يُعَدُّ الحديث عن العلاقات المصرية الإيرانية أحد أهم المواضيع المطروحة على الساحة الإسلامية والعربية خلال الفترة الراهنة، خاصة في ظل المفارقة التي تعيش مصر بداخلها، فهي تتقارب شكليًّا مع السعودية، وتختلف معها في كثير من النقاط الجوهرية، كالملف السوري والليبي وبعض تفاصيل اليمن. وفي الوقت ذاته تبتعد القاهرة عن طهران شكلًا، وتتفق معها في ضرورة مكافحة الإرهاب كداعش والنصرة، وضرورة المحافظة على سوريا كدولة مؤسسات ووحدة أراضيها، وكذلك التقارب مع روسيا. مساعٍ إيرانية لتطوير العلاقات مع مصر وفي هذا السياق أشار رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في مصر محمد محموديان أمس الأول أمام مجموعة من الكتاب والصحفيين إلى الطاقات الواسعة المتوفرة لتنمية وتطوير العلاقات بين إيران ومصر في مختلف المجالات، كما أعلن استعداد الجانب الإيراني للدخول في مفاوضات مع الشركات المصرية. وأضاف أن رئيس الجمهورية الإيرانية حسن روحاني يؤكد في استراتيجيات السياسة الخارجية لحكومته على تقوية العلاقات بين الدول المؤثرة بالمنطقة، قائلًا: لقد أكدنا على هذه النقطة دومًا، وهي أن القضايا بين دول المنطقة قابلة للحل عبر الحوار والطرق الدبلوماسية. وأشار إلى أن هناك طاقات واسعة يمكن أن تساهم في تطوير العلاقات بين إيران ومصر، خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية، معلنًا استعداد الجانب الإيراني التعاطي مع الشركات المصرية ورغبة المستثمرين والتجار والسياح الإيرانيين في تعزيز العلاقات الثنائية على أساس المصالح المشتركة والمتبادلة. الخلاف لا يصب سوى في صالح الكيان الصهيوني وأكد محموديان على أن محاولات أعداء الإسلام، خاصة الكيان الصهيوني، إثارة التفرقة في صفوف الدول الإسلامية عبر ترويج الخوف من إيران يصب فقط في مصلحة الكيان الصهيوني، كما شدد على الدور المؤثر والبناء للحوار بين الأزهر ومراجع وعلماء الدين الإسلامي في سياق دعم التضامن والتقارب بين الشعوب والدول الإسلامية. إشارات طهران الخاصة بفتح التعاون مع مصر كثيرة، فخلال نهاية يناير الماضي كان هناك تصريح من أمير حسين مساعد وزير النفط الإيراني بأن هناك عرضًا مقدمًا لمصر لشراء النفط منها بتسهيلات كبيرة، وذلك في إطار سعي طهران لتحسين علاقتها مع القاهرة خلال المرحلة المقبلة، حينها أيضًا تجاهلت القاهرة هذا العرض، الذي اعتبره مراقبون محاولة غزلية من الجانب الإيراني. هل يجب على مصر إعادة حساباتها؟ لا يمكن مناقشة الوضع السياسي بمعزل عن الاقتصاد، ففي كثير من الأحيان تفرض الجوانب الاقتصادية شروطها على السياسية، ومصر الآن تواجه صعوبات مالية ضخمة تحتاج لحلول وبدائل سريعة، فأزمة الدولار ونقص الاحتياطي المصري والسياحة مواضيع ألقت بظلالها الثقيلة على كاهل الاقتصاد المصري، خاصةً في الوقت الذي يظهر فيه تراجع واضح من الدعم الخليجي، ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لاتباع استراتيجية جديدة كشف عنها من خلال الحوار الذي أجرته معه مجلة «جون أفريك» الفرنسية 14 فبراير الماضي، حيث قال: إنه يتمنى الاستغناء عن المساعدات المالية من دول الخليج، مضيفًا: من الصعب العيش معتمدًا على مساعدات الآخرين. وحتى إذا أراد السيسي الاستمرار في نهج الدعم الخليجي لمصر، فإن الخليج نفسه غير قادر على ذلك؛ فهو يعاني من أزمات مالية خانقة نتيجة لانخفاض أسعار النفط وسياسات بعض دول الخليج الخاطئة في افتعال حروب تستنزف ما تبقى من احتياطاتها. مصر والكيان الصهيوني تجاهل مصر لإيران والتعامل معها على أنها دولة غير موجودة استراتيجية يجانبها الصواب؛ فأزمات القاهرةوإيران التي بدأت منذ عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، عقب استقباله لشاه إيران في مصر، بعدما أطيح به خلال ثورة شعبية في طهران، لا تستطيع أن ترسم ملامح سياسية واستراتيجية على المدى البعيد، كما أن الخلاف بين القاهرةوطهران بعد