«علمت أن القبر بيتى وليس معى مؤنس ورأيت الطريق بعيدا وليس لى زاد وعلمت أن هناك جبارا سيحاسبنى».. تلك الجمل الثلاث أدرك إبراهيم بن أدهم معناها وسيطرت على تفكيره فترك ملكه وخرج وليس معه سوى مصحفه وجواده وعاش حياة الزهد ولقب بسلطان وإمام الزاهدين . تفرغ إبراهيم بن أدهم للزهد تاركا أملاكا كثيرة وثروة عظيمة لأنه كان أغنى بنى قومه وكان رجلا متدينا وصالحا ولم يكن يفسد فى الأرض وفضل الزهد والتفرغ للعبادة وسار يتنقل بين البلاد زاهدا وهذا سبب تلقيبه بإمام الزهاد وكان كل من يعرفه يقول له ما أصابك يا ملك ؟ فيرد عليه قائلا : أنا لست ملكا وإنما عبد فقير من عباد الله . لم يكن قرار الزهد سهلا فقد أخذ من ابن أدهم وقتا كبيرا وتفكيرا عميقا حتى استقر على ترك ما لذ وطاب للتفرغ لعبادة رب العباد وترك كل شىء ولم يأخذ معه سوى ملابسه على فرسه وقابله وهو سائر فى الطريق رجل عجوز فأعطاه ملابس الملوك التى كان يرتديها وأخذ منه الجبة الصوف ولبسها وبعد فترة من السير دفن سيفه بالصحراء خوفا من أن يؤذى به أحد وكان يوقد النار طوال الليل ولسان حاله يسبح ربه العظيم . كان لابن أدهم عشرات العبيد فجمعهم وقال لهم: أنتم جميعا أحرار وذلك قبل مغادرته لحياة الملوك والرغد الى حياة التقشف والزهد وقد قابله احد عبيده لحظة انطلاقه بفرسه وأخبره بأنه جمع له أموالا كثيرة فلم يفرح بالأموال وقال له: اعط كل ذى حق حقه وطبع من المصحف نسخا كثيرة ووزعها على الناس وامنح باقى النقود للفقراء والمساكين فعرض عليه مملوكه أن يأخذ أكياسا من الدراهم لينفق منها فوضع ابن أدهم يده فى الكيس واخرج درهما واحدا وقال: هذا يكفى وصار حتى وصل انطاكية ودخل مسجدا وصلى فيه العشاء وبعد الصلاة طلب منه المؤذن أن يخرج من المسجد لإغلاقه فطلب منه أن يسمح له بالمبيت فيه لأنه غريب . رفض المؤذن توسلات ابن أدهم واصر على إخراجه من المسجد حتى لا يضار أو يتعرض لاذى ووصل الامر الى ان المؤذن اخرجه بالقوة وصرخ فى وجه قائلا: «سأخرجك حتى ولو كنت إبراهيم بن أدهم فقال له «إنا إبراهيم بن أدهم يا رجل» . خرج إبراهيم بن أدهم وسار دون أن يعرف وجهته وبعد مسافة من السير وجد عبدا أسود ففكر أن يطلب منه المبيت معه ولكنه خشى ان يكون العبد الأسود أشد قسوة من المؤذن فسار بجانبه ولم يتحدث معه إلا أن العبد بادر بتقديم قرصين من الشعير له فتقرب ابن أدهم منه وتحدث معه وعرف أنه مملوك فطلب منه الزاهد أن يدعو الله ان يحرره من عبودية الاشخاص إلى عبودية الواحد القهار . وبذلك تحول ابن أدهم من ملك للأغنياء الى ملك الزهاد فكان يترك بصمته الخاصة فى الزهد فى كل قرية يمر بها بفضل طلاقة اللسان التى وهبهها الله له وساعدته فراسته على التعامل مع الاشخاص على مختلف نوعياتهم ودخل بفضل الله وبجهد منه العشرات الإسلام على يده وكان لديه حرص شديد على نشر الدعوة الاسلامية . توفى سلطان الزاهدين إبراهيم بن أدهم فى إحدى جزر البحر المتوسط ودفن فى مدينة جبلة على الساحل السورى وبجوار مدفنه أقيم مسجد باسم مسجد السلطان إبراهيم وهو من أشهر مساجد مدينة جبلة .