منذ أن تزوجا و هو يعيش حياته بأبجدية محددة بنظام ثابت لا يتغير , يستيقظ من نومه الساعة السادسة صباحا يأخذ حمامه و يصلى يتريض قليلا يصنع لنفسه ماج نيس كافيه سادة بدون لبن و لا سكر يدخل حجرة المكتب ليضع برنامجه اليومى و يحدد أولوياته , يتصفح الجرائد أون لاين يقوم ببعض الأعمال على النت حتى الساعة الثامنة و النصف , يخرج من حجرة المكتب , يرتدى ملابسه , يقبلها و هى نائمة مازالت و يخرج من البيت فى تمام التاسعة ليكون فى مكتبه فى العاشرة و يأخذ قهوته السادة لأنه قرر أن يفقد بعض الكيلو جرامات التى أدرك أنه قد زادها فى الآونة الأخيرة , ويظل طوال يومه فى إجتماعات و مقابلات و ردود على تليفونات و سؤال عن نتائج أعمال و متابعة البورصة حتى الساعة الثامنة مساءا , فيخرج من مكتبه ليتوجه الى البيت فتكون فى إنتظاره , يقبلها قبلة سريعة و لكنها ودودة , و يدخل ليأخذ حمامه حتى تجهز الغداء المتأخر فيجلسا معا على التربيزة , فقد عودته أن يتم تناول الطعام فى المطبخ , وهذا ما ساعده على أن يختصر دخوله فى المنزل على اأماكن معينة , فهو لا يدخل الصالون إلا إذا كان لديهم ضيوف , ولا يدخل حجرة السفرة إلا نادرا و فى الأعياد و المناسبات و لا يدخل إطلاقا حجرة المعيشة , فحياته قاصرة على حجرة النوم و حجرة المكتب و المطبخ و الحمام , ينتهى من تناول الطعام فتعد له القهوة السادة , و تذهب الى حجرة المعيشة مع قنوات التليفزيون مع الأغانى و الإعلانات و برامج المرأة و المسلسلات , وكثيرا ما كانت تذهب إليه بحجة سؤاله هل يريد فنجان قهوة , و أحيانا تسأله عن رأيه فى تسريحة شعرها , فى ملبسها , تحكى له شىء حدث أثناء النهار , و نسيت أو تناست أن تقصه عليه أثناء العشاء أو الغداء المتأخر , كثيرا ما كانت تدخل إليه بغير سبب لمحاولة أخذه من عمله و كتبه و أوراقه , و قليلا جدا ما كان يستجيب , فهو قطار كهربائى يسير على قضبان لا يغير مساره و لا يقف إلا فى محطات محددة حددها هو لنفسه بنفسه ولا يغيرها و لا يحيد عنها تجلس فى حجرة المعيشة أمام التليفزيون , تشاهد الأفلام العربية أو الأجنبية الرومانسية , فترى ما يفعله البطل مع البطلة , و ما يقوله لها من همسات حب ترى عماد حمدى فى فيلم بين الأطلال عندما إقترب من فاتن حمامة قائلا أنا مش عايز أبوسك يا منى لكن أنفاسك دى خسارة تروح فى الهوى , صدرى أنا أولى بيها فتسبح بخيالها إلى أيام الخطوبة الجميلة , أيام كان يحمل لها الورود و كان يسمعها عذب الكلمات و تتمتم .. كانت أيام و تضغط على زر الريموت , و تحول القناة فترى عرض للباليه الروسى و تسبح فى جمال الموسيقى و بديع الحركات و تتذكر يوم ذهبا الى باليه الجمال النائم , كم سعد زوجها بهذه السهرة حتى أنه قبلها ثلاث مرات و هو من إعتاد على تقبيلها مرة واحدة قبل النوم ... تبتسم و هى تذكر أنه قبلها فور خروجهما من دار الأوبرا فى السيارة , و عندما بدل ملابسه و هو يستعد للذهاب الى حجرة المكتب لإستكمال مسيرة العمل اليومى الذى أبدا لا ينتهى سألته فى دلال و على إستحياء , إنت لسة هتشتغل فعندها قبلها وقال مش هتأخر ... و بالفعل لم يتأخر , و بعد قليل كان معها أخذها بين ذراعيه و قبلها و قبلها و قبلها كثيرا و سألت نفسها لماذا لا نكرر هذه الخروجات فهى تسعده جدا , و إنتبهت عندما سمعت إعلان عن حفلة للموسيقا العربية يوم الخميس القادم فأسرعت إليه , و سبقها عطرها الفواح فرفع رأسه و إبتسم لها دون سؤال و لعله يحزر ماذا تنوى , فأخبرته عن الحفلة و عن رغبتها فى الذهاب فقال الخميس سوف أكون مشغول ,,, كلام حاسم قاطع لا رجعة فيه , و تركها و عاد أدراجه لأوراقه , فيأست من وقفتها وقالت فى نفسها ألا يتوقف هذا القطار قليلا و عادت الى حجرة المعيشة مع عطرها , بقميص نومها , بتسريحة شعرها , مع القنوات , مع البرامج , و طعم البيوت و لقطة من الأمثال الشعبية و قالت جدتى ,,, برة و جوة فرشت لك و إنت مايل و إيه يعدلك ... تتصعب قليلا على ميلة بختها ,,, و تغير القناة فيجيأها صوت الراحل عبد السلام النابلسى فى شارع الحب , ناس ليها بخت و ناس ليها ترتر ,, يزداد إحساسها بالملل فتتحدث مع صديقاتها أو تدخل على الشات مع أقاربها فى اليونان و كندا و أصدقائها فى فرنسا و أبوظبى لم يكن يومها يحملها عبئا ثقيلا , و هو لم يسألها يوما أين ذهبت أو متى خرجت ومتى عادت ,, فأحيانا كانت تخرج فى الصباح الى النادى لتنزل حمام السباحة أو تتريض ,, و أحيانا أخرى تذهب فى جولة شرائية , و ترى ما يعجبها فتقوم بشرائه سواءا لها أو له , فهو لم يمنعها شيئا قط ,, و كثيرا ما كانت تتصل به لتناول الغداء فى النادى , و قليلا ما كان يستجيب , و كثيرا ما يرفض , و طبعا الحجة معروفة الشغل , و تعود لتجلس فى حجرة المعيشة مع التليفزيون و مذيعات الربط فى كافة القنوات التى أصبحت تعرف مواعيد ظهورهن و الأكثر أصبحت تعرف ملابسهن كلها و تحفظ لكنات و حركات كل منهن و اليوم مثل باقى الأيام , بعد تناول الغداء دخل حجرة المكتب وراءه فنجان القهوة و عادت الى حجرة المعيشة , و لكن حدث شىء مختلف , قليلا ما يحدث , فجأة إنقطع التيار الكهربى , و ساد المكان الظلام و الصمت التام , أسندت جسدها على ظهر الكنبة , و مالت برأسها للخلف لمدة قليلة و شق جو السكون حركة الأوكرة , أوكرة باب المكتب , و خرج مناديا عليها بهدوء أين أنت ؟؟ فأجابت أنا هنا فى مكانى المعتاد , فجاءها و جلس بجوارها سائلا لماذا هذا الظلام , ألا يوجد لدينا شمع , فقالت عندنا , و همت لتأتى به فمد يده ممسكا بيدها قائلا مافيش داعى ,, لمسة يد ليد , نداء خفى , حوار هامس لا يقرأه إلا من كان له قلب يحس ,فجلست بجواره و إنطلق فى الكلام على غير عادته , يحكى و يحكى , و هى تسمع , و ترجو من الله ألا تعود الكهرباء أبدا , ووجدته يتحرك فيضع رأسه على قدمها , يتوسدها و يطلق آاااهة عالية قائلا كم أنا متعب ,,, تذكرت يوم كانا فى شهر عسلهما فى رحلة بحرية , وكان يحب أن ينام فى حجرها هكذا مغمضا عينيه تاركا أصابعها تتخلل شعره و تداعبه , فإبتسمت و مدت يدها بين خصلات شعره حقيق , أنه أقصر كثيرا مما كان و لكنها كانت سعيدة جدا , وإنتقل إحساسها إليه فى حوار صامت للعشق ليس للكلمات سلطان عليه , فضمها و تلاقيا فى قبلة طويلة طويلة ,,,, و لكن لأن دوام الحال من المحال , و لأن الدنيا تسقينا الحب و السعادة على المهل , فقد عادت الكهربااااااء و جاء صوت التلفاز و معه صوت أم كلثوم الجميلة تغرد قربك نعيم الروح و العين و نظرتك سحر و إلهااااام .......... و لكن هناك دائما وقت للعمل , فقام تاركا إياها , يعدل من هيأته و كأنه ينفض عنه آثار تهمة أو فعل شائن وجد نفسه يفعله رغما عنه ,,, تابعته فى حسرة و لسان حالها يلعن الكهرباء و شركة الكهرباء و قالت فى نفسها كم كان محظوظ الإنسان البدائى , قبل إختراع الكهرباء , و حقدت على أديسون جدا , و تعجبت كيف تتذكره فى هذا الوقت و هى التى تتمتع بذاكرة ضعيفة جدا مع الأسماء و لكن و هو فى طريقه إلى حجرة المكتب , وقف قليلا عند الباب و إستدار قائلا ,,, يجب أن تستعدى لحضور حفل الموسيقا العربية يوم الخميس ,,, و دخل الحجرة و تركها هائمة فى سماء تجمعها به , تحلم بها , يوم الخميس و حفل الموسيقى العربية .... و قالت فى نفسها بركاتك يا شركة الكهرباااااااا, و كانت أول حالة من نوعها تريد أن ترسل لشركة الكهرباء برقية شكر على إنقطاع التيار طالبة إياهم بكثير العودة , ليتوقف القطار عن المسير وينظر للحضور و يقترب و يتعايش و يعيش واقع الحياة