محاولة جديدة من الحكومة الإسرائيلية لتكميم الأفواه المعارضة للسياسة الوحشية التي ينتهجها الاحتلال الصهيوني في فلسطين، فبعد أن سعى الاحتلال إلى إسكات أصوات المقاومة الفلسطينية، وتصويرها بأنها أصوات إرهابية لا ينبغي الانتباه لها، وبعد أن استطاع الكيان احتواء بعض الدول العربية والغربية لضمان عدم توجيه هذه الدول انتقادات لممارساته، اتجهت القيادة الصهيونية إلى الأصوات اليسارية المعارضة لسياسيات حكومة الاحتلال. أقر الكنيست الإسرائيلي قانونًا يرغم المنظمات غير الحكومية التي تتلقى القسم الأكبر من تمويلها من حكومات أجنبية بالتصريح عنه رسميًّا وإبلاغ السلطات المختصة بذلك، وجرت المصادقة على القانون ب57 صوتًا موافق مقابل 48 رافضًا للقانون بعد مناقشات طويلة، وجاء في مقدمة القانون أنه يهدف إلى معالجة ظاهرة المنظمات غير الحكومية التي تمثل مصالح أجنبية لدول أجنبية، فيما تتحرك تحت ستار منظمات محلية تسعى لخدمة مصالح الإسرائيليين. في الإطار ذاته، أعلن رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، أن الهدف من القانون منع قيام وضع عبثي تتدخل فيه دول أجنبية في شؤون إسرائيل الداخلية، من خلال تمويل منظمات غير حكومية بغير علم الرأي العام الإسرائيلي، وكتب نتنياهو على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، بعد التصويت النهائي في الكنيست على القانون: أنه خلافًا لمطالبات اليسار، فإن المصادقة على القانون ستزيد الشفافية، وتساهم في قيام خطاب يعكس الرأي العام الإسرائيلي وتعزز الديمقراطية. اعتبر منتقدو القانون الجديد وبعض المحللين أن هذا القانون يستهدف الجمعيات اليسارية المناهضة للاستيطان في الأراضي الفلسطينية والناشطة من أجل حقوق الإنسان، فرغم أن القانون لا يشير صراحة إلى المنظمات اليسارية، إلَّا أن هذه المنظمات هي الأكثر استهدافًا، إذ يتلقى العديد منها تمويلًا من الخارج بما في ذلك من حكومات أوروبية، فوفقًا لتحليل قدمته وزارة العدل لمشروع القانون للجنة القانون في الكنيست، الشهر الماضي، أظهر أن جميع المنظمات الإسرائيلية القائمة التي ستتأثر من متطلبات القانون الجديد تقريبًا منظمات ناشطة ضد الاحتلال، من بينها منظمات بارزة مثل بتسيلم وجمعية حقوق المواطن في إسرائيل وعير عميم وغيشا وكسر الصمت، أو منظمات مؤيدة للفلسطينيين مثل زوخروت، التي تدعو إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم إلى داخل إسرائيل. القانون الإسرائيلي الجديد أثار موجة من الانتقادات من قِبَل المنظمات اليسارية غير الربحية التي من المقرر أن تتأثر به، حيث وصفت إياه بغير المنصف وغير الديمقراطي، فقد اعتبرت منظمة «الصندوق الجديد لإسرائيل» التي تتخذ من نيويورك مقرًّا لها، وتقدم الدعم لعدد كبير من هذه المنظمات، أن القانون الجديد غير منصف، وقالت المنظمة: إن هذا التشريع يستهدف منظمات تعمل من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية، في الوقت الذي يسمح لمنظمات قومية متشددة بالإبقاء على مصادر تمويلها مخفية رغم ادعائهم أن القانون يزيد من الشفافية. قال الرئيس التنفيذي ل«الصندوق الجديد لإسرائيل»، دانييل سوكاتش: إن الشيء الوحيد الشفاف حول هذا القانون، هو هدفه الحقيقي: تهديد وإسكات المجال المدني، وأولئك الذين يؤيدون إنهاء الاحتلال بشكل خاص، وأضاف أن هذه خطوة غير ديمقراطية بشكل كبير، وإسرائيليون من جميع قطاعات المجتمع المدني بدأوا يشعرون بالفعل بتأثيره المخيف. وأشار الرئيس التنفيذي للمنظمة إلى تقرير منظمة «سلام الآن» جاء فيه أن المنظمات غير الحكومية المنتمية لليمين السياسي استغلت ثغرات في القانون الحالي لحجب مصادر تمويلها، وأظهر التقرير أن 94% من التمويل لتسع منظمات كان مخفيًّا عن الجمهور، إذا كانت الحكومة الإسرائيلية معنية حقًّا بشفافية أكبر للمنظمات غير الحكومية، كان عليها أن تسعى إلى إغلاق الثغرات وتطبيق القواعد نفسها على جميع المنظمات. من جانب آخر، واجه هذا القانون انتقادات من نواب في المعارضة الإسرائيلية، لفشله في جمع التبرعات من متبرعين أفراد، حيث إن معظم الجمعيات والمنظمات غير الربحية من اليمين تحظى بدعم كبير من متبرعين يهود أو مسيحيين أو من منظمات ناشطة خارج البلاد، حيث وصف زعيم المعارضة وعضو الكنيست، اسحق هرتسوغ، القانون الجديد بأنه براعم الفاشية التي تزهر في إسرائيل، فيما قال رئيس القائمة المشتركة، الكتلة العربية في الكنيست الاسرائيلي، أيمن عودة: إن القانون يهدف إلى ترهيب المنظمات الناشطة من أجل المساواة في المعاملة حيال العرب. من جانبها انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش، التي تتخذ من نيويورك مقرًّا لها، القانون الذي صادق عليه الكنيست، حيث قالت مديرة مكتب فلسطين وإسرائيل في المنظمة، ساري باشي: إنه يثقل على منظمات حقوق الإنسان واليسار، من خلال فرض شروط تقديم تقارير مرهقة وغرامات كبيرة على عدم الامتثال، إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مهتمة حقًّا بالشفافية لكانت طلبت من جميع المنظمات غير الحكومية بتنبيه الجمهور لمصادر تمويلها، وليس فقط تلك التي تنتقد سياسات الحكومة. أما منظمة «سلام الآن» المناهضة للاحتلال، والتي ستتأثر بالقانون الجديد، تعهدت بتقديم التماس ضد القانون الجديد إلى محكمة العدل العليا، واصفة القانون بأنه انتهاك صارخ لحرية التعبير، وقالت المنظمة: إن نية القانون الحقيقية هي تحويل الخطاب العام الإسرائيلي بعيدًا عن الاحتلال، وإسكات المعارضة على سياسات الحكومة، وأضافت أن القانون جزء من تدهور خطير في الديمقراطية الإسرائيلية، مؤكدة: سنواصل محاربة هذه الموجة غير الديمقراطية في الشارع، ونعتزم تحدي صحة قانون الجمعيات أمام المحكمة العليا. منظمة «يش دين» انتقدت القانون أيضًا، حيث قالت: إنه عنصر آخر في صيد ساحرات سياسي ضد مجموعات لا تسير على نفس الخط مع سياسات الحكومة الإسرائيلية، هذه محاولة لتكميم الأفواه وإسكات الانتقاد، بدلًا من التعامل معه، لن ينجح ذلك، وتابعت المنظمة: نفخر بالجهات المانحة لها، وسنواصل محاربة التضييق المستمر على حقوق السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية.