في الوقت الذي يصعد فيه الاحتلال الصهيوني انتهاكاته وإجراءاته العقابية في وجه الهبّة الفلسطينية المستمرة منذ أكتوبر الماضي، ومع ارتفاع أعداد القتلى والمصابين جراء اعتداءات قوات الاحتلال الصهيوني اليومية، خرج الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ليحبط آمال الفصائل الفلسطينية الداعية إلى وقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، بإعلانه استمرار السلطة الفلسطينية في التنسيق الأمني مع إسرائيل. وأعلن الرئيس عباس، أن التنسيق الأمني مع كيان الاحتلال الإسرائيلي مستمر، قائلًا: «التنسيق الأمني قائم حتى هذه اللحظة، نقوم بواجبنا على أكمل وجه»، متابعا: «مهمة الأمن أن يمنع أو يحول دون اضطراب في الأمن، أي أنه سيتم إلقاء القبض على كل من يحاول أن يعمل ضد الأمن»، ودافع عباس عن منع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، في بعض الأحيان، المتظاهرين الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن الاحتكاك مع قوات الاحتلال أو اعتقال أشخاص، معتبرًا أن الأجهزة الأمنية تريد حماية الفلسطينيين وحماية البلد. وأضاف الرئيس الفلسطيني: «الأجهزة الأمنية تقوم بواجبها بأوامري، أنا لا أسمح لأحد أن يجرني إلى معركة لا أريدها.. نحن مع الهبّة الشعبية، ونحن مع المقاومة الشعبية السلمية»، مؤكدا جاهزيته للعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل، لكن بشرط وقف الاستيطان والإفراج عن ثلاثين أسيرًا فلسطينيًا معتقلين منذ ما قبل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993. تصريحات الرئيس الفلسطيني ربما زادت الشعب وفصائله إحباطًا، فمنذ بداية الهبّة الفلسطينية تعالت صيحات الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة الداعية إلى وقف التنسيق الأمني مع السلطات الإسرائيلية والانخراط في مواجهة الاحتلال، وأجمعت حينها حركة حماس، والجهاد الإسلامي، ولجان المقاومة الشعبية، وحركة الأحرار الفلسطينية، والجبهة الشعبية – القيادة العامة، وجبهة النضال الشعبي، إضافة للجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، على هذا المبدأ، لكن القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها محمود عباس لاتزال تتمسك بتطبيق التعاون الأمني مع إسرائيل، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الصهيوني، ولايزال مُصرا على اتباع النهج التفاوضي، رغم نقض الحكومة الإسرائيلية لجميع الاتفاقات وعدم الالتزام بها واتباعها لسياسة العنجهية والاستيطان ومصادرة الأراضي، ومحاولات إقصاء الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضيهم، والتهرب من الجلوس إلى طاولة حوار جديدة، ورفضها تقديم أي تنازلات للوصول إلى حل سياسي. كان الرئيس عباس هدد في سبتمبر الماضي بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، خلال خطاب حماسي ألقاه من أعلى منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال حينها إنه ينوي تفجير قنبلة أثناء خطابه، لكن يبدو أنه كان مجرد تهديد فارغ من مضمونه، وأن قنبلته كانت دخانية لم يتبعها أي تحرك ملموس. حديث عباس عن استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني يكشف مدى فشل هذا الكيان في إيقاف أو تحجيم العمليات الفلسطينية رغم تعاون السلطات الأمنية الفلسطينية معه، فأجمع كبار المحللين في الكيان الصهيوني على أن الجيش والمخابرات الإسرائيلية عاجزان عن وقف عمليات المقاومة في انتفاضة القدس، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في مساعدة إسرائيل على إحباط هذه العمليات. وقال معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة معاريف، يوسي ميلمان، إن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة قدمت لإسرائيل المعلومات اللازمة التي مكنتها من إحباط العمليات التي خططت لها التنظيمات الفلسطينية، مرجعا الفضل للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في مساعدة جهاز المخابرات الداخلية «الشاباك» في إحباط العمليات التي خططت لها الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس لتنفيذها في الضفة الغربية مؤخرًا. تأتي تصريحات عباس مع دخول الهبّة الشعبية الفلسطينية شهرها الرابع، واستمرار الانتهاكات الصهيونية سواء من جانب المستوطنين المتطرفين أو القوات الإسرائيلية بدعم وتوجيهات السلطات الإسرائيلية، وكان آخرها جريمة قتل حارس أمن إسرائيلي لفتاة فلسطينية تدعى "رقية عيد" وتبلغ من العمر 13 عامًا بالرصاص، زاعمًا أنها حاولت طعنه في مستوطنة عنتوت في منطقة عناتا شمالي القدسالمحتلة. ومن جانبه، أعلن التجمع الوطني لأسر شهداء فلسطين، أنه بارتقاء الطفلة رقية عيد، يصبح عدد شهداء الهبّة الجماهيرية 164شخصا سقطوا بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي في القدسالمحتلة والضفة الغربية منذ بداية أكتوبر الماضي، وأفاد التجمع بأن عدد الشهداء أقل من 18 عامًا خلال الهبّة 39، وتعتبر الطفلة رقية، ثالث أصغر شهداء الهبّة الجماهيرية بعد الطفل رمضان ثوابتة، البالغ من العمر ثلاثة أشهر، والطفلة رهف حسان البالغة من العمر سنتين.