الكتابة القرآنية لها خصوصية تختلف أحياناً عن الكتابة الإملائية المتعارف عليها، فالكلمة الواحدة تكتب بشكلين مختلفين مرة حسب الكتابة الإملائية المعروفة ويكون لها معنى، ومرة أخرى مخالفة للكتابة الإملائية ويكون لها معنى آخر، على سبيل المثال كتابة كلمة (صلاة) بحرف الألف، وكتابتها بحرف الواو (صلوة) مع وضع حرف (الألف) صغيراً فوق حرف (الواو) لتنطق ألف وليس واوا ويظل لهما نفس نطق كلمة صلاة، ومثل كتابة امرأة بالتاء المربوطة وكتابتها بالتاء المفتوحة ويظل لهما نفس نطق كلمة امرأة، وهذا ما يعرف بالرسم القرآني. فمثلا كلمة الصلاة ومشتقاتها تكررت 83 مرة، وجاءت مكتوبة في القرآن بشكلين مختلفين، يشتركان في المضمون ويختلفان في المعنى، والصلاة في الحالتين تعني الصلة وأساسها الدعاء من المخلوق للخالق تعالى، وهذه الصلة تتم بطريقتين: الأولى بالدعاء والتسبيح، ليس لها طقوس محددة ويؤديها كل مخلوق على طريقته الخاصة وهى المكتوبة في القرآن "الصلاة" بالألف، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ..) النور 41، هنا الصلاة بالألف (صَلَاتَهُ)، فالطيور لا تصلي بالركوع والسجود، والصلاة في الآية بمعنى التسبيح والدعاء. والصلاة الثانية لها طقوس وحركات كالقيام والركوع والسجود، وتحتاج إلى الوضوء، وهى المكتوبة في القرآن "الصلوة" بالواو، قال تعالى: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَوةِ..) النور 37، هنا الصلاة مرتبطة بالإقامة وهى صلاة الفريضة. وأيضاً كلمة امرأة تكررت 11 مرة، وجاءت مكتوبة في القرآن بشكلين مختلفين، امرأة تكتب بالتاء المربوطة لتعني انقطاع علاقتها مع زوجها: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا..) النساء 128، أو أنها بلا زوج: (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ..) النمل 23، (..وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ..) الأحزاب 50. أما امرأت فتكتب بالتاء المفتوحة لارتباطها بزوج: (..امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ..) التحريم 10، (..امْرَأَتُ عِمْرَانَ..) آل عمران 35، (..امْرَأَتُ الْعَزِيزِ..) يوسف 30، (..امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ..) التحريم 11. لقد ميز القرآن الكريم في الكتابة بين صلاة المخلوقات والتي تعني الصلة بالتسبيح والدعاء، وبين صلاة الفريضة والتي تعني الصلة بالقيام والركوع والسجود، كما ميز في الكتابة بين المرأة التي هجرها زوجها أو التي بدون زوج، وبين المرأة المتزوجة. والسؤال: ما الفائدة من معرفتنا أن في القرآن كلمات تكتب بشكلين مختلفين؟ الفائدة في فهم القرآن بشكل أفضل، وأنها تعطي الدليل على أنه كتاب إلهي لمن يؤمنون به ولكن لا يملكون الدليل، وفي الرد على من يشككون في القرآن ويرونه كتابا مملوءا بالأخطاء الإملائية لمخالفته للكتابة العربية، مما يجعلهم يقرأونه قراءة مختلفة.