عملت الحكومة السورية على استخدام استراتيجية تختلف كثيرًا عن تلك التي يعلوها صوت السلاح، حيث انتهجت الحكومة مبدأ «المصالحة الوطنية» وذلك بوساطة أممية مع المسلحين؛ بهدف المصالحة ووقف إطلاق النار وإتاحة ممرات آمنة تكون المنفذ للمدنيين السوريين والمسلحين الراغبين في ترك ساحة القتال والعودة إلى الحياة الطبيعية، هذه الاستراتيجية أثبتت نجاحها على مر سنوات الأزمة، في بعض المناطق السورية، بينما فشلت واستحلال تنفيذها في أماكن أخرى. وأعلنت وزارة شؤون المصالحة الوطنية السورية منتصف أكتوبر الماضي، أن عمليات المصالحة الوطنية أثمرت في السنتين الأخيرتين عن إلقاء نحو 16 ألف مسلح في ضواحي دمشق وحمص أسلحتهم، وقال وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية السوري علي حيدر: يجب التفريق في مستويات المصالحة وإعادة التأهيل، فعلى مستوى الأفراد، تعقد المصالحة على مستوى المناطق والمدن والقرى، ومهمتنا إعادة منطقة ما إلى الحياة السلمية لتعود سلطة الدولة إليها، أما على المستوى الجماعي فبلغت أعداد الذين ألقوا أسلحتهم وأعيد تأهيلهم خلال 6 أشهر الماضية في ضواحي دمشق نحو 6 آلاف مقاتل بما فيهم الموضوعين على قائمة المطلوبين، أما في حمص وضواحيها الغربية يمكن أن نتحدث عن أعداد تتجاوز 10 آلاف شخص ألقوا أسلحتهم خلال العامين الماضيين. اتفاق الزبداني المصالحة في مدينة الزبداني جاءت على مرحلتين، الأولي كانت في سبتمبر الماضي، حيث وصلت المفاوضات بين المعارضة السورية المسلحة من جهة، وقوات الجيش السوري من جهة أخرى إلى اتفاق هدنة لوقف المعارك في مدينة الزبدانيبريف بدمشق وقريتي كفريا والفوعة بريف إدلب، واشتمل الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الطرفين ثم هدنة لمدة ستة أشهر، وتشمل الزبداني وكفريا والفوعة ومدينة إدلب ومناطق في ريفها، كما يقضي الاتفاق بإخراج كل المسلحين والراغبين من المدنيين من منطقة الزبداني باتجاه إدلب، مقابل خروج عشرة آلاف شخص من الفوعة وكفريا من الأطفال دون سن الثامنة عشرة، ومن النساء والمسنين فوق الخمسين، بالإضافة إلى الجرحى. تطبيق الاتفاق فشل؛ نتيجة تراجع المسلحين عن بعض نقاط الاتفاق الأولي، حيث كان يقضي بانسحاب المسلحين إلى إدلب في مقابل سحب المدنيين من كفريا والفوعة، إلا أن المسلحين من أحرار الشام وجبهة النصرة طالبوا بانسحابهم إلى درعا بدل إدلب وهو طلب تم رفضه، كما طالبوا أيضًا بأسرى منهم لدى الجيش السوري والمقاومة اللبنانية. المرحلة الثانية من الاتفاق، انطلقت صباح الاثنين الماضي، حيث بدأت عملية إجلاء متبادل بين قوات الجيش السوري ومسلحي المعارضة، كما عبرت سيارات الصليب الأحمر نقطة المصنع الحدودية باتجاه الزبداني السورية لإجلاء الجرحى، ليتم إجلاء 123 جريحًا من مدينة الزبداني إلى تركيا عبر مطار بيروت الدولي ثم إلى مطار هاتاي التركي. وينص الاتفاق أيضًا على توجه حوالي 300 أسرة في بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين من المعارضة المسلحة في محافظة إدلب، وذلك في قافلة برية إلى الحدود التركية ثم إلى بيروت جوًا عبر مطار بيروت، ثم تخرج من الأراضي اللبنانية عبر نقطة المصنع