لا يوجد في الدنيا أجمل من سماع صوت "انفجار" ضحكة عفوية.. ضحكة صافية تدوي أصداؤها في جسد "صاحبها" قبل أن تخرج وتزلزل أرجاء المكان، وتتحول سريعا إلى "فيروس"معد.. "يتفشى" ويصيب كل من يسمعها، ولا تمر لحظات إلا وتداهم الجميع "أعراضها"، ويتملكك المرض.. آسف الضحك من كل من شهد وسمع أول شرارة لانفجارها. إنه الضحك.. الوجه الوحيد للعملة النادرة والأغلى ل"راحة البال" في سوق الحياة والدنيا.. رمز السعادة والمعنى الحقيقي للغنى والثراء، التي تعجز عن منافستها فيه ملكية كل الصكوك البنكية.. بأصفارها المليونية، وتلال أوراق البنكنوت.. وحتى السبائك الذهبية. مات روبن ويليامز.. إمبراطور الضحك وصنمه الأشهر، ملياردير الأرصدة الجماهيرية.. ومعشوق الإنسانية، بلياتشو السيرك الذي مات وعينيه تمتلئ بدموع "لا تجف" حزنا على حاله. مات الرجل الذي كان يضحكنا بجد دون افتعال أو سخف أو اصطناع.. مات الراجل أبو دم خفيف.. الراجل الذي كان يمتلك القدرة على إضحاكنا في زمن الأنانية والنفعية والانتهازية، زمن القنابل النووية والعنقودية.. زمن المجاعات والصراعات.. عصر المذابح الجماعية. مات الرجل الذي كانت نكاته تفجر دموعي وتغرق وجهي.. ويجعلني أترنح من فرط الضحك سواء في أفلامه أو برامجه أو حواراته.. مات "مداوى" الأحزان.. مفجر الأدرينالين في الأوردة والشرايين. مات الفقير الهندي الذي كان يضحك الملايين ليل نهار وهو يتراقص ويقفز فوق المسامير وقطع الزجاج والنار.. وعندما سقط جريحا راحت الناس تسخر منه وتضحك عليه وتتهمه بالغباء، ولم يتذكروا من سيرته وكل أفلامه وقفشاته ونكاته إلا تراجيديا خاتمته ووفاته، يلومونه تارة.. ويكفرونه ويوبخونه تارة.. غافلين أنه أصيب بأخطر أمراض الأرض والعصر وأشدها فتكا بالإنسان، الداء والمرض "الخفى" الذي لا تستطيع "مجاهر أو تليسكوبات" ولا أشعة أو سونار كشفه أو إظهاره.. الاكتئاب!! حزن شديد شج قلبي وأنا أسمع للمرة الأولى خبر وفاته، وجميع أفلامه وقفشاته ونكاته راحت تتردد في أذني وأنا أتابع تفاصيل موته ورحيله.. نوبة شجن اعتصرتني وأنا أشاهد المصحة النفسية التي كان يعالج فيها.. ملك الضحك لم يعد قادرا على الضحك، ولم يعد يرى في الدنيا إلا أسوأ ما فيها، والشهرة والنجومية والثراء لم تستطع شراء دواء يشفيه، أو تخترع "حقنة" تداويه، وتعيد له روحه المشتعلة.. التي كانت مشتعلة.. بحب الدنيا والحياة.. آسفين يا وليامز.. لم نكن نعرف أنك كنت تضحك.. من شدة الألم. أنا لا يعنيني جنسيته أو دينه ولون بشرته.. أنا أنعى "عضو" في دولة "البشرية".. وجار يسكن ذات الكوكب ويعيش على الكرة الأرضية، وفى نفس الوقت زميل في "الإنسانية"، كان بيتعب ويشقى ويذاكر ويقفز و"يتشقلب" ويبكى أحيانا.. عشان يضحكنى.