هل نجح روبن ويليامز فى إتمام ما فشل فيه فى فيلمه الأخير؟ هناك علاقة ما بين رجل العائلة روبن ويليامز، وبين أدواره وأفلامه، هو مُحب للغاية لعائلته كما يظهر فى كثير من أفلامه، وهو شخص محبوب من كل مَن عرفه أو حتى شاهده ضاحكًا ومُضحكًا، مؤثرًا وباكيًا ومُبكيًا، قليل من نجوم التمثيل مَن تنصهر شخصيته فى الحياة بشخصياته على الشاشة، يمتزج مرحه وتلقائيته وبعض النُزق مع نزعة للحزن والميل للاكتئاب، فيلمه الآخير «أكثر الرجال غضبًا فى بروكلين» The Angriest Man in Brooklyn يتناول الأيام الأخيرة فى حياة هنرى أولتمان رجل الأعمال عصبى المزاج الذى يكتشف أنه مصاب بمرض خطير ولديه زمن قصير للغاية فى الحياة، يظن بسبب سوء تفاهم عبثى مع طبيبته الشابة المرتبكة أن لديه 90 دقيقة فقط قبل أن يموت، ويحاول فى هذا الزمن القصير للغاية الاعتذار لعائلته التى ابتعد عنها بسبب عصبيته، لكنه يفشل فيحاول الانتحار ويقفز من فوق جسر بروكلين وتنقذه الطبيبة الشابة الحسناء التى تتابع حالته، ميلا كونيس. فى هذا الفيلم يقرر ويليامز البقاء على قيد الحياة الأسابيع الأخيرة فى عمره بين عائلته التى تحيطه بالحب والحنان وتغفر له حدّته وغضبه وعدم تفهّمه وابتعاده عنها، فى الحياة قرر ويليامز شنق نفسه فى لحظة يأس واكتئاب لم يتمكَّن من مقاومتها ولم يجد ميلا كونيس بجواره تحميه من قراره يالتخلُّص من حياته. هذا الفيلم رغم بساطته ورغم أنه ليس أفضل أو أعظم أدوار روبن ويليامز، فإنه يحمل ملامح من أدوار كثيرة قدَّمها سابقًا، يمكن أن نقول إن هذا الفيلم يجسِّد سينما روبن ويليامز بشكل أو بآخر، الأدوار الإنسانية البسيطة التى تتلاشى فيها المسافة بين المأساة والكوميديا، إنه الممثل القادر على أن يجعل المشاهد يضحك بصوت عالٍ، وفى اللحظة التالية يبحث عن منديل يمسح دموعه تأثُّرًا، وهو أيضًا الفيلم الذى حاول روبن ويليامز الانتحار فيه وفشل! ماذا لو أصبح كل البشر روبن ويليامز؟! فى اليوم الذى أعلنت فيه وكالات الأنباء خبر وفاة ويليامز، كانت القناة الثالثة فى شبكة «بى بى سى» تعرض بالصدفة إحدى حلقات مسلسل الأنيميشن الشهير «رجل العائلة» Family Guy، بيتر جريفن الشخصية الرئيسية فى المسلسل تمنَّى أن يكون كل البشر روبن ويليامز، ويحدث أن يضربه البرق بصاعقة يقوم بعدها وقد امتلك قوى خارقة تجعله يحول أى شخص يلمسه إلى روبن ويليامز! وهب الله روبن ويليامز ابتسامة قديس متسامحة بريئة تعبِّر عن شخص متواضع ومُحب للآخرين، هذا ما يمكن التقاطه على الشاشة، وربما تكون مهارته التمثيلية تضيف إلى هذه الابتسامة كثيرًا من المعانى، لكن مشاهدة ويليامز فى أى لقاء تليفزيونى أو حتى فى حفلات الأوسكار وهو يحاول إدخال البهجة إلى قلوب زملائه تشى بأنه كان إنسانًا مُحبًّا للمرح والابتسام وحريصًا على إبهاج مَن حوله. عرف ويليامز الممثل كريستوفر ريف الشهير بدور «سوبر مان» فى أثناء دراستهما معًا للدراما، وبعد أسبوع من سقوط ريف من على صهوة جواد فى سباق للخيل وإصابته بشلل، قام ويليامز بزيارته متنكرًا فى هيئة طبيب جراح، مرتديًا زيًّا طبيًّا وعلى وجهه كمامة، وكان يتحدَّث بلكنة روسية ويتصرَّف بحماقة شديدة، ويقول ريف «بعد أن خلع ويليامز عن وجههه قناع الجراح وتعرَّفت عليه لم أتمالك نفسى من الضحك، وكانت المرة الأولى التى أضحك فيها منذ الحادثة»، ظل ويليامز وفيًّا لصديقه يزوره باستمرار حتى وفاة الأخير عام 2005، ويليامز من هواة اللعب والمرح ولديه ولع خاص بالكمبيوتر وألعاب الفيديو جيم، من هذه الألعاب سلسلة ألعاب «أسطورة زيلدا» التى بلغ إعجابه بها حد تسمية ابنته «زيلدا»، وفى السينما قدَّم للأطفال عديدًا من الأعمال، منها الطفل الذى ضاع فى لعبة مسحورة فى «جومانجى» Jumanji، والعالم الأحمق الرومانسى فى «فلابر» Flubber، وفى Bicentennial Man جسَّد دور الإنسان الآلى الذى يمتلك مشاعر بشرية. رجل العائلة والانتحار المؤجَّل تقارير الشرطة الأمريكية التى تكون عادة متحفظة حتى تتأكد من أن أى محاولة انتحار ليست جريمة قتل، أشارت إلى أن روبن ويليامز المولود عام 1951، مات منتحرًا. وصف الوفاة أنها نتيجة الاختناق تشير إلى أن الكوميديان صاحب الابتسامة المتسامحة شنق نفسه نتيجة معاناته لاكتئاب خلال الفترة الأخيرة، لا بد أنه استعرض فى دقائق حياته الأخيرة تفاصيل حياته منذ البداية، ورغم كل ما بها من شهرة ورفاهية وفكاهة لم يتبقَّ منها سوى مرارة الاكتئاب الذى كان يعانيه، والذى بدأ معه منذ بدايات شهرته، كانت آخر صورة نشرها على الإنترنت فى الأول من أغسطس الجارى صورة بالأبيض والأسود يحمل فيها ابنته زيلدا، وهى طفلة صغيرة، كتب تحت الصورة تهنئة لها بمناسبة إتمامها 25 عامًا من عمرها، من المدهش أن رجلاً محبًّا لعائلته، كوميديانًا ناجحًا لم يبتذل نفسه أو أسلوبه الكوميدى طوال سنوات عمله التى امتدت منذ السبعينيات حتى الآن، ما زال ناجحًا ومطلوبًا فى هوليوود ولديه قائمة من الأفلام التى كان يفترض عليه البدء فى تصويرها ولديه 3 أفلام على وشك العرض، منها الجزء الثالث من «ليلة فى المتحف»، لكنه قرر فى لحظة التخلُّص من حياته! عانى ويليام فى بداياته فى السبعينيات وأوائل الثمانينيات من إدمان الكحول والكوكايين، كان فى بدايات نجاحه وشهرته، ورغم انجرافه فى عالم الإدمان فإنه قرّر التوقُّف بعد صدمته فى الوفاة المبكرة لصديقه الشاب جون بلوشى، بسبب جرعة زائدة من الكوكايين، وبعد إنجاب ويليامز ابنه الأول قرر التوقُّف عن الشرب والمخدرات تمامًا، ودخل بإرادته مصحة لعلاج الإدمان٬ وعلى طريقته الساخرة اختار مصحة فى مقاطعة مشهورة بإنتاج النبيذ، وعلَّق قائلاً «كى تبقى كل الخيارات مفتوحة أمامى»، وظل أكثر من 20 عامًا بعيدًا عن الخمور وفخورًا بقوة إرادته حتى عاد للشرب قبل نحو 10 سنوات. هل توترت علاقته بعائلته بعد عودته للإدمان وغرق فى الاكتئاب؟ هل عجز وقد تجاوز عمره 63 عامًا عن الصمود أمام مراحل علاج الإدمان الشاقة، وهى كورس مكوَّن من 12 خطوة عليه إتمامها جميعًا؟ هل فعل مثل روبرت أولتمان وقرر الصراخ فى وجه الجميع بغضب ثم انتابته نوبة اكتئاب وقرر الانتحار، لينهى مأساته ويريح عائلته من عناء مشكلاته؟ ربما، وربما هناك المزيد من الذى ستكشفه الأيام عن آلام أكثر الأشخاص مرحًا على قيد الحياة كما وصفته مجلة «إنترتيمنت» فى نهاية التسعينيات. الرجل الذى جلس على رأسه! كما يمتلك روبن ويليامز مهارة تطويع صوته، يمتلك أيضًا ملامح وجه طيّعة تجعله يؤدِّى شخصيات مختلفة ببراعة، فى بداياته جسَّد شخصية «بوباى» الشهيرة، إذ نقلها من عالم الرسوم المتحركة إلى عالم التجسيد الحى فى فيلم من إخراج روبرت ألتمان، قبلها عرفه الجمهور فى دور الكائن الفضائى «مورك» فى مسلسل «أيام سعيدة» Happy Days، وهو الدور الذى أهّله لينفصل عن المسلسل ويقدّم عملاً من بطولته جسَّد فيه نفس الشخصية، وكان بعنوان Mork & Mindy عام 1978، ويحكى منتج المسلسل جارى مارشال، عن لقائه الأول بويليامز فى أثناء اختبار أداء شخصية «مورك»، إذ طلب مارشال من ويليامز الجلوس، فجلس الأخير بطريقة غريبة، وضع رأسه على الكرسى وقدميه لأعلى، وبالطبع حصل فورًا على دور الكائن الفضائى. وفى أثناء هذه المرحلة من الشهرة والنجاح بدأت علاقة ويليامز بالإدمان، وتوترت علاقته بزوجته وأم ابنه الأكبر الممثلة فاليرى فيلاردى، وبعد طلاقهما بفترة قصيرة تزوَّج بالمربية التى كانت ترعى ابنه الوحيد، وهى مارشا ويليامز أم ابنتيه، لكنها لم تكن زوجته الأخيرة إذ تزوَّج عام 2011 زوجته الأخيرة سوزان شنايدر. جسَّد دور الطبيب فى أكثر من فيلم، من أبرزها دوره فى فيلم «اليقظة» Awakenings، وهو أحد أروع أفلامه التى أدّاها مع صديقه المقرّب روبرت دى نيرو، الذى يجسّد دور رجل يعود من غيبوبة بدأت معه منذ كان مراهقًا، وكان على الطبيب الذى جسَّد دوره ويليامز مساعدة المريض على التأهل مرة أخرى للحياة وتعويض سنوات الشباب التى قضاها فى غيبوبة، حصل ويليامز على الأوسكار عن دوره كطبيب نفسى فى فيلم Good Will Hunting وقدَّم واحدًا من أدواره الملهمة فى «نادى الشعراء الموتى» Dead Poets Society، إذ جسَّد شخصية مدرس للشعر يلهم طلابه من خلال أسلوبه فى تدريس الشعر، آخر أعماله التليفزيونية كان سيت كوم بعنوان «المجانين» The Crazy Ones، وجسَّد شخصية رجل دعاية وإعلان يستطيع بيع أى شىء. ألهم ويليامز كثيرين وجسَّد كثيرًا من الأدوار التى تدعو للتفاؤل وحب الحياة، لكنه لم يستطع التغلُّب على وحش الاكتئاب. كل أصوات الفتى البدين من بين المهارات التى تمتع بها ويليامز قدرته على تطويع صوته وأداء أصوات مختلفة ومتناقضة، تبدأ من أصوات الأطفال وتنتهى بالأصوات النسائية، فى طفولته كان طفلاً خجولاً وبدينًا، وبسبب بدانته لم يستطع تكوين صداقات فى اللعب، فكان يجلس وحيدًا يسلِّى نفسه بتقليد الأصوات المختلفة، كانت البداية تقليده صوت جدّه لأمه، وكانت هذه المهارة واحدة من عوامل نجاحه فى بداياته كنجم فكاهى يقدّم العروض الكوميدية الاستاند أب كوميدى، لاحقًا قدَّم بصوته عديدًا من الشخصيات فى نحو 6 أفلام كرتون أغلبها لشركة «ديزنى»، أشهرها بالطبع تجسيده صوت شخصية جنى المصباح فى فيلم «علاء الدين»، وصوت المربية الأسكتلندية السيدة داوتفاير فى فيلم Mrs Doubtfire، الذى جسَّد فيه دور أب تنفصل عنه زوجته وتحتفظ بحضانة أبنائها، ولحبّه الشديد لأطفاله يستغل مهارته فى التمثيل وتقليد الأصوات ليتنكَّر فى دور مربية ليبقى بجوار أبنائه، وكان مقررًا أن يقوم ويليامز ببطولة جزء ثانٍ من الفيلم خلال العام القادم. معرفته الوثيقة بقدرة الصوت على توصيل المشاعر والأحاسيس جعلته يقوم بموقف يعبِّر عن تواضع ونُبل أخلاق، بعد فوزه بالأوسكار عام 1997 عن فيلمه Good Will Hunting، أرسل نسخة مقلَّدة من تمثال الأوسكار الذى حصل عليه إلى الممثل الألمانى بير أوجستونسكى، الذى قام بدوبلاج صوته فى نسخة الفيلم الألمانية، ومع التمثال بطاقة صغيرة كتب فيها «شكرًا لك لأنك جعلتنى مشهورًا فى ألمانيا».