ضربات موجعة يتلقاها الاتحاد الأوروبي يوما تلو الآخر في الفترة الأخيرة تشير إلى وجود مخاطر عدة على مستقبل وجوده في المرحلة المقبلة، فبعد تداعيات كارثية على الاتحاد أكدها مراقبون في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تخطو اليونان وعدة دول أوروبية أخرى نحو إنشاء تحالف يسمى جنوب أوروبا على خلفية التصدي لسياسات التقشف الحاد في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يمثل أيضًا تهديدًا وجوديًا على الاتحاد في الفترة المقبلة. وتستضيف اليونان في أوائل سبتمبر قمة لدول جنوب أوروبا تهدف إلى مناقشة قضايا الاقتصاد والهجرة، وفق ما أعلن مصدر يوناني، وقال المصدر "نسعى إلى إجراء محادثات مع دول تتشارك المشكلات نفسها مع اليونان"، موضحا أن الهدف هو التمهيد "للقاء بين قادة دول جنوب منطقة اليورو" ومن المفترض أن ينعقد هذا اللقاء الذي لا تزال تحضيراته في بدايتها في 9 سبتمبر ووجهت الدعوة لحضوره إلى كل من قبرصوفرنسا ومالطا وإيطاليا والبرتغال واسبانيا. ومنذ 6 سنوات تعصف أزمة اقتصادية باليونان التي تواجهها بفضل قروض دائنيها، وشهدت البلاد في الآونة الأخيرة تدفقا غير مسبوق للمهاجرين ما دفعها أيضا إلى طلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي، ودعا رئيس الوزراء اليوناني اليكسيس تسيبراس، مرارا إلى سياسة اقتصادية موجهة نحو النمو، وإلى إجراءات أقل تقشفية في إدارة النفقات العامة، في مواجهة لسياسات الاتحاد الأوروبي. تحالف جنوب أوروبا وفي هذا الإطار، أشارت تقارير إعلامية إلى أن سلطات فرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان والبرتغالوقبرص ومالطا أعلنت تخطيطها لإنشاء "تحالف جنوب أوروبا" بهدف التصدي لسياسة التقشف الحاد في الاتحاد الأوروبي، وبحسب وكالة "نوفوستي" الروسية، نقلا عن أحد المواقع اليونانية الإلكترونية قال: "على ما يبدو، يتمسك الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ورئيس وزراء البرتغال أنطونيو كوستا، بنفس الخط وخاصة بعد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"، ونوه الموقع بأن الحكومة اليونانية تروج للموضوع ودعت قادة عدة دول بجنوب أوروبا لبحثه في أثينا بداية الخريف المقبل. وتؤكد التحليلات التي ترجح هذا الأمر أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي زداد التوتر بين شمال القارة وجنوبها، حيث تريد دول جنوب أوروبا تحويل الاتحاد الأوروبي إلى اتحاد تحويلي لإعادة توزيع الثروة من الشمال الغني نسبيًا إلى الجنوب الأقل تطورًا ومشاركة المخاطر بالتساوي بين الأعضاء، بينما شمال أوروبا، حريص على حماية الثراء الذي يتمتع به وسيوافق على تقاسم المخاطر في حال فرضت الكتلة سيطرة أكبر على قدرة الجنوب على الاقتراض والإنفاق، فيما سيكون لعدم الاتفاق بين الجنوب والشمال تداعيات قد تهدد الاتحاد الأوروبي نفسه وتقوى من فكرة إنشاء تحالف خاص بدول الجنوب والتي تدعمه بشكل كبير اليونان وإيطاليا حيث أكد زعيما البلدين خلال قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة في بروكسل، إمكانية إنشاء "تحالف جنوب أوروبا". الأزمة الاقتصادية أشار الاتحاد الأوروبي في الشهر الماضي إلى أن مجلس وزراء