باتجاه دمشق، كما من المقرر أن تدخل قافلة مساعدات إلى مضايا اليوم. مخيم اليرموك شهد مخيم اليرموك العديد من محاولات تحييده وتجنيبه ويلات الاقتتال، وذلك من خلال إتمام اتفاقيات وقف إطلاق النار ومصالحات يتنفس بمقتضاها المدنيين هناك الصعداء، إلا أن الكثير من هذه المحاولات باءت بالفشل، وكان مصيرها دائمًا الخرق، بسبب تعنت أحد الأطراف أو تغير الشروط أو انقسام المجموعات المسلحة داخل المخيم بين موافق على الهدنة ورافضها، فوفق مصادر حكومية سورية فقد فشل أربع مبادرات سابقة داخل المخيم خلال العامين الماضيين فقط. كان آخر هذه المحاولات اتفاق هو الأول من نوعه الذي يشمل تنظيم داعش، وتم توقيعه بين الحكومة السورية وكبار مسلحي التنظيم داعش والنصرة في بعض المناطق بالمخيم، وكان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ السبت المقبل، وينص الاتفاق، على خروج ما يقارب أربعة آلاف مسلح ومدني، بينهم أكثر من ألفي مسلح غالبيتهم من تنظيم داعش وجبهة النصرة من مناطق القدم والحجر الأسود واليرموك جنوبدمشق، والمرحلة الثانية من المفترض أن يتم إزالة السواتر الترابية وتسوية أوضاع المسلحين الذين فضلوا البقاء وتأمين مقومات الحياة وعودة مظاهر مؤسسات الدولة وتحصين المنطقة ضد الإرهاب. مقتل قائد حركة جيش الإسلام زهران علوش شكل حجر عثرة أمام تنفيذ الاتفاق، حيث اشتعل القتال بين الجيش السوري وما يسمى بجيش الإسلام، وهو ما جعل الطريق الذي ستسلكه قافلة المغادرين غير أمن، وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن، إن عملية خروج المسلحين جمدت ولم تنته؛ بسبب أمور لوجستية تتعلق بصعوبة تأمين الطرق المؤدية إلى نقطة الاستلام في ريف حمص الشرقي وريف حماة الشرقي، قبل انتقال المغادرين إلى الرقة وريف حلب الشمالي، وأشار إلى سبب ثان يتمثل بطلب مسلحي جبهة النصرة التوجه إلى محافظة إدلب بدلا من ريف حلب الشمالي. حي الوعر انطلق قطار المصالحة في مدينة حمص، حيث تم تطبيق اتفاق مصالحة بين الحكومة السورية والفصائل المسلحة برعاية الأممالمتحدة، وبموجب الاتفاق غادر 270 مسلحًا من جبهة النصرة حيّ الوعر، بجانب 450 شخصًا مدنيًا من عائلاتهم، ووصل مسلحوا النصرة وعائلاتهم إلى قلعة المضيق بريف حماة بعدما جرّدوا من السلاح، على أن يبيتوا فيها ليلة ويكملوا طريقهم إلى ريفي إدلب وحماة، فيما سيظل ألف مسلح آخر في المدينة، فضلوا تسليم كل أسلحتهم والبقاء في الوعر وتسوية أوضاعهم مع الجيش السوري، على الخروج إلى جبهات أخرى في الشمال السوري ومواصلة القتال. قدسيا وقعت السلطات السورية وثيقة مصالحة لتسوية أوضاع أكثر من 40 مسلح في مدينة قدسيا، حيث اتفق الطرفان على خروج عدد من المسلحين وعائلاتهم دون اسلحتهم باتجاه إدلب في سيارات تؤمنها الدولة والهلال الأحمر السوري، كما تم التوقيع على وثيقة المصالحة في مقر القيادة بدمشق عبر لجنة مفوضة من الأهالي وبحضور مفتي دمشق وريفها الشيخ محمد عدنان الأفيوني وأمين فرع حزب البعث في ريف دمشق، وتضمنت الوثيقة إنهاء جميع المظاهر المسلحة وإعادة الأمان للمدينة وتسوية أوضاع المطلوبين الراغبين بالتسوية وخروج من لا يرغب من المدينة نهائيًا.