وكأن الأيام "الحلوة" مكتوب عليها أن تجرى بسرعة وتضيع منا كما ينساب الماء من بين أصابعنا.. فها هو شهر رمضان يطل علينا يومه الثالث فى غمضة عين. فهل فكر أحدنا فى وقفه مع النفس ليفتش بداخله عن طاقة نور ربما تكون نقطة تحول حقيقية فى حياته تدفعه الى الطريق الصحيح بدلاً من هذا "التوهان" الذى نحياه فى ظل هذا الكم الهائل من المغريات "الدنيوية" التى لم ولن نجنى من ورائها سوى المزيد من الحسرة والندم وقت لا ينفع الندم. وبينما نعيش تلك الحالة الروحانية التى تفوح من نسمات شهر رمضان، تذكرت قصة الزاهد الجليل إبراهيم بن أدهم.. فقد كان والده من أغنى أغنياء خراسان وأحد ملوكها، ففتح إبراهيم عينيه على الحياة ليجد الثراء يحيط به من كل جانب، فعاش حياة الترف والنعيم.. يأكل ما يشاء من أطيب الطعام ويمتلك أحسن الجياد.. ولا يرتدى سوى ثياب الحرير الفخمة. وذات يوم خرج ابن ادهم راكبًا فرسه ليمارس هوايته فى الصيد وأخذ يبحث عن فريسة يصطادها وبعد ان توغل فى الصحراء بحثاً عن "الفريسة" سمع نداء من خلفه يقول له: (يا إبراهيم ليس لهذا خلقت.. ولا بهذا أمرت) فوقف يبحث عن مصدر هذا الصوت فلم ير أحدًا.. فشعر بقشعريرة تسرى فى جسده فما كان منه إلا أن قال: "والله لن أعصى الله بعد يومي هذا.. ما عصمني ربي". وكانت هذه هي اللحظة الفارقة في حياة إبراهيم بن أدهم، فبعد أن رجع إلى أهله ترك على الفور حياة الترف والنعيم ورحل إلى بلاد الله الواسعة ليطلب العلم وليمارس الزهد قولا وعملاً ولينعم بالورع والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى.. ولم يكن متواكلاً يتفرغ للعبادة والزهد فقط ويعيش عالة على غيره، بل كان يأكل من عمل يده.. فكان بحق مستجاب الدعاء. والآن ونحن نعيش تلك الأيام المباركة التى تمر أمامنا سريعاً، هل نتوقف أمام أنفسنا للحظات ونفتش بداخلنا عن طاقة نور ربما تكون هي فرصتنا الحقيقية لإعادة النظر فيما نحن فيه الآن، فتكون هى نقطة الانطلاق الحقيقية نحو الحياة الأفضل قاصدين رضاء الله. أم سنظل على عنادنا ونعيش حياتنا هكذا ب"الطول والعرض" وننتظر الى أن نستمع للصوت الذى قد يفيقنا من غفلتنا؟.. لكن الخوف كل الخوف أن يتأخر هذا الصوت أو لا يأتى مطلقاً، فنصبح وكأننا فى انتظار ما لا يجيئ!! خير الكلام: قال تعالى فى ختام سورة البقرة (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).. صدق الله العظيم.