توقيع مصر اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني وما تلاها من أحداث، وهو الأمر الذي دفع مصر إلى طرد السفير الإيراني وتدهور العلاقات المصرية الإيرانية حتى الوقت الحالي، يمكن استثمارها في ظل اليقين المتمثل بعقيدة الجيش المصري أن إسرائيل ستبقى عدوة للقاهرة، كما أن طموحات الكيان الصهيوني وأرضه الممتدة من النيل إلى الفرات تشير بوضوح إلى أن تل أبيب ستحاول انتهاز أي فرصة تمكنها من مصر، وبالتالي التطبيع السياسي والاقتصادي بين القاهرة وتل أبيب، والذي يقف حائلًا بين تقارب مصر وإيران، لن يصب في صالح مصر، فالكيان الصهيوني يعتبر إيران عدوه الأكبر، وابتعاد مصر عن أي دولة تشاطره العداء لإسرائيل هو خسارة لمصر على المدى الطويل. القاهرة بين الرياضوطهران السعودية نفسها التي يراها مراقبون عقبة في تقارب القاهرةوطهران لا تنفكعن إظهار نوع من المرونة في تعاطيها مع إيران، فتصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير 9 مارس والتي قال فيها "إن السعودية لا ترى مانعًا من فتح صفحة جديدة مع إيران إذا غيرت سياستها" تشير بوضوح إلى أن السعودية تعتبر أن خلافها مع طهران سياسي وليس مذهبيًّا. وأضاف الجبير أن إيران جارةٌ مسلمة وصاحبة حضارة، ومستعدّون لفتح صفحةٍ جديدة معها. تصريحات الجبير تعني أنه إذا غيرت طهران سياستها، فالمملكة لا تمانع من التقارب معها، كما كان الحال قبل إعدام الرياض للشيخ النمر مطلع العام الجاري. السياسة الإيرانية التي تعترض عليها السعودية تتوافق إلى حد كبير مع السياسة المصرية، فمصر ترى، وبالتنسيق الكامل مع روسيا، أن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسيًّا، وأن الشعب السوري هو من سيحدد مصير الرئيس الأسد، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة هناك، كما أن مصر تتعارض مع السياسة السعودية في الملف الليبي، حيث تساند مصر الجيش ومؤسسات الدولة الليبية، بينما تهمل السعودية هذا الملف، وتسعى إلى دعم فصائل مسلحة قد تهدد أمن مصر. وعلى ضوء ما سبق فإن إعادة تركيب هيكلة العلاقة بين مصر وإيران بزاوية مختلفة أصبحت أمرًا ملحًّا، خاصة بعد مرونة العلاقات الدولية التي نشأت مع طهران بعد الاتفاق النووي، والقاسم المشترك الأكبر الذي فرضه تواجد الدب الروسي في العلاقة بين القاهرةوطهران. القاهرة بين أنقرةوطهران متابعة التحركات التركية أمر مهم جدًّا في تقييم العلاقة بين مصر وإيران، فتركيا التي وافقت السعودية على تشكيل مجلس تعاون استراتيجي نهاية العام الماضي يهدف لتقويض النفوذ الإيراني بالمنطقة، ذهبت لطهران في محاولة لتعزيز اقتصادها، وهو أمر لا يخلو من السياسية؛ فإيران بوابة الأتراك لموسكو. في 5 مارس الماضي التقى رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران، وبحث معه جملة من الملفات، بينها الصراع في سوريا، وتعهد بتطوير العلاقات مع إيران ورفع التبادل التجاري بين البلدين إلى 50 مليار دولار، وأكد داود أوغلو خلال اللقاء على جدية بلاده في فتح فصل جديد من التعاون مع إيران، وقال إن على البلدين تطوير منظور مشترك لإنهاء الصراع الطائفي في المنطقة. تركيا التي لا تبدو على توافق مع مصر، خاصة بعد غياب حليفها الإخواني عن المشهد السياسي في مصر، تحاول إيجاد ملامح للتقارب مع إيران على خلفية التوتر الذي حدث بينهما على الملف السوري، والرابط بين القاهرةوأنقرةوطهران هو حركة حماس، فتركيا لا تخفي سعيها لتعزيز علاقاتها مع الحركة الفلسطينية، وفي المقابل حماس لا تنفك عن طلب الدعم الإيراني لها، وهنا تبقى القاهرة أمام مشهد تركي يسعى للاقتراب من حماس؛ حتى تتمكن أنقرة من استكمال التطبيع مع العدو الصهيوني؛ ما قد يهدد أمن مصر، كما أن ممارسات تركيا في سوريا لا تصب في صالح مصر على كل الأحوال، ما يعني أن على مصر إيجاد توافقات سياسية ولو بالحد الأدنى مع طهران؛ لتتجنب المنطقة صراعات باتت تلوح في الأفق.