الشبه كبير بين السيسي والخليل كوميدي. كلاهما يظن في نفسه رجلا آخر، وكلاهما غمرته الشهرة في فترة وجيزة، وكلاهما لا يكترث بآراء الآخرين في إمكانياته وقدرته على أداء دور اختاره لنفسه، وكلاهما أيضا دمث الخلق عف اللسان، يبدي تسامحا تجاه كل إساءة يوجهها المشككين والمنتقدين والساخرين. (1) لابد للمرء ان يكون واثقاً من نفسه، هذا هو السر .. حتى عندما كنت أعيش في ملجأ للأيتام، وحتى عندما كنت أجوب الشوارع بحثا عن لقمة خبز أسكت بها معدتي الجائعة... في كل تلك الظروف القاسية، كنت اعتبر نفسي أعظم ممثل في العالم" شارلي شابلن (2) يرى السيسي أنه "طبيب" هذه الأمة، العارف بأداوئها، والقادر على إبراءها، المذل لأعدائها، والمعز لأبنائها، الناهض بأمنها، والساهر على استقرارها، الباسط جناح الحنو على فقرائها، وجناح الغلظة على أغنيائها، ليس فوق رأيه رأي، ولا تعلو حكمته حكمة. يبز كبار السياسيين والاقتصاديين، ويداوم في لقاءاته وخطاباته على تلقين الإعلاميين، ونُصح المثقفين والمفكرين، وتوصية رجال الدين، "ربنا خلقه كدة.. يبقى عارف الحقيقة ويشوفها" لذلك ف"كل الدنيا بيقولوا دلوقتي اسمعوه، مين الدنيا؟ خبراء المخابرات والسياسيين والإعلاميين وكبار الفلاسفة لو حبيتوا". والخليل كوميدي يتصور أنه "أصل الضحكة في مصر"، وكوميدانها الذي لا تطيش له نكتة ولا تخيب له قفشة. هو الآخر يتمتع بمواهب عدة، في التقليد والتمثيل، ويرى أنه صاحب رسالة في أن تصبح " الضحكة والابتسامة دايما على طول معانا" عبر فيديوهاته الساخرة "اللي لازم تمس قضية اجتماعية، ومن القضية دي بنقاش مشكلة معينة سواء بالتقليد أو بالنكت، ومن هنا وهناك بنحل المشكلاته" الخليل هو الآخر متسامح تجاه منتقديه، وتعليقه الدائم، حول هذه النقطة، أن من لا يرغب في مشاهدة فيديوهاته فلا يفعل، لكنه يملك يقينا لا يتزحزح بأن جمهورا واسعا يستمتع بنكاته وتضحكه قفشاته، وإلا فمن أين له بنسبة المشاهدة العالية المسجلة بمواقع "السوشيال ميديا"؟! (3) ثقة الخليل كوميدي في نفسه لا يباريها إلا ثقة السيسي بنفسه، لا يتراجع أو يهتز أمام أي من الانتقادات والاتهامات التي تتزايد عليه يوما بعد يوم، فمن اختراع الكفتة الذي كان وما زال مثار سخرية القاصي والداني، إلى "القناة الجديدة" التي تراجعت أرباحها، بحسب الأرقام الرسمية، بعد الافتتاح، واستدانت شركتها 400 مليون دولار؛ إلى العاصمة الجديدة التي تحدى بها الرئيس التاريخ والجغرافيا وآراء الخبراء والمتخصصين والأوضاع الاقتصادية البالغة السوء، وسرعان ما سيطويها النسيان، بعد انسحاب المستثمر الإماراتي، كأن لم تكن. يا جبل ما يهزك ريح! كل هذا لم يفت في عضد الرئيس، معلنا أن إنجازات كثيرة تحققت لكنه يخفيها بعيدا عن أعين الأشرار. الإعلام لا يراجع الرئيس فيما يقول أو يفعل، بل يراجع رجالَ الإعلام عباس كامل، مدير مكتب الرئيس، فيما يبثونه للناس، فذائقة الفيلد مارشال لا تستسيغ النقد. حال الإعلام مع السيسي يختلف عنه مع الخليل كوميدي، فمنذ بزوغ نجم الأخير وانتشار فيديوهاته على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لم يسلم من الهجوم والنقد، وإن أفسحت له الفضائيات مساحة لعرض موهبته فلكي تسخر منها ومنه. استضافته إحدى المذيعات المدعيات فقدمت برنامجها بتقرير يصف الخليل بالابتذال وختمت البرنامج بالاعتذار إلى الجمهور لاستضافته! المذيعة "الأون تيفية" لم تر في إهانتها لضيفها إبتذالا وانعداما للمهنية بل رأته فقط فيما يقدمه الخليل كوميدي. عين الإعلام حمراء على الخليل كوميدي وعلى السيسي عطوف حانية! (4) السيسي أعلن أنه لا يملك برنامجا، ولم يطرح حتى رؤية عامة، فقط حديث مهوش وخطاب بالغ السذاجة. السيسي اعتمد في الترويج لنفسه على آلة إعلامية ضخمة، جندتها الشئون المعنوية والأجهزة الأمنية، وسوقته للناس على اعتباره المنقذ، "اللي هيخلي مصر أاااد الدنيا". الخليل كوميدي اعتمد على نفسه فقط، وضع أفكار فيديوهاته وصورها ومَنْتَچَها بنفسه، ثم أطلقها من صفحته الشخصية على الفيس بوك وقناته على اليوتيوب. الخليل كوميدي لم تساعده مؤسسة أو تسانده صحيفة أو تشجعه قناة. السيسي اصطحب شعبه في متاهة من الخيالات والأوهام. السيسي ابتز بحديثه عواطف الناس وغيب بإعلامه عقولهم وسرق بفشله واستبداده حلمهم. السيسي ادعى ما ليس له، واستعمل مؤسسات الدولة التي أؤتمن عليها، في لحظة تاريخية حرجة، لتحقيق حلمه في ارتداء ساعة أوميجا! الخليل كوميدي لم يخدع أحد أو يعد بما لا يستطيع. الخليل كوميدي قدم بضاعته للناس فمن شاء منهم شاهدها، ومن شاء أعرض. الخليل كوميدي وإن أعوزته الموهبة وخفة الظل، فدأبه وصبره كانا سلاحاه لبلوغ الشهرة. الخليل كوميدي لم يخن أو يخادع بل كان صاحب إرادة وعزيمة لا تلين رغم الإحباطات التي تمطره بها "كومنتات" الفيس بوك، وبرامج الفضائيات. كن مثل الخليل كوميدي ولا تكن مثل السيسي! [email protected]