الاستعمار الجاثم علي صدور شعوبهم وبقي منتميا إلي هذا الفكر فترة طويلة وفي خلال هذه الفترة تم تسريحه من الجيش الفرنسي عقب الحرب العالمية الثانية والتي وقع في أثنائها أسيرا في أيدي الألمان. أتم سنجور حياته الفكرية بالنجاح في نهاية المطاف بما كان يحلم به طوال مسيرته العلمية عندما انتخب ليصبح عضوا مدي الحياة في الأكاديمية الفرنسية التي دخلها 29 مارس 1984 وانضم أيضا إلي عضوية لجنة القاموس الفرنسي وهذا أمر طبيعي إذا نظرنا إلي الموضوع من ناحية عطائه الفكري والخدمات الواضحة والجلية التي قدمها للغة والحضارة الفرنسية. يري مفكرنا محبة مطلقة للون الأسود والتفوق في بعض الجوانب علي الانسان الأبيض وبالغ وانتقد تجارة الرقيق الأوروبية ومدح في الاستعمار ويري أنه ساهم في تطور القارة وتحقيق مكاسب عديدة ويري سنجور أهمية خاصة في اتحاد الشعوب السوداء ولم تبرز هذه الثقافات السوداء المتحدة إلا من خلال الاختلاف مع الحضارات الأخري الذي سيؤدي في النهاية إلي وضوح الثقافة الزنجية عن الثقافات الأخري وعلي الرغم من ذلك فقد رفض رحيل الاستعمار عن القارة وذلك من خلال عضويته في الجمعية الوطنية الفرنسية ودعم في الوقت ذاته حق المواطنة الفرنسية للأفارقة!!!! بل ذهب لأبعد من ذلك حيث وصف ما قامت به فرنسا في القارة بأنه عمل حضاري. وفي النهاية يمثل سينجور نموذجا فكريا وثقافيا وسياسيا فريدا ولا أجد تصنيفا لهذا الرجل أفضل من إجابته بنفسه عندما سئل عن الخيار الذي ينحاز إليه ما بين أن يكون سياسيا أو أستاذا جامعيا أو شاعرا وأجاب: أختار قصائدي وهو صاحب النشيد الوطني لبلاده (الأسد الأحمر) ورحل الرجل عن السلطة طواعية كرئيس للسنغال عام 1980 وانتقل إلي فرنسا ومات في ديسمبر 2001 عن عمر ناهز 95 ولأهمية الرجل تم إعلان الحداد في السنغال لمدة 15 يوما وفرنسا نعته في بيان رسمي من الحكومة الفرنسية وصفته فيه بالصديق.