بات شبح الانفصال يهدد بانفراط العقد الأوروبى، مع تفاقم الخلافات وتوالى الأزمات بين الدول الأوروبية، ويتمثل أخطرها فى أزمة ديون اليونان، وقضية اللاجئين، التى أثارت ظاهرة الزيوفوبيا فى أنحاء القارة الأوروبية، مع تزايد التهديدات الإرهابية ومخاطر تنظيم «داعش»، وصعود النعرة الانفصالية وتوجه إقليم كتالونيا للانفصال عن إسبانيا العام المقبل. وفى مواجهة التحديات، تحاول القيادات الأوروبية إيجاد حلول جماعية، بينما تسعى كل دولة لإيجاد حلول فردية تتناسب مع مصالحها حيال الأزمات التى تعصف بالاتحاد، وباتت الخلافات بين الدول الأوروبية، تقوض التفاهمات ومنها أزمة الديون اليونانية، التى عادت إلى الواجهة، إثر خلاف بين وزراء اليورو، ويعزز تلك الخلافات عدم قدرة المصارف اليونانية على إخراج مالكى المنازل والشقق منها، إن لم يدفعوا أقساطهم المستحقة. وتصدرت أزمة اللاجئين كافة الملفات فى جميع القمم واللقاءات، بموازاة بناء الأسوار والأسلاك الشائكة على الحدود، وإعادة إنشاء نقاط المراقبة للحدّ من تدفق اللاجئين، حيث تتبنى دول أوروبا الشرقية موقفا موحدا ضد اللاجئين، وترفض العمل بنظام محاصصة اللاجئين، على الرغم من «شينجن» المعمول بها منذ عام 1985، والتى تضمّ 26 دولة، بينها 22 دولة فى الاتحاد الأوروبى. ويأتى هذا الانقسام نتيجة عجز أوروبا عن احتواء الأزمة مع غياب التضامن بين دولها والاختلاف على توزيع اللاجئين، علماً بأن أوروبا تستقبل أقل من 1% من عدد سكانها. وسعت دول أوروبا الشرقية فى الضغط على أوروبا الغربية لإدخال إصلاحات على نظام عمل مؤسسات الاتحاد، للحد من هيمنة وسيطرة الاتحاد على الدول الأعضاء، مقابل تعزيز سلطات المؤسسات والحكومات الوطنية فى الدول الأعضاء. وتشكل مساعى إقليم كاتالونيا للاستقلال عن إسبانيا خطرا جديدا، إذ ستخسر إسبانيا 8% من مساحتها وقد يشعل أزمة بين باريس ومدريد لترحيب فرنسا باستقلال الإقليم، كما سيزيد من الأوجاع الاقتصادية لإسبانيا إذ ستخسر 22% من الضرائب. ويرى خبراء أن الأزمات التى تعانى منها أوروبا ربما تقود عجلة التاريخ الأوروبى للدوران للخلف، إن اختار البريطانيون الخروج، حيث تهدد ببداية تفتت الهياكل السياسية والأمنية التى بنى عليها النظام الأوروبى بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، إعمالا بتأثير نظرية «الدومينو»، مع تصاعد مطالب اليمين الأوروبى بإجراء استفتاءات بشأن القضايا الأوروبية. وحذر رئيس المجلس الأوروبى دونالد توسك من أن «خروج بريطانيا قد يكون بداية لتدمير الاتحاد الأوروبى، بل الحضارة السياسية الغربية بأسرها»، وتظهر مشاعر غضب بين قيادات الاتحاد الأوروبى من رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون، لأنهم يشعرون بأنه قامر على مستقبل أوروبا فى محاولة فاشلة لإنهاء «حرب أهلية» فى حزبه رغم المكاسب التى حصل عليها من الاتحاد. وتتزايد قوى التفتت الأوروبى فى كثير من الدول بفعل الاستياء من الأداء الاقتصادى، والمخاوف من فقدان الوظائف لصالح المنافسة الخارجية أو المهاجرين والقلق من ارتفاع نسبة كبار السن فى المجتمعات. ومع تراجع التأييد لأوروبا، تنامت النزعة الوطنية الرافضة لوجود دور متزايد للمؤسسات الأوروبية لدى شعوب الاتحاد، وسط مخاوف غربية - أمريكية من تراجع قدرة أوروبا على مواجهة التحديات وتعاظم الدور الروسى ومخاطر «داعش»، والحرب فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتى أدت إلى هجرة الملايين. ويقول بعض المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد إن الاتحاد هو «قصة الأمس» وإن الخروج منه سيتيح لبريطانيا أن تكون أكثر عالمية، إلا أن التصويت بالخروج سيدفع الاتحاد الأوروبى بعيدا عن مساره عدة أعوام، وقال ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، إن أوروبا التى انطلقت منها شرارة حربين عالميتين قد أصبحت «مملة» بعد انتهاء الحرب الباردة. فالأحلام التى تأسس عليها الاتحاد الأوروبى تبدو عصية على الإصلاح، حيث فقد الأوروبيون حبهم للوحدة أكثر من أى وقت مضى، فالدعم والقبول للاتحاد يتضاءل. وقالت مديرة الدراسات فى مركز السياسة الأوروبية جانيس إيمانويليديس، إن «الأوروبيين لم يعودوا يعشقون الحلم الأوروبى» بعد أن أصبحت مزاياه أمرا مسلما». وتراجعت نسبة داعمى الاتحاد فى فرنسا 17% وبلغت 38%، وكان مواطنو اليونان أكثر غضبا من أوروبا بعد إرغام بلادهم على تحمل إجراءات تقشفية مرهقة، مقارنة بتأييد 72% فى بولندا و61% فى المجر، و50% فى ألمانيا أكبر قوة فى القارة، وفى البلدان الجنوبية الغارقة بالديون، يعارض 65% من الإسبان و66% من الفرنسيين و68% من الإيطاليين و92% من اليونانيين إدارة الاتحاد الأوروبى للقضايا الاقتصادية.