خمسه قصور ثقافة.. هي كل ما تمتلكه محافظة يزداد عدد سكانها على 5 ملايين نسمة، ويصل عدد مراكزها إلى 16 مركزًا إداريًّا، هي محافظة البحيرة التي قدمت إلى الحركة الفنية والثقافية عشرات المبدعين الذين ساهموا في صياغة المشهد المصري. ورغم امتلاك مدينة دمنهور مقومات ثقافية هائلة بالمقارنة بعواصم المحافظات الأخرى فبها مركز للإبداع ودار للأوبرا وأحد أهم المكتبات العامة إلَّا أن باقي مراكز المحافظة تعاني فقرًا شديدًا في الإمكانيات والأبنية، مما يعني غياب أنشطة حقيقية، ويكتفي مسؤولو بيوت الثقافة بالعمل الوظيفي بعدما هجرها المبدعون والشباب المهتم إلى ساحات أخرى. ويرجع مسؤلو الثقافة سبب ذلك إلى ضعف الاعتمادات الماليه الشديد، حيث لا يتجاوز مخصصات البحيرة 300 ألف جنيه سنويًّا لخدمة 39 موقعًا ثقيفيًّا، غالبيتها في أماكن لا تليق ولا تصلح لإقامة نشاط ثقافي. يقول الشاعر عمرو الشيخ: الميزانيات الفقيرة الهزلية تهيمن على مقدرات قصور الثقافة، خاصة في أندية الأدب التي لا تخصص لها سوى خمسة آلاف جنيه للعام كله، تنفق في أربع مقايسات روتينية عقيمة معوقة، لا تبتغي إلَّا وجه الروتين الوقح، ولابد أن تحدد المقايسة سلفًا إن كان الأديب باب أول أو باب ثان، موظفًا أم لا، مع مقابل هزيل مهين للمبدع، يجبر بعض أندية الأدب على التحايل كما فعلت أنا تحديدًا بندوات وهمية نحتفظ بمقابلها ونضيفه على مخصص ضيف حقيقي، ويضيف: المصيبة أن تلك الميزانية تتوقف في شهور الصيف وتفرغ الشباب من يونية إلى سبتمبر. وتساءل الشيخ: كيف ندعي أننا نستنير ونقاوم التطرف وقصور الثقافة تقدم برامج تقليدية بقوافل تقليدية ومؤتمرات كرتونية مغلقة على النخبة لا يحضرها جمهور ولا مراكز شباب ولا جامعات ولا مدارس، فهي مجرد جلسات مهجورة وكتب ساذجة تطبع بمعرفة أهل الثقة. وأكد أن الاتهام موجه للوزير وقادة الهيئة العامة لقصور الثقافة؛ لغياب المنهج المستنير الفعال الذي يطرح الثقافة كحل جذري ننطلق منه لحل أزمات المجتمع كافة. وأضاف الروائي السعداوي الكافوري، من أبناء مركز إيتاي البارود، أن المشكلة الأكبر تتعلق بعدم وجود قصر للثقافة بمدينة إيتاي البارود، سيما أن بالمدينة حراكًا ثقافيًّا قويًّا وفاعلًا، يتم بعيدًا عن المؤسسة الرسمية، خاصة أن مثقفي وأدباء إيتاي البارود قد فقدوا الأمل في وجود مكان يصلح لإقامة ندواتهم وفعالياتهم به، مؤكدًا أن المكان الحالي ضيق ولا يتسع للعاملين به، وبالتالي صار بيت الثقافة مكانًا طاردًا للأدباء والمثقفين، ودفع البعض منهم إلى الانضمام لأندية الأدب القريبة؛ مثل الدلنجات وكوم حمادة ودمنهور، متحملين عناء السفر وتكلفة المواصلات، رغم أن هناك مساحات شاسعة من أملاك الدولة تصلح لإقامة قصر ثقافة يليق ببلد محمود سامي البارودي وأحمد حمروش وعبد المنعم الصاوي ولوتس عبد الكريم ويوسف القعيد، إضافه إلى وجود حديقة مجهزة تتوسط المدينة وتخضع لوزارة الحكم المحلي وتصلح لإقامة الأنشطة الثقافية، إلَّا أنها مغلقة ولا تفتح إلَّا أثناء زيارات المسؤولين. ويبدو الوضع في أهم مدن البحيرة التاريخية، التي قدمت علي الجارم، حيث يقع قصر ثقافة رشيد بإحدى شقق الإسكان الشعبي، عبارة عن حجرتين وصالة تمتلئ بالموظفين، ولا توجد به قاعة للاجتماعات تليق بالأدباء أو مكان للبروفات المسرحية. وفي مركز أبو المكامير يقع قصر الثقافة في حرم مركز الشرطه، حيث يحاط بالأسوار ضمن تأمين أجهزة الشرطة؛ بسبب الاحتياطيات الأمنيه، ويقول حسن يوسف، أحد أبناء مدينة أبو المطامير: القصر أنشئ منذ الستينيات، وكان هو مركز الإشعاع الثقافي بالبلدة، وكانت تعقد فيه كثير من الندوات والأمسيات الثقافية المتعددة. وفي أواخر التسعينيات صدر قرار بهدم المبنى وإعادة إنشائه، وتم افتتاحه بعد ثورة يناير، ومازال يؤدي دوره، لكن بصورة غير كاملة تعقد فيه من وقت لآخر بعض الندوات والأمسيات وبه ناد للشعراء، مشيرًا إلى أن أحد أبرز المعوقات التي تواجه الرواد وقوع قصر الثقافة فى حرم قسم الشرطة، مما يجعل ارتياده ليس صعبًا على البسطاء من أبناء المدينة. وأضاف حسن يوسف أن الفنان محمود الجندي، ابن أبو المطامير، أنشأ فرقة مسرحية تابعة لقصر الثقافة وتؤدي بروفاتها بداخله، لكن العروض لا تتم به نظرًا لضيق المكان الذي لا يستوعب العشرات، ولذلك وعد المحافظ بتخصيص ألف و200 متر لإقامة صرح وقصر ثقافي جديد لأبو المطامير. وبرر السيد الشبكي، مدير عام فرع ثقافة البحيرة، ذلك العجز الشديد بنقص الاعتمادات، متسائلًا: كيف ندير 39 موقعًا ما بين بيت ثقافة ومكتبة، يعمل بها 682 موظفًا، بمبلغ لا يتجاوز 300 ألف جنيه سنويًّا لتثقيف نحو 6 ملايين مواطن، مشيرًا إلى أن فرع الثقافة يعتمد في أحيان كثيرة على دعم المحافظ لإقامة الأنشطة، وسط ضعف الموارد، متسائلًا: كيف لا يمكننا توفير ميزانية للأنشطة، ثم نتحدث عن اعتماد للمنشآت والأبنية الثقافية.