عندما سقط سقف المتحف الأوروبي مؤخرًا في قرية شنجن الصغيرة في لوكسمبرغ، رأى العديدون في ذلك نذيراً لشيء أكبر سيحدث، إلا أن رئيس بلدية القرية بين هومان سارع إلى نفي ذلك. وألقى هومان باللوم على العمال الذين استخدموا مواد غير مناسبة في المتحف المقام في القرية التي شهدت مولد منطقة التنقل الحر (شنجن) التي تشمل 26 بلدًا أوروبيًا. ولكن وبينما يخضع المتحف إلى الإصلاحات، فإن الأحلام التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي تبدو عصية على الاصلاح، حيث أنه فقد حب الأوروبيين له الآن أكثر من أي وقت آخر في تاريخه. وتجري بريطانيا استفتاءً يوم الخميس المقبل، يمكن أن يؤدي إلى خروجها من الاتحاد، بينما مستقبل منطقة الشنجن مهدد بعد موجة المهاجرين التي كانت الأسوأ التي تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وقال هومان لوكالة فرانس برس أثناء مشاهدته نهر موسيل المليء بالمياه بفعل الفيضانات ينساب بين التلال المغطاة بكروم العنب "يجب أن نستعيد هذه الرؤى وهذه الأحلام، وأن نعود إلى فعل ما نستطيع فعله معا". وأضاف "عندما تعيش هنا فإنك تعيش اتفاق شنجن كل يوم، لأنك إذا تحركت مسافة 100 متر فقط ستصبح في بلد آخر، لقد شهدنا من هنا المنطقة بأكملها تستفيد من الاتفاق". واختيرت القرية التي تتمتع بمناظر جميلة لتوقيع الاتفاق الذي أدى إلى خلق منطقة الشنجن في 1985 نظرًا إلى أنها تقع في منطقة تلتقي فيها لوكسمبرغ وفرنسا وألمانيا. ويزور نحو 50 ألف سائح سنويًا من مختلف أنحاء العالم هذه القرية التي تعد رمزًا للوحدة الأوروبية وتضم المتحف الأوروبي الذي افتتح في 2010. الشنجن هو جزء فقط من المشروع الأوروبي الاوسع الذي تزعزعت اسسه خلال السنوات الاخيرة. فالدعم يتضاءل للمثل العليا التي أدت الى إنشاء الاتحاد الأوروبي قبل أكثر من 60 عامًا على أنقاض ما تبقى من أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأظهر استطلاع أجراه معهد "بيو" الاميركي مؤخرًا انخفاضًا كبيرًا في التأييد للاتحاد الأوروبي بين الأوروبيين، بلغ 17 نقطة ليصل إلى 38% في فرنسا خلال عام واحد. وقالت جانيس ايمانويليديس مديرة الدراسات في مركز السياسة الأوروبية الذي مقره بروكسل لوكالة فرانس برس أن "الأوروبيين "لم يعودوا يعشقون الحلم الأوروبي" بعد أن أصبحت مزاياه أمرًا مسلمًا الآن. وأضافت "خلال السنوات الست أو السبع الماضية، عانى الاتحاد الأوروبي من أزمة تلو الأخرى، والأمور لا تتحسن بل تسوء". وكان لأزمة الهجرة تأثير كبير جدًا حيث علقت العديد من الدول العمل باتفاق الشنجن للتنقل الحر، وأخفق القادة في الاتفاق على كيفية تقاسم عبء اللاجئين الذين زاد عددهم عن المليون. أما الاقتصاد فانه يعاني من المشاكل مع ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب بشكل كبير في جنوب أوروبا، وأزمة الديون اليونانية التي لا تزال تهدد منطقة اليورو وسط خلاف بين الدول حول تحمل تكلفة هذه الأزمة. وما زاد المشاكل تعقيدًا ازدياد أعداد المتشككين باليورو وانتشار الشعبوية في أنحاء القارة. من ناحية أخرى تتزايد الاتهامات لبروكسل بالبيروقراطية وتقويض السيادة القومية. بدأ قادة الاتحاد الأوروبي يقرون بأن الاوروبيين لا يشاركونهم حلمهم ب"زيادة التقارب بين دول الاتحاد". حتى ان رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر المؤيد المتشدد للاتحاد الاوروبي، أقر بان مواطني الاتحاد "بدأوا يبتعدون" عن المشروع الاوروبي لأن بروكسل "تتدخل في العديد من مجالات حياتهم الخاصة". ويتزايد رفض الأوروبيين لأي نوع من المثالية. تقول يمانويليديس ان "من الذي يحلم بالحلم الأوروبي؟ حتى الذين يمثلون هذا الحلم أصبحوا أكثر واقعية". ومثال على ذلك هو تحذير رئيس الاتحاد الاوروبي دونالد توسك الشهر الماضي بأن بروكسل "مهووسة بفكرة الاندماج السريع والكامل (..) لقد فشلنا في أن نلاحظ أن الأشخاص العاديين من المواطنين الأوروبيين لا يشتركون في الحماس لحلمنا الأوروبي". وفي قرية شنجن الصغيرة التي توجد فيها ثماني محطات وقود لتزويد السائقين الفرنسيين والألمان بالوقود الرخيص، يأمل السكان في أن يستمر الحلم الأوروبي. قال ديوغو كاميلاو ايرميندو الذي يزور شنغن حيث دفن والده، مع زوجته ماري-اليس كيركيريا "الناس ينسون الحال قبل 30 و40 و50 و60 عم مضت مع الحروب وجميع المشاكل التي كانت تنتشر في ذلك الوقت". وأضاف "أعتقد أن بريطانيا يجب أن لا تخرج من الاتحاد الأوروبي لأن ذلك لن يسهل الحياة على أحد بل سيخلق حدودًا ويعقد المؤسسات التي تحاول السماح للناس العيش بسلام دون مشاكل أو حروب".