(1) للأسف (وربما لحسن الحظ) لا أعرف عن قرب، حضرة الأستاذ المهذب هومير المسلماني، فأنا لم أقابله تحت برج إيفل، ولا في فندق إنتركونتيننتال أبوظبى حيث تناول الغذاء على مائدة تونى بلير، ولم أركب معه طائرة وهو يجوب الآفاق للقاء القادة والزعماء والعلماء، لذلك كتبت اسمه على محرك البحث لأعرف من يكون، وجاءت المعلومات واقعية إلى حد الدهشة: أحمد محمد محمود المسلماني، تاريخ الولادة:23 سبتمبر، مكان الولادة: كفر الدوار/ محافظة الغربية!. (2) لا تتعجب، اتعب نفسك شوية، ربما تعرف أن "كفر الدوار" التي ينتسب إليها المسلماني ليست إلا قرية صغيرة في مركز بسيون بمحافظة الغربية، لكنها مع الإعلامي العميق تتجاسر لتناطح أهم وأشهر مدينة صناعية في محافظة البحيرة، لتثير البلبلة، وتشككك (3 كاف) في إمكانية وجود خطأ ما في بيانات الباحث الرصين، لكن يبدو أن "البلبلة والتشككككك" (كافات على كيف كيفك) مزاج عند المسلماني، ففي أحدث مقالاته المعنون: "هيكل والوقيعة مع السودان.. وقفة ثانية عشرة مع الأستاذ" يفاجئنا المؤرخ الموسوعي أن الشاعر السوداني "الهادي آدم" هو صاحب أغنية "هذه ليلتي" وليس اللبناني "جورج جرداق"، ثم يواصل بثقة وقفته التاريخية ل"تأديب" الأستاذ هيكل وتفنيد مقولاته!. (3) لم تحضرني الشجاعة يوما لقراءة مقالات المسلماني (ولا مشاهدة برامجه التليفزيونية.. استغفر الله)، حتى أرسل لي قارئ مشاكس طرفة "الهادي آدم"، قلت نادماً: لقد فاتتني "الوقفات"، فقد كنت اعتبرها مجرد عبث صبياني لا يجب تضييع الوقت في قراءته، فالعزيز المتأنق ليس لديه قيمة معرفية يضيفها (حتى عندما كان باحثا في مركز دراسات الأهرام)، ومؤلفاته ذات الطبعات المتعددة مجرد منقولات شائعة، وبضاعته في الحديث والكتابة ليست إلا حكايات التجوال، ومباهاته بالجلوس على موائد الأمراء والسفراء و…اء، بالإضافة إلى إدارته لتوكيل العلاقات العامة الخاص بالدكتور زويل، لكن لما وصلتني "القفشة" مَلَأَتْ رأسي فكرة "المشاكسة المرحة"، ورأيت أن أتصفح المقالات ربما أفهم ماذا يقول المسلماني؟، أو بصراحة أكثر: ربما يفهم هو ماذا يقول؟ أو ماذا يريد مما يقول؟ (4) المسلماني منمق كخادم إنجليزي، يعيش الحياة بطريقة هندسية تثير الضحك في أحيان كثيرة، يريد أن يتقمص هيكل، فيبدو كما لو كان كل شئ عنده بحساب، لكنه فجأة يسقط من المشهد ويختفي في لحظات الفوضى والارتباك، التي تحتاج من المواطن إشهار "هويته"، ومن الكاتب أو السياسي إشهار "مواقفه"، ولما ينجلي الأمر ترى المعجباني (أقصد المسلماني) واقفاً بالبدلة السوداء والكرافتة الحمراء، تحت شراع المركب القادر على الإبحار، وتحت إمرة ريس المركب أيضا، هذا التيه في الزمن يفسر للحيارى من أمثالي لماذا طالت "وقفته" مع الأستاذ 7 سنوات كاملة!، فقد بدأ في يناير 2009، بمقال ساذج تضمن ملاحظات سطحية على حوار لهيكل في قناة "الجزيرة"، أشاد في مقدمته بأستاذه قائلاً بالحرف: "يرى المفكر الكبير جمال حمدان، فى أستاذنا الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، "الصحفى الأول فى العالم".. ويراه جيلى أكبر من ذلك بكثير، فهو يتجاوز الصحفى إلى ما هو أبعد وأوسع وأعمق، وأبقى". بعد المديح في المُكَّمَل، ذهب المسلماني إلى تعليقاته "الهوائية" العاتبة من نوع "صمت حين صمت الجميع، وتحدث حين تحدث الجميع!"