«كالمستجير من الرمضاء بالنار».. مقولة تعبر عن حال المواطنين بعد إعلان الحكومة رفع أسعار الأدوية – المختفي معظمها- بنسبة 20 % للعقارات الأقل من 30 جنيها اعتبارا من أمس، وجاء القرار على لسان الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، في مؤتمر صحفي بمجلس الوزراء. الغريب، أن سوق الدواء يشهد اختفاء العديد من العقاقير المهمة، التي تعالج أمراض خطيرة، على رأسها «اندوكسان» الذي يستخدم كعلاج أساسي لمرضى الأورام، و«ار اتش» التي تحقن بها السيدات بعد الولادة لحماية الأم والجنين من التشوهات، بالإضافة إلى حقن الصبغات، إلى جانب عقارات القلب والضغط. تعود أزمة اختفاء بعض الأدوية من السوق لعدة أسباب، أبرزها ارتفاع سعر الدولار الذي تجاوز ال12 جنيها، ما ضاعف أسعار المادة الخام التي نستورد حوالي 95% منها، بالإضافة إلى انتشار مافيا الأدوية وانتعاش السوق السوداء، ليفاجأ المريض بكارثة زيادة أسعار الأدوية بنسبة تجاوزت المعلن «20%»، لتصل في بعض الأدوية إلى 200%، بحجة أن شركات الأدوية تخسر، لكن في النهاية من يتحمل تبعات الأمر، المرضى الفقراء. تقول فوزية سعيد، مريضة سرطان: «مصابة بورم في الرئة، وأعالج في المركز القومي للأورام، لكن منذ فترة طويلة توقف العلاج الكيماوي، وعندما سألت الأطباء عن السبب، أكدوا على وجود نقص حاد في العديد من أدوية جرعة الكيماوي، ما يجعلها غير مناسبة للعلاج»، مضيفة: «بعد زيادة أسعار الأدوية، سيزداد الأمر سوءا، خاصة أننا لا نجد الأدوية الآن، فكيف سنجدها بعد زيادة أسعارها؟». وتصرخ أم سيد النجار، والدة طفل مريض سرطان: «ابني بيموت، ولا أجد جرعة علاج الكيماوي؛ لتخفيف آلامه، وبدلا من أن تساعدنا الحكومة على إيجاد الأدوية، تقرر زيادة أسعارها!»، متسائلة: كيف سأفر ثمن علاج ابني اليتيم، بعد زيادة أسعار الأدوية غير الموجودة بالأساس؟ وصف هيثم عبد العال، صيدلي، قرار وزير الصحة بتحريك أسعار الدواء ب«خاطئ»، وعلى الوزارة التراجع عنه؛ لأن المرضى الفقراء وحدهم من يتحملون تبعات القرار «المحجف»، بحسب وصفه، قائلا ل«البديل»: «رغم ثبات أسعار الأدوية وعدم تحريكها منذ فترة طويلة، لكن هذا لا يبرر الزيادة الكبيرة التي أعلن عنها وزير الصحة»، ومضيفا: «الدولة تنعش اقتصادها على حساب الطبقات الكادحة». وقال الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، إنهم فوجئوا بأن الأصناف التي سيتم رفع سعرها بنسبة 20%، تمس شرائح أصحاب المعاشات والأمراض المزمنة، الذين سيدفعون أضعاف ثمن الأدوية التي يستخدمونها، موضحا أن 72% من ال13 ألف نوع دواء مسجل بالصدليات، سوف يزيد سعرهم. ووصف فؤاد قرار رفع أسعار الأدوية ب«الحكومة تضع يدها في جيب المواطن»، مؤكدا أن القرار جاء تلبية لرغبات شركات الأدوية؛ من أجل حل أزماتها، لكنه يرى أن الحل يبدأ من إقرار قانون التأمين الصحي، وإعادة هيكلة الشركات القابضة، ومحاسبة الشركات التي ترفض إنتاج الأدوية، لافتا إلى وجود ما يقرب من 600 مليون نوع من الأدوية منتهية الصلاحية بالصيدليات، يجب على الحكومة أن تلزم الشركات التي رفعت الأسعار بإزالة هذه الأدوية بدلا من فرض زيادات على الأسعار، حفاظا على حياة المواطنين. وأوضح الدكتور صبري الطويلة، رئيس لجنة صناعة الدواء بنقابة الصيادلة، إن زيادة أسعار الدواء على الإطلاق دون التفرقة بين أنواع الأدوية، يرجع لسياسة الجزر المنعزلة التي تسير عليها الحكومة، دون أخذ آراء المتخصصين حول تبعات القرار، متابعا أن رفع أسعار الدواء على الإطلاق، سوف يحدث خلل الفترة المقبلة؛ باحتكار الشركات للدواء انتظارا لرفع أسعاره من أجل تحقيق مكاسب. وأكد الطويلة ل«البديل» أن نقابة الصيادلة طالبت مرارا بوضع أسعار للدواء بما يتناسب مع البعد الصحي للمرضى والبعد الاجتماعي للدواء الفعّال بسعر يتناسب مع المريض المتوسط الدخل وتحت المتوسط، بجانب مراعاة البعد الاقتصادي، مضيفا أن مشكلة شركات قطاع الأعمال أن أسعارها لم تتحرك منذ 20 عاما، والتي كانت تمثل 80% من كميات الأدوية المطروحة بالسوق، لكن قدراتها التنافسية تراجعت في الداخل أو الخارج، وكلفت الدولة من 180 إلى 200 مليون خسائر سنوية لشركات قطاع الأعمال. على الجانب الآخر، وصف الدكتور محيي عبيد، نقيب الصيادلة، قرار تحريك أسعار الأدوية ب«جيد»، قائلا: «نسعي دائمًا لتوفير علاج آمن وفعال وبسعر بسيط للمريض المصري، فنحن نقف مع المريض أكثر من وقوفنا مع الصيادلة، والزيادات في أسعار الدواء تتناسب مع الفقراء، خاصة أن الدواء لم يزد سعره منذ 15 عاما، وحينما يصل سعر الدولار إلى أكثر من 11 جنيها، يوجد خطورة حقيقية علي شركات الدواء المحلية، ويهددها بالخروج من المنافسة، فهذه الشركات تخسر سنويا من 160 إلى 180 ألف جنيه، لذا فتحريك سعر الدواء للمحافظة علي بقاء الصنف، أفضل من دفع المواطن إلى اللجوء للدواء المستورد بتكاليفه الباهظة».