لا تقلقوا على المصريين

حتى فى أغرب المواقف، وأحلك الظروف، فإن المصرى لا يتوقف عند هذه السفاسف، وإنما يتدخل بحكمة فطرية تجعله يبحث عن نقوده، والدليل هذه الأحداث:
المشهد الأول: خلفية من موسيقى حزينة، بها لمسة من «التعديد» على غرار «آه يا عينى. يا عينى. عينى على الولد». قالت الزوجة وهى تبكى: «لقد مال بختى منذ زمن بعيد. لم ينصفنى أحد فى دنياى. حتى زوجى لا يريد أن يشترى لى (تليفزيون ملون)! بدلا من التليفزيون الخردة الأبيض والأسود الذى ورثه عن جدته. ماذا أقول لجاراتى اللاتى يعايرننى، هل أصارحهن بأن زوجى الصنايعى الكسيب ينفق ماله على المخدرات والساقطات؟! آه يا ميلة بختى».
لقطة: الزوج يمضى فى عزم إلى أحد محال بيع التليفزيون. واضح أن سلاح النكد الزوجى قد أفلح بالمناسبة. هو بالمناسبة رجل بمعنى الكلمة. يتفجر رجولة وفحولة. رشدى أباظة الميكانيكى! ينم عن ذلك شاربه الكث وشعر صدره الثائر، الذى يحرص على إبرازه، وملامحه التى هى ملامح صنايعى كسّيب يصعب خداعه.
المشهد الثانى: خلفية من موسيقى راقصة تمتلئ بالفخر والمرح على غرار «إحنا وبس.. بناتنا وبس». التليفزيون الملون يحتل موضع الصدارة ويتألق بإشعاعه الملون. الزوجة ترتدى فستان نوم أحمر، وتطلق زغاريد مدوية. والزوج يجلس شامخاً كرجل أنجز، ورائحة الكباب الفواحة تبشر بليلة حمراء. بإذنكم يا جماعة.
لقطة: يستيقظ الرجل من نومه. يشعر بشىء غير مألوف، فيجرى إلى الشرفة، ينظر إلى السماء فيجدها باللون الرمادى بدلا من الأزرق الجميل. يزأر منادياً زوجته التى استيقظت فزعة. يخبرها بالحقيقة المروعة: لقد اختفت الألوان من العالم، وبالتالى لم تعد للتليفزيون الملون قيمة.
لقطة: عالم الطبيعة الأشهر يدلى بالتصريح التالى: «فى الحقيقة.. فى الواقع.. معامل انكسار الضوء قد اختلف فى ظروف غامضة وجار البحث والدراسة».
لقطة: سيارات مهشمة على طول الطريق ولا أحد يدرى هل كان لون إشارات المرور أخضر أم أحمر؟
لقطة: المجلس العسكرى يتهم شباب الثورة بأنهم السبب، ومصطفى بكرى يؤكد أنها مؤامرة من «البرادعى».
المشهد الثالث: نفس الخلفية الموسيقية الحزينة التى صاحبت المشهد الأول، إلا أن لمسة التعديد قد صارت واضحة، مع بعض الصراخ الصريح. الزوجة تلطم خديها حسرة على حظها العاثر، إذ تحولت الدنيا إلى اللونين الأبيض والأسود بمجرد حصولها على تليفزيون ملون. الزوج الفحل ساخط على ماله الذى ضاع هباء، ثم ينتفض فى عزم وكأنه ينتوى أمراً ما.
لقطة: الزوج يسير فى الشوارع حاملاً التليفزيون الملون. حالة فوضى عارمة فى الطرقات. والراديو يذيع مارشات عسكرية دلالة على خبر مهم مرتقب. الزوج يقتحم المحل، لاعناً أسلافهم، ومطالبا برد الجهاز واسترداد ماله. عبثاً ما يحاول الباعة إقناعه بأنه لا يد لهم فى هذا الأمر، إلا أنه حشد كل ذكورته وفحولته للتأثير. وبالفعل استرد نقوده.
مشهد الختام: تصاحبه موسيقى النصر من قبيل «المصريين أهمه. حيوية وعزم وهمة...إلخ». الرجل يسير فى فخر مرفوع الهامة، سعيداً بالنقود التى استعادها. ألم أقل لكم من قبل «لا تقلقوا على المصريين».
نقلا عن المصرى اليوم