، ودافع المسلماني عن "حيادية" قناة "الجزيرة" مقابل ما اعتبره اتهاماً من هيكل لها ب"التعبئة"، ولام هيكل على قوله: «الدول العربية التى تسمى معتدلة.. لا أعرف معتدلة فى ماذا؟».. واعتبرها المسلماني "سخرية ليست فى محلها"..! (5) بعد أكثر من 6 أشهر عاد المسلمانى في "وقفة ثانية مع الأستاذ" (24 يونيو 2009)، أخبرنا فيها أنه جلس بجوار الأستاذ على مائدة إفطار «المصرى اليوم» فى رمضان، وقال: بدأنا حديثاً ثنائياً امتد ساعة كاملة"! (ثنائي؟ وساعة كاملة؟ على مائدة إفطار رمضاني لصحيفة!.. ماشي).. المهم أنه حدثنا عن الرئيس الجزائري أحمد بن بلَّا ولقائه بالرئيس الأمريكي جون كيندي، وعن مناقشته هيكل عن أمريكا وكوبا وأنواع السيجار، وفجأة بدا يناقش حوارا نشرته "الشروق" مع الأستاذ عن خطاب أوباما في جامعة القاهرة (إنتو فاهمين حاجة؟) ما علينا.. طبعا الحوار لم يعجب "صاحب الوقفات" فأراد كعادته أن يلقي الدروس على هيكل لعله يتعلم!. وكتب بطريقة: "مع احترامي لسيادتك اسمح لي أطلع عين أهل حضرتك" فقال: ولأننى واحد ممن يحملون للأستاذ من المشاعر ما يتجاوز الحب، ومن التقدير ما يتجاوز الاحترام.. فقد أخذنى التردد.. بعد أن دخل على خط المواجهة مَنْ أساء إلى قيمة المعركة وإلى أوزان المتحاربين!.. (حلوة أوزان المتحاربين دي!)، وطبعا انتصر المحارب على التردد لأن (وهذا مقتطف) "حديث الأستاذ يؤسس لتهافت جديد فى العقل السياسى العربى". (6) هكذا امتطى المسلماني حمار كيخوتة ومضى يواصل اعتراضاته المضحكة، ومنها على سبيل المثال: "الأستاذ الذى لم يحدث أن تعالى على (ريجان) الممثل المغمور القادم من هوليوود.. جاء حديثه متعالياً للغاية على أوباما رجل السياسة القادم من الإسلام والمسيحية ومن أفريقيا وآسيا وأمريكا.. ومن جامعة هارفارد ومجلس الشيوخ! (ناقص يقول من روكسي).. "الأستاذ استخدم (ضد أوباما) نفس المفردات التى يستخدمها اليمين العنصرى فى الغرب مثل «رجل أسود».. «يمثل أقلية».. «خارج السياق»…".. "الأستاذ بدا حانقاً على القاهرة وربما غير سعيد باختيارها كمكان للخطاب بدلا من جاكرتا لأنها بعيدة عن قلب العالم الإسلامى، والسعودية التي رفضت"…. ششششش… ششششش… ششششش.. (7) يقول هيكل: إن زيارة الأهرامات كذا… فيقول المسلماني: مش كذا، يقول هيكل أوباما ذهب إلى تركيا والسعودية..، فيرد المسلماني: بس احنا أجدع.. ويختتم وقفته الثانية قائلا: "حديث الأستاذ في «الشروق» أشبه بالكلام العادى.. كل ما فيه جديد ليس بمفيد، وكل ما فيه مفيد ليس بجديد.!.. كنا ننتظر تحليلات عميقة، لكن الأستاذ تحدث طويلاً ولم يقل شيئًا.. تطرق إلى كل ما هو غير مهم وترك الأهم، تفرغ للنيل من القاهرة ومن مكانة الدولة المصرية، ومن الخطاب وصاحب الخطاب.. ووصل إلى تحليلات «الفطير المشلتت» وغيرها من صغائر الأشياء التى لا تليق ومقام الأستاذ. جرى إيه يا أحمد؟ رَكِّز، فين السؤال؟.. فين النقد؟.. هو الكلام الفاضي ده محتاج الوقفة الطويلة دي ياحبيبي؟.. ربنا يهديك يا أحمد.. جَمَّع وقول جملة مفيدة… خنقتني ياجدع. (8) العزيز المسلماني/ أرجو أن تتحمل الأسلوب الساخر للمقال، فهو مجرد أسلوب فني لعرض "أوديسا الوقفات" لا ينال من شخصك، خاصة وأنني مضطر برغم الخفة والتهكم أن أناقش بجدية بعض القضايا التي لمستها (لمستها إيه؟.. قصدي خبطتها) في الأوديسا العجفاء التي "تحزق" فيها منذ 7 سنوات، وللا أقول لك.. خليك للمقال الجاي أحسن. [email protected]