كتب- سايمون هندرسون ترجمة: إسلام أبو العز عشية مغادرة السفير البريطاني للرياض في نهاية بعثته الدبلوماسية في السعودية عام 1984، كتب "برقية وداع" وصف فيها المملكة بثلاث مصطلحات تبدأ بحرف الألف؛ إسلام، انعزال، انعدام الكفاءة. وليس من دواعي الدهشة أنه تم تسريب البرقية فوراً، فالإسلام ما زال السمة الغالبة في البلاد، ولكن الانترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية تعني بالحد الأدنى أن جيل الشباب هناك على إطلاع جيد بما يجري في أنحاء العالم، وإن بقيت الصورة العامة لسكان المملكة انعزالية ومحافظة، أما بالنسبة لانعدام الكفاءة فإنها الأن أقل إخفاء، فمؤخراً في 23 إبريل تم إقالة وزير المياه والكهرباء لكفاءته الضعيفة. وعلى العكس من هذه الخلفية، أعلنت الرياض خطة اقتصادية جديدة في 25أبريل، سُميت ب"رؤية عام 2030″، وقد وافق عليها مجلس الوزراء السعودي على الفور؛ والخطة هي من بنات أفكار ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر ثلاثون عاماً، والذي يتطلع إليه بشكل مطرد أنه رمز لتطلعات الجيل الناشئ. وسيتم مساعدة حملته لتنفيذ "رؤية عام 2030" من خلال واقع اعتباره الشخص الأكثر نفوذاً في المملكة – نتيجة لكونه النجل المفضل للعاهل السعودي المريض الملك سلمان، على الرغم من أن إبن عمه الأكبر سناً، ولي العهد الأمير محمد بن نايف، هو أرقى منه من الناحية النظرية. التحديات الرئيسية ستكون قانونية. وإنه لأمر مثير للاهتمام أن يريد بن سلمان جذب الاستثمار الأجنبي إلى شركة النفط الوطنية "أرامكو السعودية"، وبناء أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، تصل قيمتها إلى 3 تريليونات دولار. ولكن نجاح الدول المجاورة، مثل أبو ظبي ودبي وقطر، في عالم الأعمال يرتكز على تزويد المستثمرين الأجانب بنظام لتسوية النزاعات التجارية على أساس القانون العام والتحكيم الأجنبي، بدلاً من الشريعة الإسلامية التي تهيمن على الحياة في السعودية. وهناك تحديان سياسيان يطلان برأسهما أيضاً. أولاً سوف تكون طبقة رجال الأعمال السعوديين والتكنوقراطيين المستفيدة من رؤية 2030، وهي طبقة متعطشة للفرص التجارية. ولكن يتعيّن على العائلة المالكة تحقيق التوازن بين تأثير نخبة الأعمال وبين سلطة "العلماء" – الهيئة الدينية التي تمنح الشرعية الدينية الضرورية لبيت آل سعود. ثانياً، يُعتقد أن الأمير محمد بن سلمان لا يتمتع بدعم كلي تام داخل العائلة المالكة، التي عادة ما تتخذ قراراتها بتوافق الآراء. فبعض الأمراء يعتبروه متهوراً وعديم الخبرة، وتراود العديد منهم مخاوف كما يرجح بأنهم سوف يفقدون امتيازاتهم في تأمين شروط مواتية للصفقات التجارية – وهي الطريقة التقليدية لجمع الثروة للعائلة المالكة، ولكنها تشكل أيضاً مصدر استياء بين صفوف أولئك من غير العائلة المالكة. ومن الناحية الاقتصادية، إن الخطة نفسها تبدو متناقضة في اعتمادها على الخصخصة الجزئية لشركة "أرامكو السعودية" لتمويل التحول لما هو بعيد عن الاعتماد على النفط. فلدى المملكة ما يفوق 15% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، وتأتي بالمرتبة الثانية بعد فنزويلا فقط، التي لديها تكاليف إنتاج أعلى بكثير من التكاليف السعودية. وحالياً، يرتبط ما يصل إلى 70 في المائة من الاقتصاد السعودي بالنفط. ولجذب المستثمرين الأجانب، ستحتاج المملكة إلى التحلي أيضاً بقدر أكبر من الشفافية حول المعلومات التي تنشرها. فغالباً ما تكون الإحصاءات الرسمية محدودة، كما لا تصدق في بعض الأحيان. على سبيل المثال، تشير البيانات الحكومية أن ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 30 مليون نسمة هم سعوديين وثلث مغتربين، إلا أن بعض الخبراء يعتقدون أن النسبة هي عكس ذلك بالضبط، الأمر الذي يقوّض الأساس الذي تقوم عليه خطط الرياض المعلن عنها حول السكن والاحتياجات التعليمية. وفي الأساس، تمثل رؤية 2030 انفتاح السعودية، ليس فقط أمام الاستثمار الأجنبي، بل أيضاً أمام الرأي العام العالمي، الذي يَعتبر معظمه أن الحظر الذي تفرضه المملكة على قيادة النساء للسيارات، وقطع الرؤوس بصورة علنية، والجلد وفقاً لتوجيهات الدولة، وغيره من الممارسات – جديراً بالشجب أو الاستنكار. هذا الأمر قد يخيف بعض المستثمرين المحتملين بسبب سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان المثير للجدل، والذين هم التي تستهدفهم الرياض في جذب رؤوس أموالهم أكثر من غيرهم وخاصة في الغرب. وقد شكلت هذه المخاوف أيضاً جزءاً من المحادثة التي أجراها الرئيس أوباما مع الملك سلمان ونجله، وغيرهم من كبار الأمراء خلال زيارته للمملكة الأسبوع الماضي، إلا أن العائلة المالكة قابلتها بالإشارة إلى كون هذه العقوبات إسلامية. إن الخلاف هو بمثابة تذكير بأن السعودية، موطن مكةالمكرمة والمدينة المنورة، لا تزال ترى نفسها زعيمة العالم الإسلامي. وتمثل 2030 خطة سعودية لزعامة اقتصادية في عالم لم يعد النفط مسيطر عليه، وإذا نجحت هذه الخطة، فسوف تجلب أيضاً تغييرات أوسع نطاقاً داخل المملكة.