تتجه ألمانيا إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية، محاولة إحياء تواجدها السابق، الذي أخذ الشكل الاستعماري، لكن اليوم مغلف ب«شراكة» تهدف من جهة، إلى تحجيم المد الصيني في القارة السمراء، ومن جهة أخرى وقف موجات مستقبلية من الهجرة إلى ألمانيا. وبدأت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الأحد الماضي، جولة في إفريقيا تستمر إلى ثلاثة أيام، ومن المقرر أن تزور النيجر وإثيوبيا بعد مالي، وتتمحور جولة ميركل الإفريقية حول مسألتي الأمن والهجرة. وصلت ميركل، الأحد إلى جمهورية مالي، وخلال مؤتمر صحفي عقب لقاء جمعها بالرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، تعهدت المستشارة الألمانية بتقديم مزيد من الدعم للحرب ضد تهريب المخدرات والبشر إلى مالي، كما دعت إلى تطبيق اتفاق السلام الموقع بين أطراف النزاع في مالي، ويأتي ضمن برنامجها، زيارتها لمشاريع البنى التحتية التي أنجزت عن طريق التعاون الألماني. وخلال المفاوضات الألمانية – المالية التي أجريت في برلين، يومي 18 و19 نوفمبر 2015، تعهدت الحكومة الألمانية بتخصيص نحو 74 مليون يورو لصالح مالي، في فترة تتراوح ما بين 2016 و2018، لتنفيذ مشاريع التعاون التقني والمالي الثنائي، ولأن الأموال لا تقدم بالمجان، يجري الحديث عن رغبة ميركل إنشاء قاعدة عسكرية في النيجر بزعم دعم قوة الأممالمتحدة المتواجدة في مالي. هدف الجولة الإفريقية قالت المستشارة الألمانية في تسجيل فيديو تم بثه السبت الماضي "أعتبر أنه علينا الاهتمام أكثر بمصير إفريقيا"، بحجة أن ازدهارها يخدم مصلحة ألمانيا. وتهدف جولة ميركل الإفريقية بحث سبل الاستقرار وتحسين التنمية الاقتصادية في إفريقيا، من أجل منع حركات اللجوء إلى أوروبا، حيث أكدت المستشارة الألمانية أنه لا يمكن دفع تنمية قارة بأكملها قدما عن طريق المساعدات الحكومية وحدها، بل يجب أيضا توفير ظروف أفضل لاستثمارات الشركات في إفريقيا. ووعدت ميركل بأن يكون لإفريقيا دور مهم خلال ترأس بلادها في العام المقبل لمجموعة دول العشرين، التي تضم أهم الدول الصناعية والصاعدة، منتقدة قلة التمويل المخصص لمشاريع برنامج الغذاء العالمي في إفريقيا، وأنها ستبحث بذل جهود إضافية في هذا الشأن. وتأتي جولة ميركل الإفريقية في إطار العمل على وقف موجات مستقبلية من الهجرة إلى ألمانيا، لتحسين صورة حزبها المهتزة، بسبب ملف الهجرة، حيث وصفت المستشارة الألمانية إفريقيا التي يبلغ تعداد سكانها 1.2 مليار نسمة بأن مشكلة القارة المركزية تكمن في الهجرة، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى إبرام اتفاقات بشأن المهاجرين مع دول في شمال القارة بجانب اتفاقه مع تركيا. وكان حزب المحافظين الذي تنتمي إليه ميركل فقد التأييد في مواجهة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، بسبب سياسة الباب المفتوح أمام المهاجرين التي سمحت بوصول نحو مليون مهاجر معظمهم من الشرق الأوسط العام الماضي، حيث تأتي هذه الجولة الألمانية في ظل مزاج شعبي أوروبي عام غير مرحب باللاجئين بسبب ركود الاقتصاد وتواتر الضربات الإرهابية في أكثر من عاصمة أوروبية ونسبت معظمها إلى مهاجرين. وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن مالي من بين أعلى عشر دول في العالم وصل منها مهاجرون إلى إيطاليا هذا العام، وإن تهريب المهاجرين من مناطق أخرى في غرب إفريقيا يكون عبر ممرات في صحاري مالي. أوروبا والصين وأمريكا في إفريقيا الاتحاد الأوروبي الذي أصبح بقيادة ألمانية وفرنسية بعد خروج بريطانيا، حريص على استمرار علاقاته الوثيقة مع أفريقيا، استشعارا للخطر والمد الصيني، وباتت أطراف أوروبية تصف تحركها في إفريقيا ب"الغزو" أو "الاستغلال" تحت أشكال "المشاريع المشتركة" أو "المعونات التي لا تستند إلى عنصر المشروطية"، ويبدو أن أوروبا لم تجد سبيلا إلا معاودة التركيز على أفريقيا، في ضوء التحدي الصيني المستجد في السنوات الأخيرة، ومن هنا عمدت القارة العجوز إلى توقيع صكوك قانونية تحمل عنوان "اتفاقات الشراكة الاقتصادية". الجدير بالذكر أن التواجد الألماني الاستعماري لإفريقيا كان حاضرًا في السابق، حيث جددت ألمانيا اهتمامها وتركيزها على تعزيز تعاونها مع توجو، مستعمرتها السابقة، بعد أن كانت علاقات توجو مع ألمانيا شهدت برودة بعد الاستقلال في التسعينيات وسط مخاوف وانتقادات بشأن نظام الحكم الاستبدادي في توجو، غير أن العلاقات بدأت في التطور والتحول. ولا يقتصر الاهتمام الأخير بإفريقيا لما تتمتع به من ثروات على ألمانيا والصين، فللولايات المتحدةالأمريكية قواعدها واستثماراتها هناك، كما أن الكيان الصهيوني أبدى في الآونة الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بالدول الإفريقية، بعدما أجرى رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو في يوليو الماضي، جولة إفريقية شملت أوغندا وكينيا وأثيوبيا، تحت مسمى "عودة إسرائيلية قوية إلى إفريقيا".