كانت مناظرة سيدنا إبراهيم الخليل مع من أراد أن ينازع الله تعالى في عظمته ورداء كبريائه الذى أدعى الربوبية، وهوَ أحدُ العبيد الضعفاء تبين لنا فطانته – عليه السلام - وكيفية إقامة الحجة على من تجنى على الله ظلماً بأنه رباً للعالمين من دون الله. حيث قال الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم في سورة البقرة: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ». وقال المفسرون وغيرهم من علماء النسب والأخبار، إن هذا الملك هو ملك «بابل»، واسمه «النمرود بن كنعان» وذكروا أن نمرود هذا استمر في ملكه 400 سنة، وكان طاغيا وتجبر على الناس وآثر الحياة الدنيا، فلما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل والضلال على إنكار وجود الله تعالى، فحاجّ إبراهيم الخليل في ذلك وادعى لنفسه الربوبية، فلما قال الخليل: «رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ»، فأتى قد حكم عليهما بالإعدام، فأمر بقتل أحدهما، وعفا عن الآخر، فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر. ثم قال له الخليل: «فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ» أي هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها، فإن كنت كما زعمت من أنك الذي تحي وتميت فآت بهذه الشمس من المغرب فإنّ الذي يحيي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء، فإن كنت كما تزعم فافعل هذا، فإن لم تفعله فلست كما زعمت، وأنت تعلم أنك لا تقدر على شيء من هذا بل أنت أعجز وأقل من أن تخلق بعوضة أو تنتصر منها. فبين ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه، وبطلان ما سلكه وتبجح به عند جهلة قومه، ولم يبق له كلام يجيب الخليل به بل انقطع وسكت، ولهذا قال الله: «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ». قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبّار ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه، ثم دعاه الثانية فأبى عليه، ثم دعاه الثالثة فأبى عليه، وقال ذلك الملك: "اجمع جموعك وأجمع جموعى" فجمع النمرود جيشه وجنوده، وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذبابا بحيث لم يروا عين الشمس وسلّطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاما باديةً، ودخلت واحدةٌ منها في منْخَر الملكِ فمكثت في منخره 400 سنة، عذبه الله تعالى بها فكان يُضْرَبُ رأسُه بالمرِازب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها.