قطع الرئيس الفلبيني شوطًا كبيرًا في القضاء على هيمنة الولاياتالمتحدة على بلاده، واستطاع أن يجمع كل الوسائل الممكنة لإنهاء هذه العلاقة، فانهال بالشتائم على الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وأعلن عن نيته طرد القوات الأمريكية الخاصة من الفلبين، وتجميد التدريبات البحرية معها، ولم يكتفِ دوتيرتي بهذا الكم من الحرب الكلامية، بل انتقد سياسة أمريكا في الشرق الأوسط، وفوق كل هذا أعلن عن قطع العلاقات بين واشنطن ومانيلا من على المنصة الصينية، حيث إن الصين تسعى لمزاحمة أمريكا على زعامة العالم في المستقبل القريب، الأمر الذي تحسب له واشنطن ألف حساب، خاصة في ظل التقارب الصيني الروسي حول العديد من الملفات الإقليمية والدولية. وأدلى رودريغو دوتيرتي، الرئيس الحالي لدولة الفلبين، خلال زيارته لجمهورية الصين الشعبية، بتصريح مثير، من شأنه أن يؤدي إلى تغييرات جذرية في سياسة بلاده الخارجية حيال دول الغرب، ووصف الرئيس الفلبيني، مرة أخرى، الرئيس الأمريكي باراك أوباما ب«ابن العاهرة»، وصرح بأنه حان الوقت لقطع العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ لأن الولاياتالمتحدة، بحسب قوله، استغلت دولته لمصالحها الخاصة دون أي فوائد تعود على الفلبين، وأشار إلى أن بلاده قد سئمت من السياسة الخارجية التي فرضتها الدول الغربية، وقال إنه لن يزور الولاياتالمتحدة نهائيًّا؛ لأنه لا ينتظره هناك شيء سوى المذلة، ولم يقم رئيس الفلبين بزيارة أي مكان رسمي خلال زيارته للصين، وكان يغادر مكان إقامته في الفندق بعد الغداء، ويلتقي مع الفلبينيين الذي يعيشون هناك. جدير بالذكر أن الرئيس الفلبيني كان في بداية شهر أكتوبر قد صرح عن نيته قطع كل أشكال العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وخطط لزيارة موسكووبكين؛ ليبرهن على أن سياسة بلاده أصبحت مستقلة، ولا تتبع توجيهات الغرب. لا شك في أن تصريح دوتيرتي بأن «الصين حاليًّا تمتلك النفوذ ولديها أفضلية عسكرية في المنطقة»، كان وقعه أشد على أمريكا من الكلمات النابية التي خاطب بها نظيره الأمريكي باراك أوباما. ويرى مراقبون أن دوتيرتي لم يكن ليغامر برفع نسبة التوتر مع الحليف الأمريكي لولا استناده إلى الصين التي يرى فيه نموذجًا بديلًا لأمريكا، خاصة أن دوتيرتي كان قد هدد واشنطن بالانحياز لموسكووبكين قائلًا: «قد أقطع الصلة في نهاية المطاف وفي الوقت الذي أختاره مع أمريكا. وقد أذهب إلى روسياوالصين». ويشكل نفوذ التنين الصيني في المحيط الهادي نقطة قلق لأمريكا؛ لأن نصف الشحنات التجارية في العالم تمر من خلال البحر الصيني الجنوبي، وتخشى واشنطن أن تحول بكين تلك المياه الحاسمة إلى «بحيرة صينية»، وعلى هذا الأساس تقوم المصالح الحيوية لأمريكا مع الفلبين، حيث دعمت أمريكا جهود مانيلا في المحاكم الدولية حول الحدود المائية مع الصين في بحر الصين الجنوبي؛ لتقليص سيطرة الصين على هذه المياه المهمة. في هذه الأثناء تبذل الصين جهودًا كبيرة لفرض سيطرتها على تلك المياه، ويبدو أن روسيا، التي أقامت مناورات عسكرية مشتركة مع الصين في بحر الصين الجنوبي، تعمل أيضًا على الحد من نفوذ أمريكا في المحيط الهادي، ورغم أن لأمريكا حلفاء آخرين في هذه المنطقة الحيوية كاليابان مثلًا، إلَّا أن انسحاب الفلبين من محور حلفاء أمريكا يضع اليابان في صراع مباشر مع الصين، وهو ما لا ترغبه اليابان بالطبع، خاصة في ظل التوتر القديم بين البلدين، كما أن بقية حلفاء أمريكا لن يخاطروا باستعداء الصين في ظل الموقف غير الثابت لأمريكا في المنطقة. ويبدو أن الفلبين ورئيسها يقرءون جيدًا خريطة الصعود والنزول في قدرات القوى العظمى بالمنطقة، ويلحظون تراجع نفوذ أمريكا لصالح الصين، وتراجع التحالفات الأمريكية مع الدول الأخرى المطلة على بحر الصين الجنوبي، كتايلاند، ما دفعهم لقطع العلاقات مع واشنطن، وهو الأمر الذي لا نراه في العالم العربي والإسلامي في تعاطيهم مع الولاياتالمتحدة. فمنذ أن انتقلت مصر من المعسكر السوفييتي إلى المعسكر الأمريكي إبان فترة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي أعلن أن 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا، وهي تعاني من أزمات سياسية، أفضت إلى تهميش دورها العالمي وحتى الإقليمي، كما أن جميع دول الخليج تعاني وبشكل كبير من تحالفهم مع واشنطن، فالدولة الخليجية التي تعد من أكثر الدول المصدرة للنفط تتبع حكوماتها سياسة تقشفية الآن، بسبب هبوط أسعار النفط. ويرى مراقبون أن بقاء العرب في المعسكر الأمريكي حليف الكيان الصهيوني يعني ضياع القضية الفلسطينية وتدمير جيوش واقتصاديات هذه الدول، فتل أبيب لا تريد أي مظهر من مظاهر القوة العربية حولها، لأن ذلك يعد تهديدًا لأمنها القومي.