الاقتصاد والمالية بالاتحاد اقترح فرض عقوبات مالية ضد إسبانيا والبرتغال، لأن الدولتين لم تتخذا تدابير فعالة بما فيه الكفاية للحد من العجز في الميزانية، كما أشار الاتحاد في نفس الوقت إلى الأزمات التي تواجهها العديد من الدول الأوروبية كاليونان وايطاليا والأزمة الاقتصادية في قبرص. ولم يكن تصدع الاتحاد وليد اللحظة، بل إن أزمات عديدة ساهمت في وصوله إلى الحالة الآنية التي وصل بها الآن من وضع اقتصادي مذرٍ في أغلبية الدول، وكانت بدايتها في عام 2008 والأزمة الاقتصادية مرورًا بالأزمة الأوكرانية، وأخيرًا أزمة تدفق اللاجئين التي تهدد بنهاية الاتحاد، خاصة بعد وجود نية لوقف الاتفاقية التي تتيح حرية التنقل بين الدول الأعضاء "الشينجن"، وتفاقم الأوضاع في السنوات الأخيرة بعد تزايد حالة انعدام الثقة بين الحكومات والسياسيين، حيث أثبتت أزمة الهجرة وجود اختلافات بين توجهات القادة الأوروبيين في التعامل مع المواقف، وهذا ما يعطى انطباعات سلبية للمواطنين بوجود عجز في مواجهة المشكلات الحالية. خروج بريطانيا خروج المملكة المتحدة البريطانية من الاتحاد الأوروبي من أكثر السلبيات التي تعرض لها الاتحاد مؤخرًا وسيؤثر سلبا على مستقبله، وتعد بريطانيا أكبر ثاني اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، وسيكون لخروجها عواقب كبيرة بالنسبة لمستقبل الاتحاد. وأدى خروج بريطانيا بالفعل إلى انقسام حاد داخل الاتحاد الأوروبي بين الشرق والغرب، حيث دول أوروبا الشرقية والوسطى تدافع عن وجهة النظر البريطانية التي تؤكد أن مصالح الأعضاء خارج منطقة اليورو أكثر من داخلها، ويشارك هؤلاء لندن وجهات نظرها بشأن سيادة الدول الأعضاء، مثل بولندا والمجر وجمهورية التشيك، وقد تقوم باستفتاءات على غرار بريطانيا للانفصال عن الاتحاد. كما سيضعف خروج بريطانيا نفوذ الاتحاد الأوروبي في الخارج، فقد كان تحالف بريطانيا مع فرنسا وألمانيا هو معيار قوة الاتحاد الرئيسي، والآن فرنسا ستصبح هي الدولة الوحيدة المطالبة بمعادلة قوة لندن داخل الاتحاد، ومع أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يمنعها من التعاون مع أوروبا، نظرًا لاستمرار عضويتها في حلف شمال الأطلسي والمصالح الأمنية المشتركة مع فرنسا وألمانيا، إلّا أنَّ تعاونها مع القارة سيكون محدودًا، ونتيجة لذلك، ستتراجع قدرة أوروبا على مواجهة التحديات في الخارج. شينجن ستموت وتعتبر اتفاقية شينجن من أهم المكاسب في تاريخ الاتحاد الأوروبى، ولكن وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي طرحوا مؤخرًا ولأول مرة اقتراحًا بوقفها لمدة عامين، كإجراء مؤقت بسبب عدم قدرة الدول الأعضاء على إدارة أزمة اللاجئين. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يظهر قويًا ومتماسكًا إلا أن الحقيقة غير ذلك، حيث بدا واضحًا الوضع الأمني المذري في العديد من الدول الأوروبية وهو ما وضع اتفاقية شينجن في خطر حقيقي، وبينما ترى معظم الدول الأعضاء أنه لكي تستمر حرية التنقل بين الدول، يجب أن تحظى نقاط التفتيش الحدودية داخل الاتحاد بفاعلية أكبر، وحذر وزير خارجية لوكسمبورج جان اسيلبورن من هذا الأمر مؤكدًا أن "شنجن ستموت" إذا أصرت الدول الأعضاء على تبنى مواقف كهذه.